“الجرائم الاستعمارية”: فرنسا تفرض «إتاوة» على 14 دولة إفريقية تحت اسم «ضريبة فوائد الاستعمار»

كثيرة هى المآسى التى تعيشها القارة، فعلى الرغم من تمتع دولها بالاستقلال عن شتى ألوان الاستعمار منذ أكثر من خمسين عاما. فإنه وحتى الآن تجبر كل من: ” بنين، بوركينا فاسو، غينيا بساو، ساحل العاج، مالي، النيجر، السنغال، توجو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، الجابون ” أى 14دولة إفريقية، من خلال اتفاق استعماري، على وضع 85 % من احتياطاتها الأجنبية فى البنك المركزى بباريس، وتحت سيطرة الوزير الفرنسى للرقابة المالية، فمنذ عام 1961 وعقب توقيع الاتفاقية، أصبحت تلك الدول برغم تحررها من الاستعمار مقيدة بدفع استحقاقات البنية التحتية التى أقامتها فرنسا بها خلال استعمارها لها وفقا لما تحدده باريس. هذا فضلا عن أنها مجبرة على استخدام  العملة الفرنسية للمستعمرات (الفرنك الإفريقى)، هذا بالإضافة إلى العديد من الشروط الإجحافية التى تجد أمامها الدول عاجزة حتى عن المضى خطوات نحو التقدم. 

أما الرؤساء الإفريقيون الذين حاولوا الاعتراض على الاتفاق أو محاولة تعديله، كما ذكر تقرير نشرته وكالة بلوم برج الأمريكى عن الاستعمار الفرنسى فى القارة السمراء، فقد تعرضوا للتصفية عبر الاغتيال أو كانوا ضحية لانقلابات عسكرية، وأما الخانعون منهم فهم مدعومون، وتكافئهم الحكومة الفرنسية بحياة من الرفاهية والغنى، بينما شعوبهم غارقة فى الفقر والبؤس. وأضاف التقرير أن فرنسا غير مستعدة لإزالة نظامها الاستعمارى الذى يضخ قرابة 500 مليار من إفريقيا إلى خزانتها سنة بعد سنة. 

وفى تقرير عرضته البى. بى. سى، أن “جاك فوكار”، المستشار الشخصى للرئيس الفرنسى ديجول فى بداية الستينيات، وهو مؤسس ما يعرف بـ “فرنسا فريك” التى عملت على إنشاء شبكات نفوذ، استطاعت عبرها أن تبسط هيمنتها على مستعمراتها القديمة بإفريقيا، وكثيرا ما يلقب فوكار بـ”سيد إفريقيا” فى الإليزيه، وحتى إن لم يظهر كثيرا على الساحة السياسية الفرنسية، إلا أنه عمل فى الظل فى عهد ديجول الذى كلفه بإقامة عهد جديد من الاستعمار الفرنسى لإفريقيا.

الإستراتيجية التى اتبعها فى تثبيت قدم فرنسا فى إفريقيا بعيدا عن الاستعمار بمفهومه القديم، تمثلت فى تقديم المساعدة للوصول إلى الحكم لأشخاص يعرف عنهم ولاءهم الشديد، زيادة على عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لكل زعماء الحركات التحررية والوطنيين، ولمن عرف عنه انتماؤه الوطني ودفاعه المستميت عن مبادئ الاستقلال التام عن باريس من أبناء القارة ورفضه لكل أشكال الاستغلال.

جرائم فرنسا فى القارة 

خلال الخمسين عاما السابقة حدث ما مجموعُه 67 انقلابًا فى 26 دولة إفريقية. 16 منها كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي، ما يعنى أن ٪61 من الانقلابات حدثت فى إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وهذا يثبت أن تلك الانقلابات حدثت بتدبير فرنسى 

وفى تقرير نشره موقع ساسة بوست، أن رئيس ساحل العاج “لوران غباغبو” عندما حاول إنهاء الاستغلال الفرنسى لبلاده، دبَرت فرنسا انقلابًا للإطاحة به، وتدخلت الدبابات والطائرات الفرنسية والقوات الخاصة مباشرة فى الأزمة وأطلقت النار على المدنيين وقتلت الكثيرين، وبعد نجاح الانقلاب ونقل السلطة إلى “ألأسن أوتارا”، طلبت الحكومة الفرنسية من أوتارا دفع تعويضات لمجتمع رجال الأعمال الفرنسى لخسائرهم خلال الحرب الأهلية، وفى الواقع فإن حكومة أوتارا دفعت لهم ضعف ما فقدوه جراء مغادرة البلاد.

وعندما قرر سيكوو تورى رئيس غينيا عام 1958التحرر من الاستعمار الفرنسي، واختار استقلال دولته، غضبت النخبة الاستعمارية فى باريس، وقامت الإدارة بتدمير كل شيء فى غينيا له علاقة بالاستعمار ويمثل امتيازات وغادر ثلاثة آلاف فرنسى البلاد، حاملين كل ما يمكنهم من أملاكهم ومدمرين لكل ما لا يستطيعون حمله، كالمدارس، وحضانات الأطفال، والمبانى الإدارية ؛ كذلك السيارات، والكتب، والأدوية، ومعدات مراكز الأبحاث، والجرارات الزراعية تم سحقها وتخريبها؛ أما الخيول، والأبقار فى المزارع فقتلت، والطعام فى المخازن تم حرقه أو تسميمه، الغرض من هذا الفعل الشنيع هو إرسال رسالة واضحة لكل المستعمرات الأخرى، أن رفض الاستعمار الفرنسى سوف يكلفهم الكثير.

وبالفعل تسلل الخوف لكل النخبة الإفريقية الحاكمة، ولم يمتلك واحد منهم بعد أحداث غينيا الجرأة لإعادة ما فعله توري، الذى كان شعاره «نحن نفضل الحرية فى فقر عن الترف فى ظل العبودية» .

حل وسط

أما سيلفانوس أوليمبيو، أول رئيس لجمهورية توجو وهى دولة صغيرة غرب إفريقيا، فقد أوجد حلًا وسطًا مع فرنسا، لم يُرِد لبلده أن تكون تحت الهيمنة الاستعمارية، لذلك رفض التوقيع على اتفاقية استمرار الاستعمار المقترحة من ديجول، لكنه وافق على دفع ضريبة سنوية مقابل ما سُميت الفوائد التى حصلت عليها جمهورية توجو من الاستعمار الفرنسي.

وذلك الشرط الوحيد لكى يغادر الفرنسيون البلاد دون تدميرها، لكن المبلغ الذى قدرته فرنسا لسداد ما أسمته “الديْن الاستعماري” كان يكلف ٪40 من الميزانية العامة لتوجو عام 1963.

كان الوضع الاقتصادى لتوجو بعد استقلالها غير مستقر إلى درجة كبيرة، وللخروج من هذه الأزمة قرر أوليمبو التخلى عن الفرنك الإفريقي، الذى خصصته فرنسا لمستعمراتها، وإصدار عملة نقدية خاصة للبلاد. 

لكن فى الثالث عشر من يناير عام 1963، أى بعد ثلاثة أيام من بدء طباعة العملة الجديدة، قامت فرقة من الجنود الأُميين مدعومةً من فرنسا بقتل أول رئيس منتخب فى إفريقيا المستقلة، قُتِل أوليمبيو على يد “إيتيان جياسنيبي”، نقيب سابق فى الفيلق الفرنسى الأجنبي، يُقال إنه تلقى مبلغ 612 دولارا من السفارة الفرنسية مقابل عملية اغتيال أوليمبيو. 

فى الثلاثين من يونيو من عام 1962م، قرر “موديبيا كايت”، وهو أول رئيس منتخب فى جمهورية مالى التخلص من عملة الاستعمار الفرنسى “الفرنك الإفريقي”، التى كانت مفروضة على 12 دولة إفريقية حديثة الاستقلال، بالنسبة للرئيس المالى الذى يميل أكثر إلى بناء اقتصاد اشتراكى كان من الواضح أن اتفاقية استمرار الاستعمار مع فرنسا مجرد فخ وعبء على نمو البلاد. لكنه وفى 19 نوفمبر من عام 1968م لاقى نفس مصير أوليمبيو، حيث كان ضحية انقلاب قاده “موسى تراوي”، أحد ملازمى الفيلق الفرنسى الأجنبي. 

وفى الفترة المضطربة التى كان فيها الأفارقة يقاتلون للتحرر من الاستعمار الأوروبي، استخدمت فرنسا فى مرات عديدة العديد من الملازمين والضباط السابقين فى الفيلق الفرنسى الأجنبى للقيام بانقلاباتٍ عسكرية ضد الرؤساء المُنتخبين.

ففى الأول من يناير من عام 1966، قادَ “جين بيديل بوكاسا”، وهو ملازم سابق للفيلق الفرنسى الأجنبي، انقلابًا ضد ديفيد داكو أول رئيس منتخب لجمهورية إفريقيا الوسطى.

وفى الثالث من يناير من عام 1966، كان موريس ياميوغو، أول رئيس منتخب فى جمهورية فولتا العليا التى تسمى الآن بوركينا فاسو، ضحية انقلاب قاده “عبد القادر سنغولى لاميزانا”، وهو أيضًا ملازم سابق فى الفيلق الفرنسى الأجنبي، إذ قاتل هذا الملازم مع القوات الفرنسية فى إندونيسيا والجزائر ضد استقلال تلك البلدان.

فى 26 أكتوبر 1972، قادَ ماثيو كيريكو، كان حارسًا للرئيس هيوبيرت ماغا، أول رئيس منتخب فى جمهورية بنين انقلابًا على الرئيس بعد دِراسته فى المدرسة العسكرية الفرنسية بين عامى 1968 و1970.

فى عام 1958، وخوفا من عواقب الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، صرح الرئيس ليبولد سادير سينغهور: “إن خيار الشعب السينغالى للاستقلال هو لبناء صداقة مع فرنسا لا لأجل إثارة نزاع معها”.

البنود السرية للمعاهدة 

 بحسب الخبير الاقتصادى والإستراتيجي، السنغالي، سيرى سى: إنّ عقودا من الزمن انقضت على استقلال تلك الدول من الاستعمار الأجنبي، ومع ذلك، ما زالت تضخّ، عبر مصارفها المركزية، 50 % من احتياطاتها من العملة، فى الخزينة الفرنسية، وفقا لبنود المعاهدة الاستعمارية السارية، برغم عدم الإفصاح عن تفاصيلها رسميا من جانب باريس.

وقال إنّه يرتكز إلى معاهدة ببنود علنية وأخرى سرّية لا تزال توجّه العلاقات الفرنسية – الإفريقية، وتخدم مصالح الطرف الأقوى فى المعادلة، على حساب مصالح البلدان والأمم الإفريقية، برغم أنّ تلك المعاهدة وقّعت فى عصور أخرى تجاوزها الزمن، فهى تفرض على الدول الإفريقية “عبودية” تنفيها باريس بشكل قاطع، وعلاوة على حصّة الـ 50 % التى تضخّها البلدان الإفريقية بالعملة الصعبة فى خزينة الدولة الفرنسية، فإنّ خضوع عملات تلك البلدان (الفرنك الإفريقي) لمراقبة باريس، يضمن للأخيرة الحصول حصريا على الصادرات الإفريقية من المواد الأولية المحلية، وإنعاش السوق المحلّية بمختلف الواردات، إلى جانب رسم السياسات التى سيتم اعتمادها مع البلدان الإفريقية بهذا الشأن.

وكشف عن أن أى محاولة مقاومة فردية ستنتهى إلى الفشل، وليس أدلّ على ذلك من الصراعات المسلحة فى منطقة الساحل الإفريقي، حيث ينبغى أن تكون المقاومة جماعية، ويقودها زعماء سياسيون ونخب إفريقية ومجتمع مدني، لوضع حد لهذه المعاهدة الظالمة التى تكبّل مصائر دول وشعوب وتمتص ثرواتهم.

أمّا “جون كلود ماييمبا مبيمبا” الأمين العام لمنظمة “أفريكان هيومن فويس إنترناشيونال”، الذى قام بتأليف العديد من الكتب فى هذا الغرض، فلم يتوان عن  وصف هذه المعاهدات بأنها “أكبر فضيحة إنسانية، فى السرقة والعبودية”.

وذكر مامادو كوليبالى الرئيس السابق للمجلس الوطنى الإيفوراى فى كتابه “استرقاق المعاهدة الاستعمارية” الصادر فى 2008: “لقد تحصلت الدول الإفريقية الفرانكوفونية (الناطقة بالفرنسية) استقلالا على الورق، لكنها على أرض الواقع ظلت جميعها تابعة لفرنسا، باستثناء غينيا التى رفعت لاءً فى وجه شارل ديجول، بخصوص هذا التمشي”.  

واعترافا بفضل القارة، تنبأ الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران عام 1957 قائلا: “دون القارة الإفريقية لن يكون هنالك تاريخ للدولة الفرنسية فى القرن الواحد والعشرين”.

وفى مارس 2008، قال الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك: “من دون القارة الإفريقية، ستصبح فرنسا فى صف دول العالم الثالث ويجب أن نكون صرحاء، ونعترف بأن جزءًا كبيرًا من الأموال فى بنوكنا آتية تحديدًا من استغلال القارة السمراء.

تدفق الثروات

ويرى الدكتور ماهر شعبان بمعهد الدراسات الإفريقية، أن فرنسا لا يمكن أن تستغنى بسهولة عن مستعمراتها التى تحقق الرفاهية التى يعيش بها شعوبها، لكن خلال فترة الستينيات لم تجد أمامها بدا إلا الخضوع للرغبة العالمية فى تحقيق التحرر لكثير من الدول الإفريقية، لكنها تحايلت على ذلك بالاتفاقية الاستعمارية التى أجبرت الكثير من الدول الإفريقية التى احتلتها على التوقيع عليها، حتى تضمن الحصول أموال هذه الدول بصورة رسمية حفاظا على استمرار تدفق الموارد والثروات الإفريقية الى وزارة ماليتها .

ويضيف أن فرنسا حاولت جاهدة أن تبقى فى السلطة من تضمن ولاءه لهذه الاتفاقية الاستعمارية، وتجعله خاضعا للتهديد المستمر حتى لا يفكر فى المطالبة بتغيير بنودها أو فى التملص منها. هذا فضلا عن تدريبها لعدد كبير من القادة العسكريين حتى تضمن ولاءهم وخضوعهم لسيطرتها فى حالة ما إذا خرجت الأمور عن قبضتها .

الهيمنة الفرنسية 

وأرجعت الباحثة الإماراتية فى الشأن الإفريقى أمينة العريمى، موافقة الدول الإفريقية فى دفع تلك الجباية مضطرة، إلى الخوف من مواجهة مصير العديد من القادة الأفارقة الذين حاولوا التحرر من الهيمنة الفرنسية أمثال (توماس سانكرا) الرئيس الراحل لبوركينا فاسو، الذى تم اغتياله بسبب نجاحه فى تحقيق الاكتفاء الذاتى لشعبه، لأول مرة فى تاريخ إفريقيا، وغيره الكثيرون ومن جانب آخر تهدد باريس باستخدام ورقة المتمردين فى أى دولة إفريقية تخالف الرغبة الفرنسية، فعلى سبيل المثال الرئيس الأسبق لإفريقيا الوسطى (فرانسو بوزيزيه) تم الانقلاب عليه، وشهدت العاصمة بانغى مجازر وحرب أهليه راح ضحيتها الآلاف من أبناء إفريقيا الوسطى، وذلك عندما قام الرئيس بالاستعانة بشركات أجنبية لاستخراج اليورانيوم، بعد أن أعلنت باريس بأنها ستجمد استخراج اليورانيوم من إفريقيا الوسطى حتى عام 2032 . 

وأكدت أنه لا يجوز أن تظل الدول الإفريقية تدفع جباية لفرنسا أو ما تسمى (ضربية فوائد الاستعمار)، ولو كان ذلك جائزاً فلما لا تطالب بريطانيا، والبرتغال، وبلجيكا، ألمانيا، وغيرها الكثير من مستعمراتها فى إفريقيا بدفع تلك الجباية.

ومن ناحية أخرى يرى بعض المؤرخين أن إفريقيا لم تكمل عامها الستين، وهى تدفع تلك الجباية، إلا أنها ستظل تدفع لباريس قرنا من الزمان على الأقل، فدولها ليست أفضل حالاً من هاييتى التى دفعت لباريس ولمدة قرن من الزمان 21 مليار دولار، كتعويض مقابل الخسائر التى تكبدها تجار الرقيق الفرنسيون بعد إلغاء نظام الرق، وذلك ما بين عام 1804 إلى 1947. إلا أننى أرى أن باريس لن تترك إفريقيا حتى ولو بعد قرن .

ضرائب استعمارية 

من جانبه يرى السفير رخا أحمد حسن عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية أن ما تفرضه فرنسا من ضرائب استعمارية تراه باريس حقا لها، حيث تترسخ لديها صيغة ثابتة أن هذه الدول، على الرغم من خروجها من تحت عباءتها الاستعمارية، فإنها تظل مدينة لها بحجم التطور الذى منحته إياها على حد قولها، حيث ترى أن ما تحصل عليه من أموال من الصعب أن تتنازل عنه، فهو بمثابة تعويض عما أنفقته من أموال على إقامة العديد من المؤسسات. هذا فضلا عن البنية التحتية لهذه البلاد، حيث ترى فى هذه الدول الإفريقية بمثابة مستعمرات أو ولايات تابعة لفرنسا، حتى إن أول رئيس منتخب فى السنغال عين عضوا فى البرلمان الفرنسى لتأكيد السيادة الفرنسية على البلاد وإحكام قبضتها عليها .

ويضيف: ولا يخفى على أحد التاريخ الدموى الطويل للمسئولين الفرنسيين فى الدول الإفريقية، لاسيما لدى من يظهر من أبنائها رغبة فى التحرر ورفض الاستعمار واستغلال البلاد والحفاظ على مواردها وثرواتها، مما يدفع بالكثيرين منهم بالرضى وعدم المخاطرة وقبول سياسة الأمر الواقع ودفع الجزية الاستعمارية دون الدخول فى أى شكل من أشكال المناقشة أو المطالبة بإيقافها .

وإن دل على شىء فهو يدل على عدم الوعى والخطأ فى التقدير لدى المسئولين وعدم الرغبة والخوف من الإصلاح والمطالبة بالحقوق، وحتى السعى دوليا لاسترجاع الحقوق المالية للدول الإفريقية المنهوبة منذ سنوات لإحداث التنمية والإسراع بخطى التقدم بها .

تحت الإكراه

يرى الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى، أنه لا يجوز من الناحية القانونية فرض أو توقيع مثل هذه الاتفاقيات. ومن الواضح والجلى أنها جرت تحت الإكراه، أى أن الدول الموقعة أجبرت على المشاركة والموافقة على بنودها رغبة فى التخلص من الاستعمار الفرنسى فى تلك الفترة ومكرهة على فعل ذلك. والقانون لا يقر أى اتفاقيات أو معاهدات تم عقدها تحت الإكراه للدول الموقعة.

وأضاف أنه من حق الدول الإفريقية أن تنادى ببطلان هذه الاتفاقية، تعلن عن رغبتها فى الانسحاب منها تحت بند التغيير الجوهرى للظروف، حيث يمكن تعديل بنود اتفاقية مبرمة بين أطراف فى حالة تغيير للظروف، لكن لا تستطيع دولة إفريقية أو أكثر إعلان الرغبة فى التغيير بل يجب أن تكون المبادرة من كل الدول الموقعة أى الأربع عشرة دولة فى هذه الحالة يمكن إعادة النظر بها.

بنود الاتفاقية الاستعمارية 

أبرز أحد عشر بندا فى اتفاقية استمرارية الاستعمار منذ خمسينيات القرن الماضى والذى ذكره موقع قراءات إفريقية المتخصص فى الشأن الإفريقى :

أولا: الدول «المستقلة» حديثًا ملزمة بدفع ضريبة مقابل البنية التحتية التى بنتها فرنسا فى فترة الاستقلال.

ثانيا: ينبغى على البلدان الإفريقية أن تودع الاحتياطات النقدية الوطنية فى البنك الفرنسى الوطني.

منذ 1960 وفرنسا تحتفظ بالاحتياطات الوطنية من ثروات الدول الإفريقية التالية: بنين، بوركينا فاسو، غينيا بيساو، ساحل العاج، مالي، النيجر، السنغال، توجو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، الكونغو وغينيا الاستوائية والجابون.

السياسة النقدية التى تجمع هذه البلدان المتنوعة معقدة بسبب أنها تدار من قبل وزارة الخزانة الفرنسية دون الرجوع إلى السلطات المالية المركزية فى أى من الاتحاد الاقتصادى والنقدى للدول الغرب إفريقية (WAEMU) أو المجموعة الاقتصادية لدول الوسط الإفريقى (CEMAK)، وبموجب شروط الاتفاق الذى شكلتها هذه البنوك والاتحاد المالى الإفريقى (CFA) والبنوك المركزية لكل بلد، فهى ملزمة بالاحتفاظ على ٪65 على الأقل من احتياطاتها من النقد الأجنبى فى «حساب عمليات» موجود فى الخزانة الفرنسية، بالإضافة إلى ٪20 التزامات مادية.

فرضت البنوك المركزية للاتحاد المالى الإفريقى سقفا على الائتمان الممنوح لكل بلد عضو ما يعادل ٪20 من الإيرادات العامة لهذا البلد فى العام السابق. وبرغم أن البنك المركزى لدول إفريقيا الوسطى (BEAC) والبنك المركزى لدول الغرب الإفريقى (BCEAO) يتمتعان بتسهيلات للسحب على المكشوف (overdraft facility) مع الخزانة الفرنسية، لكن هذا السحب من تلك التسهيلات الائتمانية تخضع لموافقة وزارة الخزانة الفرنسية، فى النهاية، تستثمر وزارة الخارجية الفرنسية  الاحتياطات الأجنبية للبلدان الإفريقية باسمها فى بورصة باريس.

باختصار، فإن أكثر من ٪80 من الاحتياطات الأجنبية من هذه البلدان الإفريقية تودع فى «حساب العمليات» الخاضع لسيطرة وزارة الخزانة الفرنسية. كما أن بنوك الاتحاد المالى الإفريقى تعتبر إفريقية بالاسم فقط، حيث إنه لا سياسات نقدية خاصة بهم، البلدان نفسها لا تعرف ولا يقال لها عن حجم الاحتياطات الأجنبية التى تحتفظ بها الخزانة الفرنسية التى يملكونها كمجموعة أو كل بلد على حده.

ومن المفترض أن تضاف أرباح استثمار هذه الأموال التى تجمع فى الخزانة الفرنسية إلى احتياطات العملة الأجنبية للدول الإفريقية، ولكنه لا تُقدم أى تفاصيل عن الحسابات إلى بنوك البلدان أو أى من التغيرات الحاصلة فى الاحتياطى النقدي، ولا يعلم حجم المبالغ فى «حساب العمليات» إلا مجموعة محدودة من مسئولى الخزانة الفرنسية. 

ويقدر حجم المبالغ التى تسيطر عليها الحكومة الفرنسية 500 مليار من أموال خزانات الدول الإفريقية، ولا تستطيع الدول الإفريقية الوصول إلى تلك الأموال.

الحكومة الفرنسية تسمح للدول الإفريقية بالوصول إلى ٪15 فقط من مجموع الأموال السنوية المحولة إلى فرنسا، وإذا احتاجت هذه البلدان إلى مبالغ إضافية، فعليهم اقتراضها من ٪65 من أموالهم الخاصة فى الخزانة الفرنسية وبأسعار تجارية.

ولجعل الأمور أكثر مأساوية، فرنسا تضع سقفا لحجم المبالغ التى يمكن للدول اقتراضه من الاحتياطي، ويكون هذا السقف ٪20 من الإيرادات العامة للبلد فى العام السابق، وإذا احتاجت الدولة إلى اقتراض ما يتجاوز ٪20، فللحكومة الفرنسية حق النقض والرفض. 

ثالثا: فرنسا لها الأولوية لشراء أى موارد الطبيعية الموجودة فى الأرض من مستعمراتها السابقة، وفى حالة إبداء فرنسا عدم اهتمامها بتلك الموارد يحق للبلدان الإفريقية البحث عن شركاء آخرين.

رابعا: فى منح العقود الحكومية يجب عرضها على الشركات الفرنسية أولًا وبعدها ممكن لهذه البلدان البحث فى أماكن أخرى، ولا يهم إن كان للبلدان الإفريقية إمكانية الحصول على عقود بقيم أفضل فى أماكن أخرى.

ونتيجة لذلك، فإنه وفى كثير من المستعمرات الفرنسية السابقة تكون العقود وفى جميع التخصصات الاقتصادية للبلدان فى يد المغتربين الفرنسيين، ففى ساحل العاج مثلا، تسيطر الشركات الفرنسية على جميع المرافق الرئيسية كالمياه والكهرباء والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبرى والشيء نفسه فى التجارة والبناء والزراعة. وكما قيل، فإن «الأفارقة يعيشون فى قارة مملوكة من قبل الأوروبيين!».

خامسا :يبغى على الأفارقة إرسال كبار ضباطهم العسكريين للتدريب فى فرنسا أو فى مرافق تدريب يديرها فرنسيون.

والوضع فى القارة الآن هو أن فرنسا قامت بتدريب وتغذية المئات بل الآلاف من الخونة. وهم جامدون عندما لا تكون هنالك حاجة إليهم ويجرى تشغيلهم وتنشيطهم عند الحاجة لانقلاب أو أى شيء آخر!

سادسًا: لفرنسا كامل الحق القانونى فى التدخل عسكريا فى البلدان الإفريقية وأيضا للقوات قواعد ومنشآت عسكرية دائمة فى تلك البلدان، تشغل بالكامل من قبل الفرنسيين.

سابعا :الالتزام بجعل الفرنسية اللغة الرسمية للبلد ولغة النظام التعليمي: وقد أُنشئت منظمة اللغة ونشر الثقافة الفرنسية تحت اسم «الفرانكفونية» مع العديد من القنوات التليفزيونية والمنظمات التابعة لها، والتى يشرف عليها وزير الشئون الخارجية الفرنسية.

ثامنا: الالتزام باستخدام «الفرنك الإفريقى «

تاسعا: الالتزام بإرسال تقرير سنوى للميزانية السنوية وحجم الاحتياطى، إذ يجرى تعيين سكرتير البنوك المركزية فى المستعمرات السابقة ووزير الاجتماع النصف السنوى لوزراء المالية من المستعمرات السابقة من قبل البنك الفرنسى المركزي.

عاشرا: الالتزام بعدم الدخول فى تحالفات عسكرية مع بلدان أخرى ما لم تأذن بذلك الحكومة الفرنسية:

الحادية عشر: الالتزام بالتحالف مع فرنسا حال الأزمات العالمية والحرب: شارك أكثر من مليون جندى إفريقى فى الحرب ضد النازية والفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، وعادة ما يجرى التقليل من مساهمتهم وتجاهلها فى كثير من الأحيان، لكن عند معرفة أنه استغرق من ألمانيا 6 أيام لهزيمة فرنسا عام 1940، علم الفرنسيون أن الأفارقة يمكن أن يكونوا مفيدين للحفاظ على «عظمة فرنسا» فى المستقبل.

شاهيناز العقباوى-الأهرام العربي

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023