العصا لمن عصى!!!…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

العصا لمن عصى!!!…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

منذ أشهر عدة باتت السعودية تفكر وبشكل جدي لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية وإحدى المؤشرات كانت زيارة وفد سعودي الى دمشق في اول أسبوع من شهر مايو الماضي والذي ترأسه مدير المخابرات السعودي أنذاك. وهذه الخطوة لم تأتي من فراغ ولا الى “عودة الوعي” الى السعودية بل يأتي للقناعة التي ترسخت عند الجميع على المستوى الاقليمي والدولي بأن الدولة السورية باقية وكل من ما زال يحلم بإسقاطها فإنه يحلم بدخول الشيطان الى الجنة. ولا شك ان السعودية لها مصالح عدة لا يمكن تحقيقها الا من خلال التفاهم مع سوريا وهي بحاجة الى سوريا أكثر من حاجة سوريا لها وخاصة ضمن المناخ والواقع السياسي الذي يسود المنطقة. لكن هذا ليس موضوعنا هنا لتفصيله ومناقشته.

لم تنتظر الادارة الامريكية طويلا للرد على هذه المحاولات أو المؤشرات وخاصة لعلمها لمكانة السعودية والتي ما زالت تتمتع بها في منظومة الدول الاسلامية هذا الى جانب الدور الذي لعبته وما زالت في قيادة محور الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة وخاصة الموقف من إيران ومحور المقاومة وبمياركة من الولايات المتحدة والتي تحت إدارة بايدن كما كانت تحت إدارة ترامب ليس لديها النية على محاسبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الجريمة البشعة بقتل الصحفي السعودي الخاشقجي وتقطيع أوصاله.

التهديد جاء على لسان جوي هود القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ” بعض الدول الخليجية تجاوزت علاقاتها الودية مع الاسد” وفي تحذير وتهديد واضح أضاف ”  “وأود بالطبع أن أضيف أننا فرضنا عقوبات قانون قيصر وهو قانون يحظى بدعم واسع من الحزبين في الكونغرس، والإدارة الأمريكية ستلتزم بهذا القانون. ولذا يجدر بالحكومات والشركات توخي الحذر من ألا تعرضهم معاملاتهم المقترحة أو المحتملة لعقوبات من الولايات المتحدة بموجب هذا القانون”.

الولايات المتحدة وأدواتها وبعد ان فشلت كل المحاولات لإسقاط الدولة السورية نظرا لتماسك الثالوث المقدس الشعب والجيش والقيادة ودعم الاصدقاء والحلفاء وخاصة من قبل روسيا وإيران وحزب الله اللبناني تحولت الان الى حرب إقتصادية جائرة وبشكل مكشوف وعلني وبطرق بلطجة واضحة للعيان بإعتمادها في محاولة خنق الاقتصاد السوري وسرقة موارد البلاد بإحتلالها الشمال الشرقي الغني بالنفط والغاز والذي يشكل ما يقرب من 90% من مصادر الطاقة السورية. عشرات الشاحنات المحملة بالنفط السوري تتجه يوميا الى العراق حيث يباع النفط لتنتهي مداخيله الى قوات الاحتلال الامريكي وقوات سورية الديمقراطية التي ما هي الا أداة أمريكية مكونة من جزء من الاكراد السوريين اللذين ارتضوا ان يكونوا مطية للامريكي ومخططه في محاولة تقسيم الوطن السوري. والولايات المتحدة تسرق القمح لبيعه داخل العراق كما تقوم بين الحين والاخر بحرق المزروعات في منطقة تعتبر السلة الغذائية للشعب السوري. وما لا تقوم هي به توكل حليفها أردوغان بقطع المياه عن ريف الحسكة بين الحين والاخر لقتل المزروعات الى جانب تعطيش السكان في محاولات بائسة لابتزاز الدولة السورية.

من الواضح ان التهديد الاخير موجه بالتحديد الى السعودية والدول الخليجية بشكل عام وخاصة وأن الامارات والبحرين قد قامت بفتح سفاراتها في دمشق والتي بحسب المتحدث الرسمي الامريكي انها تجاوزت “علاقات الود ” مع سوريا. الادارة الامريكية بحاجة الى السعودية لإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة والتموضع بما يخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية. وهي بحاجة الى المليارات التي تضخها السعودية في الاقتصاد الامريكي وخاصة في مجمع الصناعات الحربية الامريكية والولايات المتحدة ومن خلال علاقاتها مع السعودية ومكانتها في الاوبيك تستطيع التحكم الى درجة كبيرة في اسعار النفط العالمية بما يخدم مصالح اقتصاديات الدول الغربية الراسمالية. ومن خلال السعودية تستطيع الولايات المتحدة ضبط إيقاع النظام العربي الرسمي ومنظومة الدول الاسلامية بحيث لا تتعدى في مواقفها المعلنة الخطوط التي ترسمها لها الادارة الامريكية.

 وفي المقابل السعودية بحاجة الى الولايات المتحدة في حربها على اليمن وشطب محاسبة ولي العهد على الجريمة التي ارتكبها وكذلك هي بحاجة لشطب محاسبتها من قبل المحاكم الدولية عن المجازر التي ارتكبتها في اليمن وخاصة قتل الاطفال وهي بحاجة لحماية عرشها من اي تهديد مزعوم خارجي. كما هي بحاجة الى توريد الاسلحة الامريكية اليها للمحاربة في اليمن لانه في اللحظة التي ترفض أمريكا توريد الذخيرة والصواريخ والقنابل بكل انواعها..الخ لن تستطيع السعودية للاستمرار في حربها الوحشية ضد الشعب اليمني.

ولهذا فإن السعودية لن تقدم على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية الا في الاطار الذي تبتغيه الولايات المتحدة وبضوء اخضر من إدارتها.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023