القوى الخارجية تتلاعب بالجميع على الأرض الليبية…بقلم: د. محمد سيد أحمد

القوى الخارجية تتلاعب بالجميع على الأرض الليبية…بقلم: د. محمد سيد أحمد

لقد تعرضت ليبيا العربية إلى مؤامرة حقيقية بهدف تقسيمها وتفتيتها والاستيلاء على ثرواتها منذ أطلقت الولايات المتحدة وكيانها الصهيوني إشارة البدء لـ«الربيع العربي» المزعوم في مطلع 2011، وليبيا بدأت الحرب عليها مبكراً جداً وقبل انطلاق هذا «الربيع» بسنوات طويلة، فالتوجهات القومية العروبية الوحدوية لقائدها معمر القذافي لم تكن لتعجب الإمبراطورية الأمريكية الاستعمارية الفاجرة، وتمدد أدوار ليبيا في إفريقيا كان يزعج الغرب الاستعماري بشكل كبير، فكانت التهديدات والعقوبات الدولية والحصار الاقتصادي والحظر الجوي، هي سلاح أمريكا والغرب ضد ليبيا.
وحين اشتعلت نيران «الربيع» المزعوم كانت ليبيا أول من احترق، وبأيدي الجامعة العربية التي وافقت على قرار غزو ليبيا بوساطة الآلة العسكرية الجبارة لحلف «ناتو»، وكان الصمود الأسطوري للشعب العربي الليبي وجيشه وقائده الذي استمر ثمانية أشهر كاملة.
لسنا في حاجة الآن لتأكيد أن كل عوامل الثورة المزعومة لم يكن لها أي مسوغ في المجتمع الليبي الذي كان متوسط دخل الفرد فيه من أعلى متوسطات الدخول في المنطقة العربية، وكان يتميز بوفرة سبل العيش الكريم والعدالة الاجتماعية بل والرفاهية للأغلبية العظمى من المواطنين حتى في ظل الحصار الاقتصادي الرهيب والطويل، وكانت ليبيا دائماً حاضنة فعلية لكل العرب وفي مقدمتهم الشعب المصري، فكما كانت العراق حاضنة وبكرامة للعمالة المصرية كانت ليبيا إحدى أهم الدول العربية التي فتحت أحضانها للمصريين فكان فيها ما يقرب من 2 مليون مصري يتمتعون بكامل حقوق المواطنة وكأنهم ليبيون، وبعد الغزو عاد الكثير منهم ليشكلوا ضغطاً رهيباً على الاقتصاد المصري، ما يهدد الأمن القومي الاجتماعي، ولم تتوقف المسألة على ذلك بل أصبحت حدود مصر الغربية في خطر نتيجة ما حدث ويحدث في ليبيا منذ مطلع 2011.
لقد أدت الأحداث الدامية في ليبيا إلى حدوث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية هائلة أثرت دون شك في البناء الاجتماعي واستقراره وضربت النسيج المتماسك للمجتمع الليبي وأصابته في مقتل.
وفي ظل هذه الظروف، بدأ شبح تقسيم وتفتيت ليبيا يلوح في الأفق، ففي ظل الحرب الدائرة وانتشار المليشيات المسلحة لم تعد هناك دولة ليبية حقيقية أو نظام سياسي واحد بل أصبحت على الأرض العديد من القوى المتناحرة المدعومة من أطراف خارجية مختلفة ومعظمها شارك منذ البداية في تنفيذ فصول المؤامرة الغربية الهادفة بشكل أساسي إلى تقسيم ليبيا ونهب ثرواتها.
وأبرز معالم الواقع الميداني على الأرض الليبية اليوم، هو صراع بين أبرز طرفين في ليبيا هما خليفة حفتر قائد (الجيش الوطني الليبي) وفايز السراج رئيس (حكومة الوفاق الوطني) واللذين تدور بينهما معارك طاحنة حالياً في جبهة العاصمة طرابلس.. ففي الوقت الذي يسيطر فيه حفتر على الشرق (مخزن ثروات النفط) يسيطر السراج على الغرب ذي الثقل السكاني ومقر نظام الحكم ومؤسسات الدولة وثروات الغاز الطبيعي.. وبحسب المحللين فإن محاولة حفتر للسيطرة على طرابلس (هي محاولة لفرض سيطرة قوة واحدة على المشهد وإقصاء للقوى الأخرى)، وبالطبع، تشير كل الدلائل إلى مزيد من التقسيم والتفتيت والاحتراب الداخلي، والخاسر في كل ذلك هو الشعب العربي الليبي الذي تمزق بفعل المؤامرة الدولية عليه بهدف سرقة ونهب ثرواته، ويشكل هذا الوضع الليبي تهديداً للأمن القومي المصري والعربي.. اللهمّ بلغت اللهمّ فاشهد.

*كاتب من مصر

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023