العرب والتصنيع العسكري..لماذا الإرتهان للخارج ؟

العرب والتصنيع العسكري..لماذا الإرتهان للخارج ؟

تساؤلات عديدة تطرح إزاء الأموال العربية المهدورة في شراء الأسلحة من الخارج.. جدير بالقادة العرب تفعيل العمل على إقامة صناعات حربية عربية بصورة مركزية في ظل الإمكانات الاقتصادية العربية الهائلة، وما يمكن طرحه من بدائل وحلول أمام التصنيع الحربي العربي.. رؤية طالما رآها المنظرون الاستراتيجيون ” عسكر وخبراء اقتصاد” من خلال عودة الروح القومية والعمل الجماعي العربي المشترك، بإعادة إحياء الهيئة العربية للتصنيع الحربي تخطيطاً وتمويلاً وانتاجاً وتسويقاً بهدف بناء قاعدة صناعية تسليحية عربية موحدة ومن منظور كون الصناعة الحربية، هي إرادة وقرار سياسي وإمكانات اقتصادية، ولكي يتم وضع سياسة تسليحية لإنتاج حربي يجب أولاً تحديد الأهداف الوطنية والقومية، التي يمكن أن نخرج من خلالها بعقيدة واستراتيجية عسكرية تحدد مهام القوات المسلحة المتحالفة، وأبرزها.. مسرح العمليات ، مصادر التهديد، طبيعة بناء القوات المسلحة ” شكل وحجم ونوع وتوازنات استراتيجيتها” وسياسة التسلح التي تحدد مواصفات صناعة السلاح المطلوب.. ولهذا لا يمكن الفصل بين السياسة العسكرية وسياسة التصنيع الحربي وهما في النهاية فرعان من فروع القرار السياسي المدعم بقرار اقتصادي.

كما أن صناعة السلاح لا تعني القدرة على إنتاج سلاح معين بل هي تبدأ من مرحلة تحديد الأهداف ثم توفير مقومات تحقيق تلك الأهداف مع إعداد الكوادر القادرة على التنفيذ التي يليها إنشاء منشآت صناعية مع توفير المواد الخاصة اللازمة للصناعة، وأختيار وتطويع التكنولوجيا الملائمة المنبثقة من بنية علمية قديرة وهي متوفرة بحمد الله في الوطن العربي، ثم تصريف المنتوجات النهائية سواء لسد الحاجة الداخلية “مطالب واحتياجات القوات المسلحة” أو للتصدير للخارج.

وعموماً ودون الدخول في تفاصيل فنية، فإن الأنشطة الأساسية لأي صناعة حربية، يجب أن تقوم على أساليب علمية وعملية سليمة أهمها: نشاط الإنتاج ونشاط البحث والتطوير، ثم عمليات الصيانة والتطوير، فالأنشطة الثلاثة مترابطة لا تنفصل إحداها عن الأخرى، ومتكاملة معا، وغني عن البيان أن الصناعة تتطلب لاستمراريتها توفر قطع غيار ثم إصلاح وصيانة ثم تطوير الإنتاج بمعنى أنها عملية متواصلة ومستمرة لا تتوقف ولا تؤثر على عمليات الإنتاج ولا على مستوى الكفاءة، حيث أنه من المعروف عملياً أن عمليات الصيانة والتطوير تفوق في حجمها بكثير عمليات الإنتاج نفسها ولكن هناك نقطة غاية في الأهمية تؤثر على الأنشطة الثلاثة وهي الجدوى الاقتصادية منها.

التصدير الحربي:

جدير بالذكر أن الإنتاج الحربي دون تصدير خارجي لا يمكنه الاستمرار ومن المعلوم أن التصدير له شقان: الشق الأول والمباشر هو التصدير للمنتجات إلى إلى أسواق خارجية ودول عربية داخل الوطن العربي أو خارجه لدول القارة الأفريقية، والعالم الثالث والأسيوية والإسلامية، ويتمثل الشق الثاني في التصدير غير المباشر ونعني به منع الاستيراد للأسلحة والمعدات فضلاً عن قطع الغيار اللازمة لها وعمليات الصيانة والإصلاح لهذه الأسلحة المستوردة.

ومن ثم يجب أن يتغير مفهوم الدول المصنعة للصناعات الحربية في أنه لا يجب أن ينصب الاهتمام على الإنتاج العسكري فقط بل ويجب أن يتم استخدام الإمكانات المتاحة للإنتاج المدني بحيث يحقق توازنا مع تكاليف الإنتاج العسكري هذا بالإضافة إلى ضمان استمرار الإنتاج في كلا القطاعين بشرط أن تكون لهذه المصانع القدرة على التحول ..ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن ما يتم طرحه ليس فكراً منفرداً إذ أن الصناعة العسكرية العالمية تقوم على أساس هذا التوازن بين ماهو مدني وعسكري.. ولما كان العالم بأسره يعرف مفهوم الاعتماد المتبادل ويطبقه فإنه من الأحرى أن يكون العالم العربي قادراً على تحقيق هذه النظرية فعملية التصنيع الحربي ليست تنافساً أو تكراراً بل هي أولاً وأخيراً تكامل وتعاون قومي يهدف إلى تحقيق عدد من الامور الرئيسية منها :

كسر احتكار صناعة السلاح ونقل التكنولوجيا والتحكم فيها بواسطة الدول الصناعية الكبرى.
تضييق الفجوة الحالية أو المستقبلية بين القدرات العسكرية العربية والإسرائيلية تحقيقاً للأهداف الأمنية العربية ووصولاً إلى توازن استراتيجي معها.
ج- تشكل الصادرات العسكرية العربية وسيلة فعالة في حل الأزمات الاقتصادية والمالية لدول الوطن العربي فضلاً عن أنها وسيلة متميزة للصرف من دخلها على عمليات البحث والتطوير والإنماء لهذه الصناعة وبما يحقق في النهاية بسط نفوذ عربي في المجالات السياسية والعسكرية على الدول المتلقية لهذه الصادرات فضلاً عن تحقيق ثقل اقتصادي وعسكري وسياسي، داخل منطقة الشرق الأوسط والعالم كله هذا جانب، الجانب الآخر من خلال التعاون العربي والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.

ففي الوقت الذي خسر فيه العرب الاتحاد السوفيتي كحليف سياسي واقتصادي وعسكري سابق وخسارة معادلة دولية كان يتحقق فيها قدر من التوازن نجد أن إسرائيل فتحت عدد هائل من المكاتب الدبلوماسية والتجارية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً بهدف تدعيم العلاقات الاقتصادية معها علاوة على استقبالها في فترة التسعينات الوفود التجارية السوفيتية عارضه عليها شراء أسلحة ومعدات سوفيتية متطورة ليس لدى العرب منها فضلاً عن بيع أسلحة ومعدات نووية وخبراء ذرة فضلاً عن توجيه إسرائيل الدعوة إلى زعماء جمهوريات إسلامية لزيارتها وفي نفس الوقت حاولت كل من إيران وتركيا تحقيق الترابط مع جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية.

وفي هذا يستنتج الخبراء بالطرح الاتي: كيف يمكن للعالم العربي في ظل منظومة النظام الدولي أن يدعم علاقاته مع الجمهوريات الإسلامية فالواقع يشير إلى أن الجمهوريات الإسلامية الست تعتبر آنذاك من المناطق ذات الإمكانيات الاقتصادية المحدودة بالنسبة لباقي مناطق الاتحاد السوفيتي وهي بذلك تقع في منطقة هامشية بالنسبة لسلم أولويات الغرب “أمريكا، أوروبا الموحدة، اليابان” في الاهتمامات الاقتصادية.. لذا يمكن القول أن العلاقة التي يجب أن تكون عليها بين العالم العربي عامة ودول الخليج خاصة، والجمهوريات الإسلامية الآسيوية يجب أن ترتبط اساساً بالعامل الاقتصادي سوف يلعب دوراً هاماً في مجال العلاقات السياسية – بين دول” الوطن العربي” وبين هذه الجمهوريات ليس فقط بالنظر إلى الحاجة الملحة لهذه الجمهوريات للمعونات والمساعدات الاقتصادية من الدول العربية عامة ودول الخليج خاصة ، ولكن أيضاً بالنظر إلى أن هذه الجمهوريات ستكون مصدراً للعمالة الفنية المدربة وخاصة التصنيعية إلى دول المنطقة العربيه فقد تتطور العلاقات في شكل روباط اقتصادية بين الدول العربية وبين هذه الجمهوريات لتشكل تجمعاً اقتصادياً قد يكون نواة لتجمع اقتصادي عربي أوسع.

ومن الممكن في المجال العسكري مقابل المعونات الاقتصادية والبترولية العربية أن تقوم دول آسيا الوسطى الإسلامية بإبرام معاهدات مع دول العالم العربي موضوعها التعاون في مجال التصنيع الحربي وفي مجال تبادل الخبرات العسكرية نظراً لما هو معروف عن أحتوائها خبراء فنيين عسكريين متمرسين في هذه المجالات.

وبالرغم من التقارب بين جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والعالم العربي وإن ما زالت المسافة بعيدة بين ما يجب أن يكون وما هو واقع فعلاً إلا ان هذا التقارب قد يسفرعن علاقات تعاونية أو صناعية.

ويؤكد المنظرون الاستراتيجيون أنه وطبقاً للرؤية الإستراتيجية المصرية ” تم إعدادها في مطلع التسعينات” فإنه من المفضل إدخال هذه الجمهوريات الإسلامية الآسيوية في إطار إقليم الشرق الأوسط وذلك لإحداث توازن جديد في العلاقات العربية – الإسرائيلية والعربية – الشرق أوسطية وموازين المنطقة، الأمر الذي أدى إلى قيام مصر بالتقدم بطلب وضع مشروع متكامل للتعامل مع هذه المنطقة بحيث تحدد فيها المصالح المتبادلة وأسس قيام علاقات قوية تسمح بتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ولا شك وبحسب رجال الأعمال والاقتصاد أن دخول بلدان العالم الثلث ومن ضمنها دول إقليم الشرق الأوسط ميادين صناعة السلاح وأسراراها، سوف يساهم في تعديل الكثير من أنشطة التسلح العالمية، إلا أن هناك قضية خطيرة تهدد صناعة السلاح بهذه الدول، وهي قضية ربط هذه الصناعة بتكنولوجيا الدول المنتجة الكبرى التي تحتكرها، وما يعني ذلك من سيطرة رأس المال الخاص وقواعد الاحتكار على التقدم التقني هذا الربط الذي جعل بلدان العالم الثلث سوقا استهلاكياً تتنافس فيه شركات الدول الصناعية الكبرى من أجل تصريف المستهلك من تكنولوجيتها من جهة مع تطوير هذه التكنولوجيات على حساب دول العالم على الجانب الآخر.

ولهذا لا بد لبلدان العالم الثلث ومن ضمنها دول الشرق الأوسط المنتجة للسلاح من وضع إستراتيجية موحدة للصناعة الحربية تتضمن أولاً إقامة صناعة حربية متكاملة على الصعيد الإقليمي الجغرافي مثل منطقة الشرق الأوسط أو على صعيد العالم الثالث كله كمكتل اقتصادية إنتاجية في مجالات التصنيع الحربي والمدني تساهم فيها كل دولة بحسب قدراتها، على أن يتحقق لهذه الصناعة الانتشار الجغرافي والتنوع الإنتاجي والتكامل والتعاون هذا من جانب ومن جانب آخر وضع خطط موحدة تجاه الدول المصدرة للتكنولوجيا وهو ما يمكن أن يقوي الموقف التفاوضي مع الدول المصدرة مع حسن استغلال حاجة هذه الدول للتعاون مع بلدان الشرق الأوسط – العالم الثالث.

 

مجلة الجيش اليمني- العدد 247.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023