الدراسات المستقبلية في الدول العربية

د. اسامه إسماعيل |

ترجع بداية الاهتمام بالدراسات المستقبلية في الوطن العربي إلى السبعينيات من القرن العشرين، وكانت الإسهامات في تلك الفترة محدودة ومتقطعة، ثم بدأت تتزايد أهميتها مع حلول الثمانينيات والتسعينيات، وذلك بسبب الحاجة إلى التعرف على مستقبل عملية التنمية في ضوء العوامل الإقليمية والدولية، والتي شكلت قضية ملحة في مستقبل المنطقة كالصراع العربي الإسرائيلي، وتزايد حدة التوترات الإثنية والمخاطر المستقبلية المترتبة عليها.

وظهرت في هذا الوقت مشارع مستقبلية ذات انعكاسات هامة على الدول العربية كمشروع القرن الأمريكي الجديد عام 2002، والذى هدف إلى إعادة رسم الخريطة الإقليمية، وتأسيس نظام إقليمي جديد بديل للنظام العربي، إلى جانب خطة مايكل لادين عن تغيير الشرق الأوسط من الداخل في عشر سنوات، وتقارير مؤسسة “هيريتاج” عن إعادة هيكلة الشرق الأوسط، وما طرحته إسرائيل من خطط مستقبلية مثل إسرائيل 2020 وإسرائيل 2025 وغيره.

ويطرح في هذا الصدد الباحث محمد إبراهيم منصور في دراسته المعنونة “الدراسات المستقبلية: ماهيتها وأهمية توطينها عربياً” المنشورة بمجلة المستقبل العربي، رؤيته بأن أي محاولات لحل تلك القضايا العربية الكبرى ستظل خارج إطار التفعيل، ومنها على سبيل المثال الأوضاع القائمة في ضوء موجة “الربيع العربي” والتي نتج عنها سقوط نظم سلطوية عتيدة، وخلفت في بعض حالاتها نظم جديدة لا تمتلك رؤية لإدارة المرحلة الانتقالية بها، وقد أرجع الكاتب السبب الرئيسي لذلك إلى غياب الدراسة العلمية لاحتمالاتها المستقبلية، وكانت رؤية مصر 2030 هي الدراسة الوحيدة التي خرجت عن تلك القاعدة.

بصفة عامة يمكن القول بأن مجال البحوث السياسية والاستراتيجية في الأقطار العربية يُعاني من غياب الرؤية المستقبلية، وإن تمت مثل هذه الدراسات فإنها لا تخرج عن النطاق الأكاديمي، ولا تتطور لتُصبح جزء من طريقة الفكر الاجتماعي أو حتى الممارسة الفعلية من جانب الحكومات أو الأفراد.

أسباب عزوف المجتمعات العربية عن الدراسات المستقبلية

هناك مجموعة من العوامل تقف وراء غياب الدراسات العلمية المستقبلية في العالم العربي تبدأ من غياب ثقافة تنظيم الحياة وفق خطط مدروسة تأخذ في الاعتبار الإمكانات المتوفرة والممكنة في كل مجال من مجالات الحياة، وهو ما يتضح في حالة رب الأسرة ذو الدخل المحدود، والذي يُنجب عشرة أطفال بدون أي تخطيط منه لكيفية توفير احتياجاتهم في كل مرحلة من مراحل نموهم، ومن الجدير بالذكر أن انعدام تلك الثقافة على مستوى الأسرة إنما ينعكس على مستوى الدولة.

ويُعد انتشار أفكار التواكلية والقدرية القائمة على التفسير الخاطئ للدين، إلى جانب النظرة العربية المتوارثة عن الزمن من أهم هذه الأسباب أيضاً، فنظرة الإنسان العربي للزمن في معظمها تتسم بالتشاؤم، وهو ما استنتجه العلماء أمثال الدكتور فهمى جدعان الذي يرى أن التاريخ الإسلامي بعد عصر الخلفاء الراشدين كان يقوم على “حتمية التقدم إلى الأسوأ”، ويشير الكاتب حسين علاوي خليفة نقلاً عن الدكتور فؤاد زكريا بأن هذا الموقف من الزمن لازال كما هو بالثقافة العربية الحالية.

من ناحية أخرى، فإن الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، بما تُسببه من انكفاء المواطنين على الذات وعدم الاطلاع على التجارب المعاصرة، تؤدى في نهاية المطاف إلى حالة خوف من المستقبل.

لذا، فإن أي محاولات للنهوض بحال الدراسات المستقبلية في العالم العربي إنما ينبني على مكافحة أسباب العزوف المذكورة أعلاه، وقُدمت بالفعل العديد من الاقتراحات لتحقيق ذلك، كان من أبرزها ما عرضه الدكتور نادر فرجاني في الندوة التي عقدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس 2014 عن الدراسات المستقبلية في الوطن العربي، حيث نادى بأن النهضة الإنسانية في المجتمعات العربية باعتبارها المسار المستقبلي العربي، يجب أن تتأسس على ثلاث ركائز أساسية وهي ضمان الحرية والحكم الديمقراطي الصالح، وإقامة مجتمع المعرفة، وإحداث إصلاح جذري في البنى المجتمعية وتحقيق التنمية الإنسانية المستقلة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023