الحكم الأصلح والإتّباع الأقوم للثلّة المؤمنة زمن الغيبة…بقلم محمد الرصافي المقداد

الحكم الأصلح والإتّباع الأقوم للثلّة المؤمنة زمن الغيبة…بقلم محمد الرصافي المقداد

مرّت 43 سنة على انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وقيام نظام إسلامي على مبدأ ولاية الفقيه، وشكّل ذلك عامل إزعاج كبير للغرب بدوله الإستعمارية والإستكبارية المتصهينة، وعملائه من حكومات جنّدت أنفسها لخدمة مشاريعه الهدّامة، بعدما أعلن هذا النظام الإسلامي رؤاه الفكرية، وخِططه العملية المطابقة لمنهج أئمة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقدّم لشعبه وللأمة الإسلامية نماذج حيّة من مشاريعه، للتخلص من القوى المستغِلّة لثرواته، والمعادية بصراحة لدينه، وقد وضعها ضمن أساسيات عمله، سواء كان ذلك داخليا أو خارجيا، ولنا في وقوفه المبدئي إلى جانب الشعوب المستضعفة، خصوصا منها التزامه المبدئي والمتواصل في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانب الشعب اليمني المظلوم في وجه عدوان أشقّائه عليه، ومساعدة الشعب الفنزويلي على تجاوز آثار الحصار الأمريكي الخانق عليه، خيرُ أدلّة يُساق على صدق ووفاء نظام لمبادئه الإسلامية، وتضحياته الجسام من أجل تحقيقها.

إحدى الوصايا الهامة التي انبثق منها موقف النظام الإسلامي في إيران، للتصدّي للظلم ووقف آثاره على الشعوب المستضعفة، ما أوصى به الإمام علي عليه السلام ابنيه الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام: (كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا)(1) هو مبدأ السياسة الخارجية لإيران، التي لا يمكن أن تحيد عنها، لأنها من تفاصيل أحكام القرآن، في رفض الظلم وأهله والبراءة منهم، ومحاربتهم بكلّ الطرق الممكنة من أجل زواله.

قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم يكن للإسلام وزن تقيمه الدول الإستكبارية في العالم عموما، وللمسلمين الشيعة الإمامية الإثني عشرية خصوصا، ذلك أن أيّ فكر ديني أو وضعيّ لا يكون بناؤه مكتملا، إذا لم يحتمل ضِمنه الجانب السياسي، المكلّف بتسيير أموره وإنفاذ أحكامه وتطبيق خِطَطِهِ، وعلى ذلك لم يكن للمسلمين شأن بين دول العالم، حتى تلك التي تدّعي أنها إسلامية، غاية ما هنالك أن الإسلام عندهم انحصر في مجرّد عبادات، مفرغة من مقاصدها الحقيقة، في بناء العلاقات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، ومن تجرّأ على القول بعدم فصل الدين عن الحياة أعتُبِر شاذّا

ظهور نظرية ولاية الفقيه كنظام حكم إسلامي، كفكر منبثق من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كان الإمام الخميني رضوان الله عليه قام بتدريسها لتلاميذه في البحث الخارج، عندما كان مقيما منفيّا بالنّجف الأشرف – وهي أعلى مرحلة من مراحل التعليم الحوزوي- أبانت أحقّية الفقيه العادل في أمّة الإسلام بقيادتها، ولا أعتقد أنّ أحدا عاقلا يرفضها كنظرية حكم لو اطّلع عليها، بعدما ظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن انظمة الحكم العلماني دعاة فصل الدين عن الحياة، قد خدعوا الأمّة باستغلال مسار تاريخي،  أثبت عجز الفقهاء عن اقامة نظام حكم، بركونهم للسلطان الجائر، وكان أغلبهم يجري في حظوظ تلك السّلطات، ومن نأى بنفسه منهم عن مسارها أُتّهِمَ وضُيّق عليه.

قضية الإسلام المحمّديّ الأصيل اليوم، ومشكلته الأساسية في اثبات وجوده، بين نظريات دول العالم السياسية قد حُلّت بفضل نظريّة ولاية الفقيه، وليس هناك نظرية أخرى توازيها قوّة استدلالية وعملية بإمكانها أن تكون منافِسة أو بديلة لها، وقيامها المُسدّد بقدرة الله، في التّمهيد لنظام حكمه العالمي، على يد منقذ البشرية من عبث العابثين بمستقبلها، بدا ثابتا واستمرّ مؤَيَّدًا وظهر ناجحا، رغم كل العقبات والعراقيل التي أحيطت به من كل جانب من أعدائه الكُثُرِ، وقد نظرنا في دول الاسلام وشعوبها فوجدنا أنهم أبعد ما يكونون عن همّ إقامة حكم الله في الأرض، حكما صِرْفًا لا يحتاج إلى استعانة بتلفيق أحكام من خارج إطار مصادره، ولا الاستعانة بشيء مخالف لها من القوانين الوضعية، المؤلَّفة من آراء المختصّين في القوانين الوضعية، مهما كان مبلغهم من معارف النظريات الأخرى، في مقابل حكم الله جلّ شأنه.

إن ما يروّجه البعض من كون نظريّة شورى الفقهاء أصلح وأجدى من ولاية الفقيه العادل المطلقة، ليست بمنأى عن الإختلاف بين اعضاء مجلس شورى الفقهاء بتفاوت درجة تقواهم وعدالتهم وعلمهم، وبالتالي فلا ضمانة للحفاظ على نظام الحكم، في ظل إختلاف ما، قد يعصف بانتظام مؤسساته، ويتسبب في فرْط عقْدها، ويقطع إستمرار أدائه في ظروف وئام وتوافق، وحسم أمور الدّولة الهامّة والمصيرية بيد فقيه عادل واحد يرجع اليه الجميع، وعقلا فإنّه لا يحفظ الوئام والتّوافق السياسي، إلّا بالطريق الذي أسسه الإمام الخميني رضوان الله عليه، في وظيفة ولاية الفقيه، المنبثق من مجلس خبراء القيادة، المؤلّف من نخبة فقهاء مجتهدين، لهم صلاحيات تعيين الوليّ، إذا حدث شغور في مكانه، وعزله بالأغلبية إذا حصل منه خطأ فادح، أو قصور عن أداء وظيفته.

التمهيد لظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه، يستوجب تطبيق الآية الكريمة: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم الله يعلمهم)(2) وهذا لا يتِمّ إلا في ظل وجود نظام إسلامي، يشرف على سير مؤسساته عالم فقيه، تتوفر فيه شروط محددة كالأعلمية والعدالة والتقوى وملكة البصيرة والمعرفة الدقيقة بأهل زمانه، وهذه الخصائص متوفرة في السيد القائد علي الحسيني الخامنئي دام ظله الشريف، ومن هذا المستوى يتميّز الإعداد العملي في إيران الإسلام، بتجاربها الكثيرة النّاجحة التي مرّ بها أهلها، من بقية الإعدادات النظرية التي كتبها أصحاب التنظير، ولا قدرة لهم على تطبيقها، في ظل عجزهم وقصورهم عن قيادة مؤسسات صغيرة، فضلا عن شعوب تبدو بعيدة عن الإعداد من أساسه، سوى قليل ممن آمن بذلك، لطفا من الله بحقائقهم وصدق نواياهم تجاه دينه الخاتم.

نظرية ولاية الفقيه التي اعتمدتها إيران، كأداة مشرفة على سير مؤسسات نظام الحكم الإسلامي في إيران، هي تجربة فريدة في العالم منذ ظهر الإسلام، بناءً على أنّ  أول من أسس ذلك، هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فهو فضلا عن كونه نبيا ورسولا، هو أيضا إماما فقيها عارفا بتسيير شؤون رعيّته، فهو إذا المعلّم الأول للفقه بمختلف فروعه، السياسي والإجتماعي والإقتصادي وغيره، ومن بعده استلم دور الإمامة والفقه أهل بيته عليهم السلام، بدأً من الإمام علي وابنه الحسن عليهما السلام.

هدانا الله وإيّاكم إلى اتباع النهج الأصلح للتمهيد لدولة العدل الإلهي، فنتجنّد لها بإخلاص وتفان لتحقيقها، كما تجنّد لها شياطين الإنس جميعا، وتحالفت مجاميع دولهم وأحزابهم، للحيلولة دون نجاح التمهيد لها، ممثلا في مشروع النظام الإسلامي الإيراني بقيادة ولي الفقيه العادل، أدام الله عزه وبقاءه حتى يسلّم الراية لصاحبها، وهو المؤتمن عليها، وإن كره أعداؤه ذلك حسدا وبغضا، ومنهم أدعياء تشيّع قد ذهبت بهم حماقاتهم، إلى حيث قابلوا حسناته بالسّوء وانكار الجميل.

المصادر

1 –  نهج البلاغة الإمام علي بن ابي طالب (ع) ج3ص77 / بحار الأنوار المجلسي ج42ص256

2 – سورة الأنفال الآية 60

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023