إلى متى تبقى دولنا تعيش بين داءين عضالين؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

إلى متى تبقى دولنا تعيش بين داءين عضالين؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

كأنيّ بحكومات العرب ضربت الصّفح عن تاريخ أمّتها ومعاناة شعوبها، متجاهلة ما ينبغي لها فعله من أجل ضمان مستقبل مشرّف لها، وبلغت بها صلافتها وقلة تدبيرها، بحيث لم تعد تعير اهتماما حتى بثوابتها ومبادئها، قد انفلتت في سعيها وراء طلب الدنيا مقابل القيم والمبادئ، من دول وقوى كبرى، مستجدية هباتها وقروضها بشروط مجحفة، وقد ثبت بالأدلة أن هذه الحكومات لا مصلحة فيها لبلدانها وشعوبها باتباع سياسات الدّول الإستعمارية، منذ أن انخرطت في منظوماتها السياسية إلى اليوم، بل إنّ أوضاع الدول التّابعة الإقتصادية والسياسية أصبحت تزداد سوء سنة بعد أخرى.

وما أجبر هذه الحكومات على مواصلة نفس نهج سياساتها، في التّبعية لدول الغرب، تورّطها في مديونية ثقيلة متواصلة بشروط مجحفة لم تتوقف إلى اليوم، ولم يعد في مقدورها الخروج منها، كلّما وضعت حكومة منها رقبتها في قرض من قروضها، ازداد الخناق عليها ضغطا، وضيّق عليها أنفاسها، وقيّد حركة نموّها، حتى كاد يقضي على كلّ أمل في مستقبل يخلّصها مما وقعت فيه، ويبدو أن سياسة دول الغرب بزعامة أمريكا، وبإدارة بنكها (صندوق النقد الدّولي)، الذي أصبح متحكّما في مصير أغلب هذه الدول.

ومما زاد الطّين بلّة، تهاوي المستويات الإقتصادية، التي بلغتها بعض الدول العربية، بسبب جائحة كورونا، أعادتها إلى ما دون المستوى الذي بلغته قبل الجائحة، مما زاد على الأثر الإقتصادي السيّء أثرا آخر عمّق من معاناة شعوبنا وهو الأثر الصّحّي، وما كان يستوجبه من حاجة ملحّة في معالجته، وقد سبقت إليه دول الغرب في مجال مكافحة وتفشّي باء كورونا، بتفوّقها العلمي المختبري، جعل منها أقطابا في تصنيع الأدوية واللقاحات، تتحكّم به في دول العالم القاصرة عن بلوغ أدنى مستوى في هذا المجال، وفي مقدّمة هؤلاء في الإحتياج دولنا العربية.

في مقابل التقاعس الأنظمة العربية في اعداد برامج ومخططات تنموية صناعية من أجل مواكبة العصر ومتطلباته، نجد دولا أخرى قد أخذت على عاتقها مسؤولية النهوض من كبْوة الاعتماد على دول الغرب والتخلّص نهائيا من تبعيّته، من أمثال إيران التي استوعبت الدرس من الجائحة ومتحوّراتها المسترابة، لتقوم بسلسلة أبحاث وتجارب أفضت بها إلى صناعة أربعة لقاحات ضدّ كورونا هي: ( كوف إيران بركت/ فخرا/ بهارات/ باستور كوك) وتعد ايران سادس دولة في العالم منتجة للقاحات طورونا والأولى في غرب آسيا(1)

ورغم الدعايات المضادّة وعرقلة منظمة الصحة العالمية للقاحات الإيرانية فقد تقدّمت 12 دولة إلى السلطات الإيرانية بطلب شراء لقاح (كوف بركت) لتطعيم مواطنيها من هذا اللقاح(2)، وهذا دليل على قناعة هذه الدّول بجدواه، ومنافسته للقاحات التي تمتلكها أمريكا ودول الغرب، بعدما أثبت نجاعته وفاعليته في مقاومة فايروس كورونا ومتحوّراته، ولئن أدرك منّا من أدرك بأننا دخلنا عصر الحرب البيولوجية، فإنّ واجب الدّول الواعية بمتطلّبات حياة شعوبها استباق مرحلة اندلاع حرب محتملة – إن لم نقل أنها بدأت بالفعل – بصناعة مضادّات من شأنها أن تحمي شعوبها من الأوبئة ونتائجها الخطيرة على مستقبلها.

دول الغرب الإستعمارية لن تكتفي بعرقلة برامج شعوبنا، التنموية الاقتصادية والثقافية والعلمية، بل أصبح من المؤكّد أن زراعتها للكيان الصهيوني في قلب دولنا، وعلى أرض مسرى ومعراج نبيّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، هي مرحلة خطيرة لم تأخذ حظها في معالجة تداعياتها ونتائجها، على الرّغم من الآثار السلبيّة التي تزامنت مع وجود هذا الكيان الغاصب بين دولنا، والساعي بينها بالمؤامرات وتوهين القضايا المستحقّة والمستعجلة.

وتتضح الرؤيا أكثر عندما نقف على بعض خطط دول الغرب الخبيثة، بقيادة زعيمتهم الكبرى أمريكا، عندما تستغل الأوضاع المُتردّية اقتصاديا لدولنا العربية، لتوظّفها في إطار حمْلِها على المخطط التطبيعي الذي أعدّته، لإدخالنا تحت خيمة الرضوخ لإرادة الكيان الصهيوني، والإنصياع لمشيئته في غلق ملفّ القضية الفلسطينية ونهائيا، بإفراغ الساحة من دول معاداة الكيان الغاصب ومواجهته، فليس أقسى على الشعوب العربية، التي ما تزال بعيدة عن مفاهيم الثورة، وتحقيق العزة والكرامة بالتضحية والفداء، من أن تُمَسّ في قوتها.

تباطؤ الحكومات العربية في التعامل الجادّ، لمحْو الآثار السلبية للثقافة الغربية من عقول مثقفيها، وسائر طبقات شعوبنا، يحتاج إلى تأسيس رامج ثقافية هادفة جادّة، تعيد لنا هويّتنا الإسلامية التي تكادُ تُفقدُ من بين فئاتنا الشعبية، بهَوَسِ اتّباع الغرب وتقليده في كل شيء، وهذا في نظري أحد أهمّ أسباب بقاء شعوبنا في حال من السّلبية والتواكل والتفريط حتى في مقدّساتها.

ليس بمقدورنا أن نخرج من مستنقع التبعيّة للقوى الغربية من دون إرادة سياسية بإمكانها أن تحمل ثقل المسؤولية في بناء مجتمعي، لا تتحكّم فيه مؤثرات تلك الدّول، مهما زيّنت لنا من إمكانات وفتحت أبواب الآمال في وجوهنا عريضة، وهي مجرّد أماني وصور خادعة غير صحيحة، طالما أن هناك وكلاء لهذا الغرب، يعملون باستمرار على إبقاء حالة التخلّف والتبعية باقيتان فينا، فوق تمركز الكيان الغاصب على أرض فلسطين، التي هي أرض المسلمين بمقدّساتها، ولسوف نحاسب جميعا على التفريط فيها، ولن يعذرنا الله سبحانه في ذلك أبدا، وماذا تساوي حياة شعوب كالأنعام بلا قيم ولا أهداف، فعلي شعوبنا أن تعي ما يُخطّط لها من مؤامرات، بأياد أسهم فيها حكامها بقسط وافر في تركيزها، ولا أعتقد أنّ ثورة الشعوب التي انغمست حكوماتها في إطار تطبيعي مع الكيان الصهيوني ستتأخّر أكثر من هذا الوقت الذي مرّ.

المراجع

1 – إيران تصدّر4 ملايين جرعة من لقاحات كورونا

https://www.almayadeen.net/health/

2 – طهران: 12 دولة تقدّمت للحصول على لقاح كوف إيران بركت المحلّي ضدّ كورونا
https://arabic.rt.com/world/1248273

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023