العرض السياحي و محدودية تنوع المنتوج السياحي التونسي…بقلم د. فتحي بوليفه

العرض السياحي و محدودية تنوع المنتوج السياحي التونسي…بقلم د. فتحي بوليفه

 

يقوم البعض بدمج كل مكونات العرض السياحي من الجذب السياحي الأوّلي (الطبيعة، التراث، الثقافة…) و الإقامة الفندقية و غير الفندقية و الخدمات و التجهيزات السياحية الموازية في مجموعة من الصيغ السياحية Formules de tourisme التي يطلق عليها أيضا مصطلح “المنتوجات السياحية“. ظهر هذا المصطلح خاصة لدى وكالات الأسفار التي تشكّل هي نفسها إحدى مكونات تلك المنتوجات، لأنها تؤمن الربط بين العرض والطلب السياحيين و أصبحت تسوّقها حسب رغبة السائح.

1- غموض المصطلح

في بعض الدراسات الجغرافية والاقتصادية المتخصصة في السياحة، لاحظنا بعض الغموض والتداخل بين فكرة المنتوج السياحي ومفهوم الصيغ السياحية. “إذا اتفق الجميع بسهولة على اعتبار أنه لا يوجد سوى منتوج حقيقي منذ اللحظة التي يتم فيها تطوير العرض والتسويق لجذب الطلب وإرضائه، فإن المفاهيم تتباعد، ضمنيًا في أغلب الأحيان، حول الطبيعة والمحتوى.Cazes (G)

غالبًا ما يبرز الخلط بين مفهومي الصيغ السياحية formules de tourisme المنتوجات السياحية produits touristiques التي تشمل جميع مكونات العرض السياحي (الأولي والمشتق) في نفس الوقت.

قبل تقديم الأشكال المختلفة للسياحة التي يقدمها مختلف منظمي الرحلات ووكالات الأسفار، يجب أن نحدد مفهوم “الدافع للسياحة” وفقًا للمعايير العالمية. وفقًا للمسح الذي أجراه فريق الدراسة الياباني JICA في البلاد التونسية، يسود دافع العطلة 86٪ من الأدفاق السياحية والباقي (14٪) مشترك بين الدوافع الأخرى، مثل الأعمال التجارية، والجمع بين العمل و السياحة والزيارة للأصدقاء و/ أو العائلة.

2- تنوع الصيغ السياحية

تكمن أهمية تقديم الصيغ السياحية المختلفة التي يقدمها منظمو الرحلات الدوليون والصيغ السياحية المستقلة في الكشف عن تعدد خيارات صيغ السياحة التي يمكن تكييفها للسياحة التونسية التي تعاني من رتابة وهيمنة السياحة الشاطئية.

يختلف تصنيف الصيغ السياحية من بلد إلى آخر ومن تخصص إلى آخر ومن باحث إلى آخر. ساهم التطور المتسارع في تسويق المنتجات السياحية في العالم، خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، في انتشار أشكال جديدة للسياحة، خاصة في الدول ذات التقاليد السياحية. حيث تسارعت التحولات من السياحة المستقلة إلى السياحة المنظمة، و من الصيغ السياحية الكلاسيكية إلى المستجدات والتوجهات المستقبلية. لم تتوقف المنتوجات السياحية عن التنوع لتلبية متطلبات السياح في الألفية الثالثة والتكيف مع رغباتهم المتقلبة في بعض الأحيان. الصيغ السياحية الكلاسيكية و المستجدات والتوجهات المستقبلية التي يقدمها مختلف منظمي الرحلات ووكالات الأسفار في العالم تتبناها البلاد التونسية لتنويع منتوجاتها السياحية في السوق السياحية العالمية التي أظهرت في السنوات الأخيرة توجها نحو التنويع. تتكون مجموعة عروض العطلات التي يقدمها منظمو الرحلات الدوليون بشكل خاص من:

1.2- الكلاسيكيات الكبرى

تتلخص في سياحة الإقامة المستقرة Séjours و السياحة المتنقلة في شكل جولات Circuits  و النوع الثالث يمزج بين النوعين الأول و الثاني أي بين السياحة المستقرة و المتنقلةCircuits-séjours . لا تزال هذه الأنواع الكلاسيكية سائدة في العديد من البلدان في العالم كالبلاد التونسية، حيث تقدمها جل وكالات الأسفار للسياح الأجانب خاصة انطلاقا من المناطق السياحية الساحلية الكبرى كالحمامات و سوسة و جربة في اتجاه المناطق الصحراوية بدوز و توزر عبورا بالمناطق الأثرية الداخلية بالقيروان و سبيطلة و الجم في الوسط أو بمطماطة و الدويرات… بالجنوب. تغلق هذه الجولات الدائرية في مناطق الانطلاق التي تستأثر بالنصيب الأكبر من ليالي الإقامة في النزل.

2.2- المستجدات

تندرج أشكال السياحة الجديدة في سياق يخطط فيه السياح بعناية لقضاء عطلاتهم، حيث يختار فيها السائح نوع إقامته و “يؤلف” أحيانًا سيناريو عطلته بكل تفاصيلها و يفرضها على  وكيل الأسفار. في مواجهة المطالب الجديدة للسائحين في الألفية الثالثة، يجد منظمو الرحلات أنفسهم مضطرين لبناء وتصميم صيغ تتكيف مع الطلب الفردي. نذكر من هذه السياحة التي يطالب بها السياح السياحة الاكولوجية، سياحة الجيل الثالث، السياحة الثقافية، السياحة الاستشفائية، سياحة الألعاب (القمار)…

سنختار السياحة الثقافية في هذا العنصر لمزيد تعريفها لأنها تمثل حسب المنظمة العالمية للسياحة أحد منتوجات سياحة المستقبل. ستزدهر هذه السياحة تزامنا مع تحسن مستوى التعليم والمعيشة وانتشار الوعي الإنساني (التغيرات التاريخية وصراعات الحضارات) بين السكان في جميع دول العالم، بشكل عام وفي البلدان الصناعية، على وجه الخصوص، ستساهم في تكثيف السياحة الاستكشافية، للتعرف على الآخر.

3.2- التوجهات المستقبلية

لا تحتاج هذه السياحة إلى التخطيط المسبق، مثل السفر العرضي 72 ساعة لقضاء عطل نهاية الأسبوع في وجهات قريبة كأن يقرر سائح في باريس قضاء عطلة نهاية الأسبوع في الجريد مثلا. يطلق على هذا الصنف أيضا السياحة النشيطة أو سياحة الوجهة، نظرا لسرعتها. 

وتجدر الإشارة إلى أن اختيار الصيغ السياحية وتنوعها لا يعتمدان فقط على قدرة البلد المضيف على تنويع عرضه السياحي، بل يعتمدان أيضًا على رغبة السياح، اعتمادًا على مستوى دخلهم من جهة وسعر السياحة من جهة أخرى. يعتمد اختيار وتنوع الصيغ السياحية أيضًا على عملية التسويق الخاصة بها.

3- محدودية تنوع المنتوج السياحي التونسي

تعتمد جاذبية العرض السياحي وتنافسيته في السياحة التونسية على مستوى تنوع الصيغ التي يقدمها للسياح. لطالما عانت السياحة التونسية من هيمنة المنتوجات الثانوية للسياحة الشاطئية كالسياحة الصحراوية. لا ينبغي أن يُنظر إلى تونس على أنها وجهة “شمس-بحر-شواطئ” فقط، فهذه العناصر موجودة في جميع أنحاء العالم، في حين أن الثقافة والتقاليد والطبيعة التونسية لا يمكن أن تتوفر إلا في هذا البلد.

السياحة الثقافية،السياحة البيئية، السياحة الاستشفائية، سياحة رياضة الصولجان، سياحة المؤتمرات،السياحة الريفية… كلها منتوجات سياحية تتوفر بالبلاد التونسية لكنها غير مثمنة الكفاية و يحتاج تسويقها في السوق العالمية إلى حملات دعائية موجهة تبرز تفرّدها عن بقية بلدان العالم.

فالسياحة الريفية التي أثبتت فعاليتها في بعض الدول السياحية الأوروبية، مثل فرنسا ومؤخرا حتى في المغرب الأقصى، تتمثل من تنظيم رحلات لمجموعات من السياح بأعداد محدودة إلى ضيعة خاصة أو لعائلات بدوية مستقرة في الريف أو متجولة في الصحراء. خلال إقامة محدودة لمدة يوم أو يومين، يعيش السياح مع أفراد هذه العائلات، ويتكيفون مع ظروف وتقاليد الحياة اليومية في الأسر الريفية.

كشف هذا النوع من السياحة، الذي حقق نجاحًا كبيرًا في التسعينيات، في بعض البلدان السياحية الأوروبية، عن الاتجاه الجديد نحو ما يسمى بالسياحة “الخضراء” أو “الطبيعة” في منافسة مع السياحة الشاطئية والمدن (الحضرية). يمكن أن يساهم هذا النوع من السياحة أيضًا في تحسين الظروف المعيشية للأسر البدوية المعنية بهذه الزيارات وهذه الإقامات وبالتالي، ادماج شريحة مهمشة من سكان هذه المنطقة في النسيج الاقتصادي.

يساهم تنوع المنتوجات السياحية في تنمية المداخيل السياحية و تثمين عدة مقومات و موارد طبيعية و أثرية و ثقافية (أنثروبولوجية) و إضفاء الجودة و التفرّد و التميّز و تشجيع السياح على العودة إلى ذلك البلد الذي عمل على تنويع منتوجاته السياحية.

 * أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة

fathyboulifa@gmail.com

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023