إيران صامدة وتقاوم…بقلم: غالب قنديل

تجدد إيران ثباتها السياسي في وجه الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وتعزز صمودها بكل الوسائل المتاحة اقتصاديا وسياسيا وهي تطور من قدراتها الرادعة التي تسهم في معادلات القوة الجديدة اقليميا ودوليا ضد الغطرسة الاستعمارية الصهيونية.

تمكنت طهران من احتواء النتائج الرئيسية لتصعيد العقوبات الاقتصادية من خلال تدابير وإجراءات اتاحها تحرك سريع لتحصين الداخل وتنوير الرأي العام حول طبيعة المعركة التي تخوضها البلاد من اجل استقلالها وخارجيا عبر توسيع مروحة الشراكات الدولية والإقليمية مع روسيا والصين والهند وباكستان وأفغانستان وعدد من الجمهوريات الآسيوية المجاورة التي كانت ضمن النطاق السوفيتي سابقا.

تقيم الولايات المتحدة سدا سياسيا في وجه تطوير العلاقات الإيرانية مع كل من لبنان والعراق رغم الشراكة الوثيقة بين إيران وسورية التي توصف جغرافيا بانها قلب المنطقة وحاجة حيوية لجاريها وينصب الجهد الأميركي العسكري والسياسي على منع التواصل الجغرافي البري بين إيران وسورية من خلال اعتراض التواصل السوري العراقي الذي تقطعه قوات الاحتلال الأميركية في شرقي الفرات بينما تقيم القوى اللبنانية الدائرة في فلك الغرب والخليج مركز اعتراض عنيد يعطل العلاقات اللبنانية السورية.

تتعدى الغاية حدود البلدين المجاورين لسورية والمحكومين بالشراكة معها إلى الحؤول دون وصول إيران اقتصاديا عبر البر السوري إلى سواحل لبنان وما تتوخاه الولايات المتحدة ليس منع البضائع الإيرانية فقط وحجب التواصل السكاني بل وبالذات منع التواصل الأبعد مدى من خلال مشاريع سكة الحديد الإقليمية التي تمثل امتدادا لطريق الحريرالجديد التي وصل قطارها الصيني إلى طهران ويتحضر لبلوغ بغداد فدمشق فبيروت.

تكشف التصريحات الأميركية والصهيونية التي صدرت في اليومين الماضيين ان الهدف المباشر للضغوط والعقوبات الأميركية التي تعترض عليها الدول الأوروبية وتتماهل في تقديم البدائل المنطقية التي تعهدت بها ولم تنفذها هو فرض قيود مشددة على صناعة الصواريخ الإيرانية التي كثر الحديث عنها في بيانات الدول الأوروبية مؤخرا ومع استمرار المراوغة في تنفيذ التعهدات التي قدمت لإيران بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من معاهدة الاتفاق النووي.

ليس كل اللغو الأميركي الفارغ عن الاتفاق النووي إلا وسيلة ابتزاز سياسي واقتصادي وعنوانا لتدابير عدائية غايتها صناعة الصواريخ البالستية التي شهدت تطورا هائلا على الصعيد التقني تتركز المخاوف منه على الجبهة الصهيونية الواجفة من تعاظم انتشار تكنولوجيا الصواريخ وتركزها في الشرق العربي وينسب الخبراء الصهاينة إلى كل من دمشق وطهران جهودا مركزة بذلتها القيادتان الإيرانية والسورية خلال الأعوام الثلاثين الماضية لنقل التكنولوجيا إلى جيش فعلي من المهندسين لدى الفصائل الشعبية المقاومة والمقاتلة في لبنان والعراق واليمن وخصوصا في فلسطين وتتحدث التقارير الصهيونية عن تطور صناعة الصواريخ لدى الفصائل المقاومة بفضل نقل التكنلوجيا والدعم الإيراني وخلال الحروب الفاشلة الأخيرة التي شنها الصهاينة ضد قطاع غزة تحدثت التقارير عن نسب مرتفعة من كمية الصواريخ التي استعملها المقاومون لردع العدو وهي من صناعة سورية وإيرانية وبمثابة اجيال مطورة من صواريخ محلية الصنع كان يستخدمها المقاومون خلال السنوات الماضية.

الخشية من تطور الصواريخ البالستية الإيرانية لجهة مدى إصابتها ودقة اهدافها يجتمع عليها الصهاينة والأميركيون معا في حالة تدهور أي حرب قادمة مع إسرائيل إلى مجابهة شاملة تحتمل استهداف الكيان الصهيوني بوابل صاروخي وكذلك تطرح خطر تعرض القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة وقطع الأساطيل في عرض البحر لقصف مركز وهذا السيناريو بالذات كان في صلب حسابات باراك اوباما عندما تراجع عن تهديده بغزو سورية مباشرة في أيلول 2013 ولذلك كانت إدارة اوباما سباقة في طرح مسألة تقييد صناعة الصواريخ الإيرانية واشتراط وقف برامجها المتقدمة رغم توقيع الاتفاق النووي والمصادقة عليه في مجلس الأمن الدولي وهذا هو موضوع وجبة العقوبات التصاعدية.

تتحضر إيران لجميع الاحتمالات وتطور من قدراتها الدفاعية ومن حصانة وضعها الاقتصادي بعدما استطاعت احتواء معظم نتائج التدابير الأميركية الأخيرة لمحاصرتها وهي تفتح قنوات اتصال متعددة مع الدول الأوروبية رغم خنوع النخب الحاكمة في دول الاتحاد امام المشيئة الأميركية الصهيونية ولكن إيران تنفذ سياسة احتواء إيجابية لاستثمار التعارضات داخل الغرب بمعونة الصين وروسيا الشريكتين في مساعي إغراء القارة العجوز بمزايا الانفصال عن السيد الأميركي والمساهمة في تكوين واقع دولي جديد يتسم بدرجات اعلى من التوازن ويحفظ قواعد متكافئة لتبادل المنافع ورعاية المصالح.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023