أوروبا التي تحصن نفسها خوفاً من الحليف الأمريكي!

هبا علي أحمد |

تستميت الدول الأوروبية في كل مرة لإظهار نفسها بمظهر المختلف والمتمايز عن الولايات المتحدة الأمريكية، وتقتنص لأجل ذلك جميع الفرص المتاحة على الساحة الدولية، في محاولة منها لطي صفحة التبعية لواشنطن لخلق نسق جديد لنفسها يتماشى والمستجدات الدولية الراهنة التي تؤسس لعالم جديد بموازين ومعادلات مختلفة عن العقود الماضية.
لم يعد الخلل الذي ضرب طبيعة العلاقات الأوروبية- الأمريكية خافياً على أحد وهو خلل يظهر ويعاد التذكير به عند كل مستجد تعمل عليه أمريكا وتستقطب لأجله حلفاءها، فبينما تسعى الأخيرة لتأمين أكبر حشد دولي للمشاركة في مؤتمر «وارسو» المعادي لإيران الشهر المقبل، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني بأنها لن تشارك في المؤتمر، كما ظهرت مؤشرات بأن دولاً أوروبية لن تشارك بالقمة بسبب «عدم وضوح الأهداف»، كما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.
عدم المشاركة الأوروبية فيما لو تمت، ليست من باب الدعم لإيران والوقوف إلى جانبها، لكن من باب تحصين أوروبا لنفسها وهذا ينطلق من عوامل فرضتها المرحلة الراهنة حيث باتت الدول الأوروبية تضعها نصب أعينها مؤخراً، وهي تتعلق بسياسة الفوقية التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه الأوروبيين، من حيث الضغط عليهم ومطالبتهم بمضاعفة المساهمة في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، وفرض رسوم جمركية على الصلب والألمنيوم، والانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني, في حين يتمسك الأوروبيون بالاتفاق بما يخدمهم اقتصادياً مع الاستثمارات والسوق الواعدة في إيران أمام أوروبا فيما لو تمسكت حتى النهاية بالاتفاق، إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة لم تفكر في حماية حلفائها من أي مخاطر بل على العكس تماماً تقودهم هي إلى الخطر لتحقيق أولوياتها ضاربة بعرض الحائط كل ما دون ذلك، وهذا واضح من خلال عزمها الانسحاب من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مع روسيا بما يشكل تهديداً حقيقياً على أمن أوروبا وباعتراف الكثير من المسؤولين الأوروبيين.
ومع تكرار الاختلافات والخلافات بين أوروبا وأمريكا وتنافر المواقف، تجد أوروبا نفسها تقود معركة لابد منها لإثبات الوجود في ظل المتغيرات التي طرأت على علاقتها مع أمريكا ، وتلجأ إلى ما يجعلها في مأمن، ولاسيما أن واشنطن تعمل على ليّ ذراع الأوروبيين وتحجيم دورهم وإبقائهم تحت المظلة الأمريكية، وهو ما ترفضه أوروبا راهناً وتحاول الانعتاق منه، بحثاً عن دور يعيد توازنها سياسياً واقتصادياً على الصعيد العالمي، لأن الانصياع الأعمى لأمريكا لن يخدم المصالح الأوروبية في الوقت الحالي، فالقارة العجوز كما أمريكا تنظر إلى أي معطيات وعلاقات مع الدول الأخرى بمنظور المصالح والسبل التي تحققها.
مرة جديدة تعيد الدول الأوروبية حساباتها وتحاول البحث عن خيارات الضرورة والمرحلة الراهنة ، واضعة خلف ظهرها العلاقات المتكاتفة التي جمعتها وأمريكا لعقود، ومع ذلك لابد من طرح تساؤلات ، إلى أي مدى أوروبا قادرة على الاستغناء عن الولايات المتحدة؟ وهل السلوك الأوروبي المتبع رسالة مواربة لواشنطن لعلها تعيد التوازن إلى العلاقة بين الحليفين الأطلسيين.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023