كلام ماكرون لا غبار عليه نظرياً، وليس وحده من يقوله.. الأوروبيون يدركونه تماماً وإن كانوا لا يتحدثون عنه، إذ يغلب عليهم الهمّ الاقتصادي أكثر من الدفاعي، فأوروبا أيضاً هي الضحية الأولى لسياسات ترامب الاقتصادية.
..الفرق هنا بين كاميرون وبينهم أنهم يتحدثون عن كلا الهمّين بشكل منفصل، متناسين القاعدة الأهم، حيث لا اقتصاد قوياً من دون دفاع متين والعكس بالعكس.
ليس هذا الفرق الوحيد بل إن كلاً منهم يبدو في واد، يتحدث فلا يسمعه الآخر، رغم أنهم جميعهم متفقون على أن مستويات التهديد وصلت إلى الخطوط الحمراء.. لكن أوروبا لم تكن يوماً مقسمة ومشتتة في قراراتها وتوجهاتها كما هي اليوم، وهذا الحال لاتنفع معه دعوات كاميرون مهما تعددت وامتدت.
يتحدث كاميرون عن روسيا والصين كخطر.. وعلى استحياء يتطرق إلى الولايات المتحدة التي تعامل أوروبا مثل الآخرين (بل بأقل منهم وبإذلال في أحيان كثيرة) لاخصوصية لها ولا احترام.. والولايات المتحدة لطالما ارتبطت تاريخياً بأوروبا في التأسيس والتطور والازدهار، لكنها مع ترامب رمت كل ذلك وأدرجت أوروبا في أدنى مستويات «خانة الآخرين».
مع ذلك، مشكلة ماكرون ليست هنا، بل في مسألة أنه – ومنذ توليه الرئاسية الفرنسية (أيار 2017).. لم يكف عن إطلاق الدعوات باتجاه أوروبا مستقلة دفاعياً واقتصادياً، لكننا لم نشهد – في أي يوم – استجابة واحدة من نظرائه الأوروبيين لا فعلاً.. ولا حتى قولاً.. والمشكلة أيضاً أن الأوروبيين غارقون بأزماتهم الداخلية وكل منها أخطر من الأخرى (أزمات اقتصادية- تطرف- نزعات انفصالية- ديون- مهاجرون.. الخ) والأهم أنهم يرون رأي العين كل يوم كيف أن الآخرين يتقدمون ويتطورون، فيما هم يتراجعون وينزوون في المراكز الخلفية على الساحة العالمية.. ولا يبدو من ضوء في نهاية النفق.
لذلك، دعوة كاميرون تلك -كما هي ليست الأولى- لن تكون الأخيرة.. الدعوات ستستمر وقد ينضم إليه آخرون ولكن هل من فائدة تُرجى.. أم إن الحال وصلت إلى: أسمعت إن ناديت حيا؟!