“الإحتيال” الديمقراطي!!…بقلم: هشام البوعبيدي

“الإحتيال” الديمقراطي!!…بقلم: هشام البوعبيدي

تصدير: ركب الحق جواده وخرج للتجوال فلحق به الباطل، وبعد مسافة قال الباطل: “هل من العدل أن تبقى راكبا وأنا أركض خلفك؟”، فاتفقا على تناوب الركوب، ولما جاء دور الحق رفض الباطل النزول عن الجواد وقرّرا الاحتكام لأول شخص يعترضهما، فلقيا شيخا بادره الباطل بالسؤال: “أيها الشيخ الجليل من الذي يمشي الحق أم الباطل؟”، فقال الشيخ: “الحق هو الذي عليه أن يمشي”…فالتفت الباطل للحق وقال له: “لقد أنصفك الشيخ فامشي كيف تشاء وحيث تشاء”..وأدار اللجام وانطلق في سبيله.

بين “التحوّل” المنشود و”التحيّل” الموجود تجانس في المبنى لا يحجب تنافر المعنى، وإن غلب عليهما الغموض والتعقيد وعسر الفهم، بين لفظين جذرهما (أي حروفها الأصول) معتلة “العين”، على رأي اللغويين، وكأنها لسخرية القدر، تعكس اعتلال نظر الذين راهنوا على براءة المرحلة الانتقالية وسلاسة “التحوّل” الديمقراطي واعتبروها صراطا مستقيما للجواز الآمن للمرحلة المأمولة، دون التحوّط والحذر من ارتكاس المسار المكتظّ بالفخاخ والمطبات وتحوّله الى عملية “تحيّل” أو “احتيال” ديمقراطي لا يمتلك من “الديمقراطية” إلإ الإسم والرسم والقشور، ولنا في التجارب المقارنة ما يبرّر هذه المخاوف، ففي دراستها أعدتها باحثة أمريكية لقرابة 85 مرحلة انتقالية عقب ثورات وحراك اجتماعي في العالم بين سنتي 1974 و1999، توصّلت إلى أن 30 حالة فقط نجحت في مسعاها، في حين عادت 34 حالة إلى عهود الدكتاتورية، و21 حالة سقطت في براثن الديمقراطية الشكلية.

ولا أدل من وقوعنا في مصائد المحتالين وحبائل المتربّصين بنا سوءا، الانحدار الحاد والسقوط الحر في كل  المجالات على رأي المثل “الحال يغني عن السؤال”، في وضع عجزنا عن كشف أحاجيه واستبيان مكنوناته حتى بتنا نتحسّر على الزمن الذي مضى “ما أحلى الرجوع إليه”، وتناقض صارخ لسيرورة التاريخ الذي انكسرت دفّته وارتكست بوصلته، فكانت السلطة امتحانا سقط فيه كثير من ممتهني السياسة ومدّعي النشاط الحقوقي ودجّالي الديمقراطية، الذين ما إن وصلوا سدّة الحكم نسوا ما ذكّروا به وما صدّعوا به رؤوسنا، وتبيّن بالكاشف أنهم غواة سلطة وروّاد مناصب وتجار أحاديث، وأن الديمقراطية عندهم ذات اتجاه واحد وطريق حدّه وصولهم لمبتغاهم، حتى إذا ما استشعروا خطرا يتهدّدهم بزوال عروشهم ويعرّي سوءاتهم أعادوا على مسامعنا اسطوانة الحقوق والحريات والديمقراطية بما هم “أمناء” عليها وأعلنوا النفير وحرّكوا من وراء حجاب سواكن أدواتهم وتوابعهم ومن استطاعوا استجلابه وتدجينه وادخاره لحين الحاجة.

لقد كانت المرحلة الانتقالية تحيّلا ديمقراطيا بامتياز وتكرار رديء لأخطاء قاتلة، تداعياتها وخيمة ما لم “يتطهّر” القائمون فيها من دنس ما آلت اليه الأوضاع، فالديمقراطية الحقيقية ليست مجرّد مفاهيم وتصوّرات لا مصاديق لها، وهي لا تبنى بالعداء والاستعلاء والارتماء في حضن الفاسدين والمطبّعين ولا يصنعها الإغراء والتغرير والتخويف والزبونية، بقدر ما هي جهد مشترك وعمل دؤوب لتكريسها وترسيخها، فلا يمكن تصوّرها في ظل استلاب وتجاهل الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يحيط بها ويشملها، فأي معنى للديمقراطية ما لم يتم القطع مع سياسة التهميش والمحسوبية والتجهيل وماذا تجدي حرّية الرأي والتعبير لمن لا يجد غير صوته لبيعه لكل عابر سبيل وفي كل محطة انتخابية.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023