السيد بايدن ودولته العميقة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

السيد بايدن ودولته العميقة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

السيد بايدن ودولته العميقة لا يريدان ان يقتنعا بأن العالم تغير وأن هنالك قوى سياسية ولإقتصادية وعسكرية صاعدة وتمتلك من إمكانيات وقدرات متعددة تستطيع من خلالها ان تلجم الولايات المتحدة لا بل والقدرة على التصدي لها ولعجرفتها وقرصنتها وعدوانيتها. ولا يريدان ان يدركا ان الولايات المتحدة التي عاثت بالارض فسادا وعدوانيتة وتربعت على عرش النظام العالمي لتامر وتنهى وتعتدي وتغزو وتدمر وتخلع انظمة وتأتي بغيرها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد إنهيار المنظومة الاشتراكية بأكملها على اثر إنهيار الاتحاد السوفياتي أن هذا الزمن قد ولى دون رجعة وأن عليهما تقبل الوقائع على الارض.

ومنذ قدوم السيد بايدن الى سدة الرئاسة في البيت الابيض وهو يسعى الى تحشيد العالم الغربي والحلفاء الاوروبيين ضد روسيا وضد الصين وكانت هذه السياسة وما زالت على قمة اولويات إدارته فقد قام وزير خارجيته ومنذ الاسابيع الاولى بزيارات مكوكية الى الحلفاء ليحثهم بالسير على خطى الادارة الامريكية وسياساتها تجاه الصين وروسيا بإعتبارهم القوى التي “تهدد السلام العالمي” وفي حقيقة الامر انها تهدد الهيمنة الامريكية على النظام العالمي وعلى جميع الاصعدة.

الانسحاب الامريكي من أفغانستان اتى ضمن خطة مبرمجة لاعادة تموضع هذه القوات في مناطق اخرى وموجهة بالتحديد الى مواجهة روسيا والصين وزعزعة الاستقرار في العديد من المناطق واستخدام حلف الناتو ايضا ضمن هذه الاستراتيجية. فإنتشار القوات الامريكية وتمددها للوصول الى حدود روسيا الاتحادية كما هو الحال في اوكرنيا خط التماس المباشر مع روسيا الى جانب تحرك اساطيل وسفن بريطانية في البحر الاسود وإجراء مناورات عسكرية في تلك المنطقة كله موجه ضد روسيا وإرسال رسائل واضحة تتضمن تهديدا وفجورا لم يسبق له مثيل.

أما بالنسبة الى الصين فإلى جانب التهديدات المستمرة في بحر الصين الجنوبي من قبل اساطيل البحرية الامريكية والتلويح بإشتباكات عسكرية هنالك الحرب الاقتصادية التي شنت من قبل الرئيس السابق ترامب وتبنتها إدارة بايدن ولكن بصورة اكثر عدوانية عن السابق. وقد اصدر أمرا تنفيذيا بإحياء التحقيق في مصدر فيروس كورونا والذي ما زال هنالك إصرار امريكيا أن مصدره مقاطعة واهان في الصين, هذا بدلا عن الانضمام الى الجهود العالمية لمكافحة هذا الفيروس. وبالمناسبة فقد تبين مؤخرا على إن فاوتشي الذي كان مستشارا للاوبئة للرئيس ترامب كان له ضلع في تمويل الابحاث الفيروسية في مختبر واهان في الصين وهنالك تحقيق يجري الان في هذا الشأن في أمريكا وقام البعض بتوجيه إتهامات له بالمسؤولية عن قتل ملاليين من البشر إذا ما تبين على ان كوفيد-19 مصدره هذا المختبر في الصين.

أما في منطقتنا فإن الولايات المتحدة تتبع كل السبل لإبعاد دخول أو دور روسيا والصين في المنطقة ومحاربة هذا بكل السبل سواء العسكرية أو الاقتصادية او السياسية والدبلوماسية. وهذا واضح الى حد كبير في السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة مع إيران وسوريا ولبنان واليمن والعراق ومصر وغيرها من الدول وخاصة الخليجية منها. فالعقوبات الاقتصادية على إيران وعلى الشركات العالمية التي من الممكن ان تتعامل مع إيران وحتى تلك التي فرضت على إيران من جانب واحد من قبل ترامب ما زالت موجودة. والتضييق الاقتصادي على لبنان ووضع فيتو على المساعدات الايرانية وكذلك على إبرام اية عقودلمشاريع إعادة بناء ميناء بيروت الذي مضى سنة على تدميره بالكامل وبناء بنى تحتية ومشاريع إقتصادية مع الجانب الصيني أو الروسي واضح للجميع. لبنان ممنوع ان يتجه شرقا لكي ينهض ويستعيد عافيته ومحكوم عليه وعلى شعبه ان يحيا تحت خط الفقر الا ان تتكرم الولايات المتحدة عليه. وهي تعمل مع فرنسا (الام الحنون الاستعمارية) ومن خلال سفراء الدولتين على تجويع الشعب اللبناني على امل ان تخلق فجوة بين الشعب والبيئة الحاضنة للمقاومة على المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله. وهنال مخططات وضعت للبنان وبالتعاون مع اطراف محلية من طبقة حيتان المال والفاسدين للذهاب الى مجلس الامن الدولي وطرح وضع لبنان تحت الوصاية الدولية وتوسيع سلطات قوات اليونفيلللاضرار بالمقاومة اللبنانية. هذه هي طموحاتهم وأحلامهم ومخططاتهم التي لا نرى انها ستنجح لان المقاومة ببساطة مدركة تماما لهذا المخطط ولديها الامكانيات لمقاومته وإفشاله. وبنفس المقياس فإن دور الولايت المتحدة في سوريا واليمن والعراق لا يختلف على الاطلاق ويجب ان نفهمه من خلال الصورة الاكبر ووضعها في سياق التوحش الامريكي ومحاولة للعودة الى الوراء لفرض هيمنة القطب الامريكي الواحد على الساحة الدولية الذي اصبح وبتحليل كل المحللين الغربيين وغيرهم انه اصبح وراءنا.

بايدن والدولة العيمقة الامريكية تدرك ان إحداث زوبعة من عدم الاستقرار ورفع درجة ولغة التهديد والتصعيد من الضروري ان يؤدي الى سباق في التسليح ورفع الطلب العالمي على الاسلحة والتي تتبوأ فيه الولايات المتحدة المرتبة الاولى ففي عام 2017 استحوذت 43 شركة امريكية لتصنيع الاسلحة على 59% من مبيعات الاسلحة العالمية. ولقد رفعت القيود على مبيعات الاسلحة للحلفاء والغرض المعلن هو ضخ حيوية للتجارة الامريكية وإنعاش الاقتصاد. وهذا يعني ببساطة ان الاقتصاد الامريكي يكون بخير طالما ان المجمع الصناعي العسكري بخير ويحقق مئات المليارات من الارباح من تجارة الدم ومن شانه ومصلحته خلق بؤر ساخنة وعدم استقرار على الساحة الدولية. والسيد بايدن هو كغيره من الرؤساء الامريكيين هم عبيد للدولة العميقة والتي يشكل المجمع الصناعي العسكري عمودها الفقري وبالتالي فإن وظيفتهم خلق بؤر توتر لان هذا هو المناخ الذي يشجع على بيع الاسلحة وسباق التسلح والمستفيد الأوحد هي الصناعات العسكرية والخاسر الاكبر هو دافع الضرائب الامريكي الذي شهد تراجعا كبيرا في مستوى معيشته وإنخفاضا حادا في الخدمات المقدمة من قبل الدولة الى جانب الانهيار في منظومة البنى التحتية المتآكلة.

والخوف ان تنزلق الامور في اية بؤرة من العالم الى الحد الذي تصبح فيه إحتمالية حرب عالمية قائمة فعلا.

* كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023