الثورة الإيرانية في ذكراها الـ44…بقلم محمد الرصافي المقداد

الثورة الإيرانية في ذكراها الـ44…بقلم محمد الرصافي المقداد

خلال حركة البشرية لبلوغ ما يمكنها أن تبلغه من كمالات، تضن لها الحدّ الأقصى من قيم العدل والمساواة، والعيش الكريم في ظل نظم ذات مصداقية، ونابعة من صلب رغباتها المعقولة، وناتجة عن إرادتها الصّادقة، العازمة على تغيير حال ما هي عليه إلى الأحسن، رغم العراقيل التي عادة ما توضع في طريق كل شعب، يسعى إلى نيل تلك الغايات، يمكننا أن نستقرئ التاريخ  على علّاته، لندرك أنّ أهمّها حصل في عصرنا ووقع في زماننا، على المستويين الشعبي والقيادي، في انسجام لم يسبق أن حصل من قبل، بالضخامة التي رأيناها، رغم أن قادة حركات الشعوب في الأزمنة الغابرة، كانوا على مستوى عال من الوعي والنضج والمسؤولية، والقدرة على القيام بأدوارهم في القيادة وحسن التخطيط على أحسن وجه، لكنّ العلّة والعاهة ظلت كامنة في عدم قدرة أجيال تلك الشعوب على مجاراة قادتهم، من حيث الوعي وتمام البصيرة، بل إنّ التاريخ عرّفنا أنّ تلك الأجيال بقيت بعيدة عن فهم قياداتها ومواكبة حركتها، بما أجهضها بسرعة فلم تنجح في اصلاح ما أفسده أعداء التحرّر والإصلاح.

عندما نستقرئ تاريخنا المعاصر نجد أمامنا ثورة قامت ذات يوم من عام 1963، واستمرّت في زخمها الثوري متنامية سنة بعد أخرى، مقدّمة خلالها كوكبة من خيرة رجالها شهداء، في سبيل تخليص بلادهم من نير التبعية والعمالة، التي أوقعتهم فيها بريطانيا وأمريكا، لقد ارتبطت خطابات قائدها الإمام الخميني بعلاقات الشاه الحميمة بالكيان الصهيوني، والامتيازات التي كان يقدّمها للأمريكان على الأراضي الإيرانية، فكان لا يتردّد في فضح سياساته الخاطئة بحق البلاد، ويدعو الشعب الإيراني إلى رفضها ومقاومتها سلميّا.

وطبيعي أن تستفزّ خطب وبيانات الإمام الخميني الشاه وحكومته، وأولياؤهما من الصهاينة والأمريكان، فيعملون على إسكات صوته بأي وسيلة، تجنّبهم صداما مع كتلة شعبه التي كبرت، بحيث استحال عليهم في تلك الحال اغتياله، وحتى إبقاءه قيد الإعتقال، فصدر أمر بنفيه، أملا في أن ينقطع تأثيره في الداخل، لكن كل الإجراءات التي اتخذوها، لم تفلح في ازدياد اشتعال جذوة ثورة الشعب الإيراني، فكان اوجها وقمّتها عندما فرّ الشاه من إيران وقرر الامام الخميني العودة إلى بلاده من آخر منفاه نوفل لي شاتو بفرنسا في 01/02/1979 ، ليلتحم مع شعبه رغم التهديدات بإسقاط الطائرة.

عشرة أيام عُرِفتْ بعشرة الفجر المباركة، فخلالها تمكن الشعب الإيراني المتواجد في شوارع العاصمة وطهران من الصمود في وجه آخر صلف وعنجهية القوات الشاهنشاهية، التي لم تتردد في إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، الرافضين لإعلان منع التجوال، الصادر من رئيس حكومة الشاه (شابور بختيار)، نعم لقد كانت بالفعل عشرة فجر مباركة، وكانت كافية لإسقاط نظام دكتاتوري، في منتهى التبعية والعمالة لأمريكا والكيان الصهيوني والغرب، وبقدر فرح الشعب الإيراني وبقية شعوب العالم المستضعف، بقدر ما انتكست دول الغرب وأصيبت بإحباط شديد، وهم يرون حليفا وفيّا لهم يفقد سلطانه، ولا يقدرون على حمايته، بعدما وجد الشعب من يقوده، ويلتحم بكل اخلاص مع زعيمه، في ثورة فريدة بزخمها ونتائجها.

ما يهمنا أن نستحضره اليوم بهذه المناسبة – والمزعج حقا لأمريكا وتبيعها الكيان الصهيوني- النتائج التي تحقّقت خلال أربعة عقود من الزمن، وهي فترة قصيرة نسبيا إذا ما قارنّاها بثورات ونهضات أخرى معاصرة، فعلاوة على ثبات النظام الإسلامي الجديد، وليد فكر الإمام الخميني -وهو فكر إسلامي محمّدي أصيل- بأن أعاد طرح مسألة حكم الفقيه الإسلامي، وقام بتفعيل ولايته على الأمّة، بعد أن كان مقتصرا على الفتوى وحدها، دون ممارسة الحكم، هذا الطّرح السياسي الجديد، أعاد الأمل في كل مسلم، يأمل في عودة الإسلام نظاما سياسيا، حاكما بالعدل من جديد في هذا العصر.

ومع إعلان هذا النظام الفتيّ في أوّل أيام قيامه، وقوفه إلى جانب قضايا تحرّر الشعوب، وفي مقدّمتها قضية تحرير فلسطين، على أساس أن الكيان الصهيوني القائم بالقوة على أرض فلسطين، ليس له مكان هناك، ويجب مقاومته من أجل زواله بكل الوسائل المتاحة، وهذا ما أثار حفيظة حلفاء هذا الكيان العنصري، فعملوا على تشويه صورة النظام الإسلامي، وتأليب دول العالم عليه، لكن لا يصدّق تلك الدعايات سوى تبّع الغرب بثقافاته المتحرّرة من كل قيمة دينية، وترّهاته الخارجة على الأعراف الإنسانية، وقليلو التمييز بين ما هو حقّ وما هو باطل.

44 عاما مرت على ثورة الشعب الإيراني، يحقّ لنا الوقوف عندها، أن نفخر بأنّ إنجازا إسلاميا أصيلا تحقّق، واستمر في طريق تحقيق أهدافه في الحرية والعزة والكرامة، ليس للشعب الإيراني وحده، بل لكافة الشعوب الإسلامية والأخرى المستضعفة في العالم، والإنجازات التي تحقّقت لحد اليوم، تجعلنا نأمل في غد أفضل، تتجلى فيه القدرة على منافسة أعداء الأمة والتغلب عليهم، ومجال التصنيع الحربي، الذي خاضت غماره إيران، ليقينها أنه أحد مفاتيح بقائها منيعة، أوصلها إلى أن تكون قوّة عسكرية بحرية وجوّية وبريّة، يحسب لها أعداؤها ألف حساب، وإيران اليوم فضلا عن نجاحاتها الصناعية المدنية، فتحت مجالا لبيع مختلف أنواع أسلحتها للدول الصديقة، وهذا وحده يكفي للدّلالة على نجاحها الكبير، في تحقيق أهدافها الأمنية والعسكرية كاملة.

مبادئ ايران الأساسية، هي سبب عداء الغرب وطابور أتباعه لها من دول الغرب والعرب، ولولا أهدافها الثابتة التي رفعت شعاراتها، ورسمت لها خطط تحقيقها، لما تعرّضت للعقوبات الشديدة، من أجل ثنيها عما عزمت عليه، وهذا ما يعطيها مصداقية سياسية ليست متاحة في عالم سياسة ملأه النّفاق والمداهنة، صمود ايران أمام العقوبات الظالمة يذكّرنا أيضا بصمود كوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا، وهي أمثلة ستتضاعف في عصرنا هذا، لتكبر كتلة معارضة أمريكا وسياساتها، وتفضي بجهود هذه الدول المتمرّدة على غطرستها، إلى انتهاء زمن القطب الواحد المتحكم في هذا العالم.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023