الاستغفال الامريكي لعقول البشر!!!

الدكتور بهيج سكاكيني | 

الادارة الامريكية تريد ان تقنع الرأي العام العالمي ان العقوبات التي فرضتها على تركيا إنما هي بسبب إحتجاز تركيا للقس الامريكي “المسيحي الصالح”, وهدد مرة اخرى انه في حالة عدم إطلاق سراحه فإن وزير الخزانة ما زال في جعبته الكثير من العقوبات الاكثر إيلاما للاقتصاد التركي. هذا السبب لا ينطلي الا على البسطاء والاغبياء في السياسة والذين لا يتابعون السياسة الخارجية الامريكية ليدركون ما هي حقيقة الاسترايتيجة الامريكية الكونية.

نظرة بسيطة لكي نفهم الامر دعونا نطرح السؤال البسيط من هي الدول التي فرضت عليها الادارة الامريكية عقوبات إقتصادية او بالاحرى من هي الدول التي اعلنت عليها الادارة الامريكية الحرب الاقتصادية؟ هذه الدول تشمل روسيا, الصين وإيران وسوريا وكوريا الشمالية. ويحق لنا ان نتساءل ما الذي يجمع بين هذه الدول؟ الاجابة هو أن القاسم المشترك بين هذه الدول جمعاء هي انها دول ذات سيادة وتتبع سياسة خارجية مناهضة للعربدة الامريكية وتقف حائلا ضد تمرير سياسة الهيمنة والسلطوية الامريكية وترفض الانصياع الى سياسات من صالحها تأجيج وزعزعة الاستقرار في العالم الى جانب أنها حريصة على أمنها الداخلي والقومي.

ودخول تركيا على خط العقوبات التي فرضت عليها من قبل الادارة الامريكية يجب النظر اليه ضمن هذه المنظومة وبغض النظر عن موقفنا من تصرفات اردوغان. فتركيا أصبح لها مصالح إقتصادية كبيرة مع روسيا وإيران التي تنظر اليهم الادارة الامريكبة بالاعداء لانها تريد اعداء للابقاء على المجمع الصناعي العسكري الامريكي ومن يرتبط به من نخب إقتصادية سياسية وإعلامية …الخ بصحة جيدة تضمن تدفق مليارات الدولارات من الارباح من التجارة الغير متكافئة واستغلال مقدرات الشعوب وتخريب إقتصاد البلاد وعقود تجارية مجحفة للغاية الى جانب تحقيق صفقات اسلحة خيالية أحيانا وفرض سياسات صندوة النقد الدولي على إقتصادياتها من خلال ديون باهظة لا تقوى البلد المستدين على إيفاءها. ونظرة بسيطة لمئات المليارات التي حصلت عليها إدارة ترامب من حلب أبقار الخليج لاكبر دلالة على ذلك.

تركيا الناتو تعتزم شراء منظومة صواريخ ٍ- 400 الروسية وربما هذا يفتح الباب لشراء مزيد من الاسلحة الروسية التي باتت مساوية إن لم نقل ان بعضها اصبح يضاهي الاسلحة المتطورة الامريكية. وهذا يعني ببساطة خسارة للمجمع الصناعي العسكري الامريكي وقد تشكل تركيا بشرائها للاسلحة الروسية سابقة غير مقبولة ابدا لدول حلف الناتو الذي تقوم الولايات المتحدة بحلبها عن طريق شرائها الاسلحة الامريكية فالابقار الحلوب لا تقتصر فقط على دول الخليج.

وتركيا لها مواقف لا تتقاطع مع الولايات المتحدة الامريكية في سوريا وخاصة في الدور الكردي المستقبلي في سوريا ولا يبدو ان تركيا على استعداد للتقارب مع الاطروحات الامريكية وتراها تهدد امنها القومي هذا ما تردده تركيا.

وتركيا لم تأخذ العقوبات وتبتلعها بل ردت بالمثل. الى جانب هذا فإن تركيا بدأت تنازع أمريكا على الاسواق في المنطقة وكذلك أفريقيا بمعنى ان هنالك تنافس إقتصادي بينهما.

تركيا قوة إقليمية لا يستهان بها وهذا الواقع ومن ثم لها دور هام ضمن اية تسوية في المنطقة وهي الدولة التي تنازع السعودية البقرة الحلوب رقم 1 بالنسبة لامريكا الى جانب منازعتها للسعودية في العالم الاسلامي. ويكفي ان نشير هنا الى اهمية السعودية للولايات المتحدة كأداة لتوفير مئات المليارات لدعم الاقتصاد الامريكي الى جانب دورها المدمر في المنطقة ومحاولة جر النظام العربي نحو التصالح والتطبيع مع الكيان الصهيوني وهذا احد المرتكزات الاساسية للاستراتيجية الامريكية في المنطقة, فقد وقفت أمريكا موقف الحياد عندما نشات الخلافات بين كندا والسعودية على اثر انتقادات كندية رسمية لحقوق الانسان في السعودية وكندا هي حليف تاريخ للولايات المتحدة مشاركة في كل الحملات العدوانية لحلف الناتو الامريكي.

الاستراتيجية الامريكية تعمل على مبدأ عمل امريكا قوية وهذا يعني القوى المهيمنة والمسيطرة على العالم وهذا يتطلب إضعاف القوى المناوئة لها ومن هنا تأتي الحرب التجارية على الصين والاستمرار في الضغط على روسيا والتهديدات بالحرب ضد إيران وكوريا الشمالية. وهذه السياسة لا تقتصر على الاعداء بل على الاصدقاء والحلفاء ايضا ومن هذا الباب يجب ان نفهم العقوبات على تركيا وزيادة الرسوم والضرائب على الصادارات الاوروبية الى الاسواق الامريكية. “أمريكا اولا” واخيرا لا رحمة لا للعدو او الصديق او الحليف.

وللتذكير فقط بالقس الامريكي “المسيحي الصالح” لقد راينا الكثيرون من هذه النوعية من المبشرين “الصالحين” رجال المخابرات ومرتزقة الشركات الكبرى الذين عملوا ويعملون في غابات الامازون على طرد السكان المحليين وإخلاء اماكنهم للشركات الامريكية للتنقيب على البترول وسرقة كثير من المصادر الطبيعية وتدمير البيئة وقتل كل من حاول التعرض لمافيا ومرتزقة هذه الشركات.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023