إنّه مفتتحُ عصرِ الإذلالِ الأمريكِي…بقلم محمد الرصافي المقداد

إنّه مفتتحُ عصرِ الإذلالِ الأمريكِي…بقلم محمد الرصافي المقداد

   ما كان مستبعدا، ولم يكن في مخيلة الواقعين تحت تأثير أبواق الدعاية الأمريكية، وهيمنة وكالاتها الشبه مطلقة على الساحة الإعلامية العالمية، وتأثيرات تسريباتها المضللة على شعوب العالم، أن تجرؤ دولة على الوقوف في وجه زعيمة الإستكبار الغربي بجدّية، وإن كانت صاحبة حقّ معترف به دوليا، فجميع الحقوق الدّولية بالنسبة للإدارة الأمريكية، لا قيمة لها إلا ما رأته مستجيبا لنزواتها، ومتلائما مع سياساتها، ويحقّق طموحاتها الإستكبارية.

بسْطُ النفوذ الأمريكي على دول وشعوب العالم، شائعٌ ومعروفٌ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي ترى نفسها منقِذة العالم من خطر هيمنة النازية عليه، ومساهمتها في القضاء عليها، اعتبرته بابا لبسط نفوذها لتحُلّ محلّها، فإذ العالم ينتقل من سيء إلى أسوأ منه، هيمنة واستكبار كبيرين، وما ارتكبته القوات الأمريكية في فييتنام، أشنع مما فعلته النازية طوال حربها.

لقد سيطرت أمريكا على ثلثي العالم بدعاياتها، أكثر مما هي عليه حقيقة، وإن خَفِيتْ عنّا مخططاتها السرّية وأساليب مخابراتها، وأعداد عملائها المنتشرين في دول العالم، فإنّ حقيقتها لم تكن لتخفى على الإمام الخميني رضوان الله عليه، فبادر بكشفها لشعبه، عدوّا لدودا لا يمكن الإطمئنان إليه، ولم يتردّد في تلقيبها بالشيطان الأكبر- وكل مستكبر هو شيطان بمنطق القرآن- ولم يتردّد في الموافقة على طلب إقتحام سفارتها، في بداية انتصار ثورته الإسلامية، ومحاولة وضع اليد على الوثائق السرّية الموجودة بداخلها، كشفا لعملائها، ومسْكا لأدلّة قاطعة بدورها التجسّسيّ والتآمريّ بطهران، وبقاؤها ناشطة بعد انتصار الثورة الإسلامية، يكتسي خطورة كبيرة على مسارها ومكتسباتها واستمرارها.

وكان ذلك الإقتحام الجريء بمثابة إعلان حرب على أمريكا، رغم أن إيران في ذلك الوقت، كانت بحاجة إلى إعادة هيكلة قواتها العسكرية، وتعويض تشكيلات النظام الملكي، بما يتناسب وأهدافها الإسلامية، ومع ذلك كانت ثقة الثوار بمبادئهم ويقينهم بأهدافهم، أكبر من أن يقيموا وزنا لما تمتلكه أمريكا وما تجيّشُهُ من قوّة إمكانيات، إيمانا راسخا منهم ويقينا بأنهم مع الله، فتحدّوها 444 يوما، وأحتجزوا فيها 52 أميركياً من أعضاء السفارة رهائن، من 4 نوفمبر 1979 حتي 20 يناير 1981(1) بما لم يَعرِف أمريكيّ ذلّا مثله من قبل، اقتحام حصل فيه الطلبة الثوريون على آلاف الوثائق السرية، التي كَشفت بعد نشرها للعالم، النشاطات التجسّسية للسفارة الأمريكية، ولم تكن أمريكا لتسكت على الإهانة التي تلقّتها، فقامت بعملية عسكرية، أطلقت عليها (مخلب النسر) لتحرير الرهائن(2)، لكنها باءت بفشل ذريع، لم يكن في حسبان الإدارة الأمريكية، تجلّى فيه مددٌ غيبي، أحبط ما كان مُخطّطا له، وكانت النتيجة خيبة مُرّة فوق أُختها السابقة.

ومخطئ في حساباته من قال إنّ الحرب بين أمريكا وإيران لم تبدأ إلى الآن ، ذلك أن مقدّماتها من الجانب الأمريكي قد ظهرت، من خلال شنّه حربا إقتصادية وإعلامية، حمي وطيسها وكبرت دائرتها، في محاولة أمريكية خبيثة لخنق إيران إقتصاديا، ومنعها من تحقيق أهدافها، في التقدّم العلمي والتكنولوجي، في المجالين المدني والعسكري، بأساليب خسيسة معبّرة عن وضاعة أمريكية، مرجعها أصول الأمريكيين جذّاذ آفاق أوروبا من المجرمين، في الغدر بسكان أمريكا الأصليين وإبادتهم، معبّرة بشكل واضح عن خوف من منازلة إيران عسكريا، كأنّما تحاول إخفاء سرّ يمنعها من ذلك.

ورغم كل ذلك الضغط المتمثل بتسليط العقوبات، الصادرة عن الخزانة الأمريكية، لإعاقة مشاريع إيران التنمويّة، فإن معدّل النموّ الإقتصادي الإيراني لا يزال في تطوّر، متحدّيا تلك العقوبات الظالمة، معبِّرا في تحدّيه على طينة فريدة، ميّزت قوم سلمان المحمّدي عن غيرهم من الشعوب الإسلامية، برْهن من خلالها أنه شعب مبدئي، محب لدينه، مؤمن بعقيدته، وواثق من قيادته، ومستميت على أهدافه التي لم تكن له خاصة، وإنما هو شريك فيها مع بقية الشعوب الإسلامية المتخلّية عنها، كقضية القدس وتحرير فلسطين، التي هي قضية المسلمين جميعا واقعا، لكن الإمام الخميني رضوان الله عليه، ومن ورائه الشعب الإيراني تبنّوها بقوّة، ورفعوا شعار مقاومة احتلالها أوّلا، وقدّموا جليل التضحيات لأجلها، ولا يزال نهج المقاومة الذي أسّسه الإمام الراحل يكبر ويتقوّى، بفضل الجهود الجبّارة المبذولة من طرف رجال إيران في هذا الصّدد، تذكر من الجانب الفلسطيني فتُشْكرُ.

نبض إيران الثوري لم يتوقف، بل إزداد قوة متحدّيا من إعترض سبيله، محاولا حرْفَهُ عن استكمال مساره الثوري وتحقيق أهدافه، وزادته الحرب الثماني سنوات العدوانية، التي شنّها عليها صدّام العراق قوة وصلابة، وكانت بمثابة الحافز الذي دفع به بقوّة إلى الإعتماد على ذاته وتطوير قدراته، وحرب الخليج الأولى هي حرب أمريكية بالوكالة، فشل فيها صدّام من تحقيق غاية أمريكا في إسقاط النظام الإسلامي، وكانت نتيجتها واقعا هزيمة أخرى تمنى بها أمريكا.

تسارع وتيرة نموّ وتطوّر إيران تحت ظلّ نظامها الإسلامي أفزع عدوّين معا هما أمريكا والكيان الصهيوني، ولو كان بإمكانهما أن يفعلا شيئا يمنعها من ذلك لفعلا، ولكن الأمر تجاوزهما منذ سنوات فلم يعد بإمكانهما فعل شيء، سوى التآمر عليها وتشويهها إعلاميا، ومؤشرات ودلائل هذا التطور العلمي والتقني بدأت تظهر، من خلال انكشاف بعض المواجهات الصّامتة بينها وبين أمريكا، ففي ديسمبر 2011، وإثر عملية تحكم الكترونية دقيقة، أعلن الجيش الإيراني إنزال طائرة طائرة آر كيو-170 الأمريكية،(3) كانت تجاوزت الحدود الإيرانية، وكانت صدمة أمريكية جديدة، حاولت تبريرها بأكاذيب بدعوى خلل أصابها، لكن الإيرانيين أظهروها سليمة، بما ينفي فرضية سقوطها تماما، وبعد دراستها وتفكيكها، أعلنت إيران أنها دخلت مرحلة تصنيعها وتطوير نموذجها.

وكدليل على عجز أمريكا، وتعبيرا على خِسَّة ووضاعة العمل الإجرامي الجبان، أقدمت البحرية الأمريكية يوم 3/8/1988، على إسقاط طائرة ركاب إيرانية  إيرباص A300B2، في رحلتها رقم 655، المنطلقة من طهران إلى دبي، راح ضحية استهدافها من طرف الطرّاد الأمريكي فينسينز، 290 راكبا، بينهم 66 طفلا و16 من أفراد الطاقم.(4) حادثة متعمّدة من الجانب الأمريكي، هي قطعا جريمة حرب، نفذ منها قائد الطرّاد، وعوض أن يحاسب كوفئ على صنيعه، في دلالة قاطعة لا تقبل الشكّ، أن العمليّة وقعت بضوء أخضر من كبار المسؤولين الأمريكيين.

ولم يكن الذي حصل ليعيق تقدّم إيران، وثباتها في تحقيق أهدافها، في الحرّية والقطع مع التبعيّة، فقد أظهر الإيرانيون كفاءات عالية ونجاحات كبرى، في إثبات وجودهم على جميع الأصعدة والميادين، وتجلّت توفيقاتهم في مجال الدفاع العسكري، بأن أبهروا العالم بإنجازات لم تكن تخطر على بال، فقد أسقطت قوات الدفاع الجوي للحرس الثوري بمنظومة محلّية الصنع أحدث طائرة تجسس أمريكية مسيرة (نوع غلوبال هوك)، جنوبي البلاد، اليوم الخميس 20 جوان 2019، وقالت إن الطائرة اخترقت الأجواء الإيرانية.(5)

تجارب أمريكا المتكرّرة في محاولة اختراق الأجواء الإيرانية كلها باءت بالفشل، بما فيها التجربة الأخيرة، بما أثبت أنّ منظومات الدفاع الجويّ الإيرانية المتعددة شكّلت عائقا جدّيا صعب الإختراق من قبل الطائرات الأمريكية الحربية والتجسسية، ولم يعد بإمكانها المجازفة في هذا المجال، فاتجهت بشكل أكثر وقاحة للعودة إلى انتهاج أساليب الغدر، التي تعتبر سمة أمريكية خاصة بها، فجاءت عملية اغتيال القائد الحاج قاسم سليماني بعد وصوله إلى مطار بغداد، وكانت جريمة أخرى، زادت من كشف قبح وجه الإدارة الأمريكية، وزيف جميع ادّعاءاتها، ومع ذلك لم يستنكر هذا العمل الإجرامي سوى قليل من الدّول، التي تحرّرت من قيد التبعية الأمريكي، أما البقية فقد لاذت دولهم بصمت موتى القبور.

ولم يتأخرّ بعض الرّد الإيراني، ولم توضع بقايا الشهيد الحاج قاسم في قبره، حتى نفذت قوة من  الحرس صليات صواريخها البالستية فاتح 110، على قاعدة عين الأسد، فحوّلت الموقع الأمريكي فيها إلى موضع خردة، بينما تكتّمت أمريكا على خسائرها، وقامت بإغلاق القاعدة أمام الصحفيين.(6) ومع احتفاظ الحرس الثوري الإيراني بحق الرّد على اغتيال قائده، أثناء أدائه مهمّة رسمية على أرض العراق، وتصميم القادة الإيرانيين على أن يكون الرّدّ مناسبا لقيمة هذا الشهيد، الذي سفّه أحلام أمريكا والصهاينة، في اضعاف جبهة مقاومة الإستكبار والصهيونية، بالقضاء على أداتهم في المنطقة (داعش)، وقدّم خدمات جليلة من أجل التقدّم بمشروع تحرير القدس وفلسطين.

وتأتي حادثة محاولة سرقة البنزين الإيراني، من ناقلة النفط الإيرانية، من طرف القوات الأمريكية- حركة قرصنة وضِيعة – في محيط بحر عمان، لتؤكّد على جهوزية قوات الحرس الثوري في الدفاع عن حقوق الشعب الإيراني، وتسطّر بطولة جديدة، واقتدارا في مواجهة أمريكا، وتحدّي قواتها المنتشرة هناك، باستعادة الناقلة الأولى، المسحوب منها البنزين، والسيطرة على الثانية،  بعمليتي إنزال جوي واقتياد الناقليتين إلى المياه الايرانية، على مرأى ومسمع من القطع الأمريكية المتواجدة على عين المكان، والتي أُرْغِمَت على الإنسحاب مُكرهة، أمام إصرار الجانب الإيراني على استعادة المسروق بأي ثمن، ولو كلّف ذلك اشتعال حرب بين الطرفين.(7)

إنّ للحرب الالكترونية (السيبرانية) أهمّية كبرى في مجال مواجهة الأعداء، ذلك أن البلدان المتقدّمة، تمتلك قدرات هائلة في مجال التحكّم والتشويش والإختراق الإلكتروني، ويبدو أن لإيران مجالها وأسرارها في هذا النّطاق، وهو ما يبشّر بمستقبل مشرق لقوّات إسلامية مبدئية في ثقافتها القرآنية، مؤمنة بأنها تمثّل الدّرع الواقي لحقوق الإسلام والمسلمين، الذي تتكسر عليه محاولات الأعداء، وتنتهي مؤامراتهم بالفشل الذريع، إيران الإسلامية تتقدم وتحقق إنجازاتها وتفرض وجودها ومنطقها، وتؤسس لغد أفضل، ولا عزاء للعملاء والمتخاذلين، ولا مكان تحت شمس الحقيقة إلّا لمن اعدّ العُدّة لفرِضَ وجوده بالمنطق والقوّة متلازميْن.

المراجع

1 – أزمة رهائن إيران https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – عمليّة مخلب العقاب  https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – إنزال طائرة RQ-170 الأمريكية في إيران https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – كارثة فوق الخليج  لماذا اسقط الأمريكيون طائرة ركاب ايرانية

https://arabic.sputniknews.com/world/201807031033501923-

5 –9 معلومات عن طائرة التجسس الأمريكية التي أسقطتها إيران

https://arabic.sputniknews.com/military/201906201041815371-

6 – في أول رد على مقتل سليماني.. الحرس الثوري الإيراني يقصف قاعدة تضم قوات أمريكية بالعراق

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2020/01/08/iranian-missile-fired-us-base-in-ain-al-assad-iraq

7 – الحرس الثوري يعلن احباط محاولة أمريكية لاحتجاز ناقلة نفط إيرانية

https://arabic.sputniknews.com/world/202111031050613218-

 

 

 
شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023