الكيان الصهيوني وخطأ الحسابات…بقلم محمد الرصافي المقداد

الكيان الصهيوني وخطأ الحسابات…بقلم محمد الرصافي المقداد

عاشت فلسطين بشعبها آمنة مطمئنة، متعايشة طوائفها مع أغلبية مسلمة، إلى أن احتلّها الأنكليز، ونفذوا وعدهم المشؤوم فيها، ( وعد بلفور سنة 1926)(1) لجذّاذ الآفاق في هذا العالم بنو صهيون، فساعدوهم على غزو أراضيها، قادمين إليها من مختلف بلاد العالم، مستعينين بدول الغرب في تسهيلاتها لهجراتهم، مستغلّين غفلة وسذاجة حكام عرب، أوهموا شعوبهم بأنهم مع القضية الفلسطينية ومِنْ أولى النّاس بها، لكنهم لم يقدّموا لها بعد ذلك شيئا، وكيف يمكنهم فعل ذلك ورقابهم محكومة باتّفاقيات سرّية في قبضة الدّول الإستعمارية؟ وبسرعة تمددت عروق الكيان الصهيوني، ليصبح مسيطرا على كامل فلسطين، ولم يكن حلم قادته ليقف عند ذلك الحد، فوجود كيانهم هناك هو من أجل أن يكون قاعدة مسيطرة على جميع مُقَدّرات شعوبنا، وعبارة على رأس حربة وكلائه الغربيين في منطقتنا العربية والإسلامية، وبفعل الخيانات الداخلية والتآمر على القضية، سقطت أراض أخرى تحت أقدام الغزاة فيما عُرّف بالنكسة.

لكنه بمرور الزّمن ووعي الشعب الفلسطيني، ظهر أن الاعتماد على الأنظمة العربية لم يعُد مُجْدِيا، وحلّا بإمكانه أن يسترجع ما غُصِبَ من أرضه، ويعيد له حقوقه المشروعة، فبدأ بالتعويل على امكانياته، خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني، الذي وقف دون تردد ومنذ بداية تأسيس نظامه الإسلامي، إلى جانب مظلومية هذا الشعب، ومن زخم الثورة المباركة، وامتداداتها الفكرية في العالم الاسلامي، تأسّست حركات مقاومة وكبرت مع الزّمن، مشكّلة منعرجا هاما في مواجهة العدوّ الصهيوني، وأسلوبا ثوريا مقاوما لوجوده، برْهن على أنه الحلّ الوحيد والأمثل، لإزالته نهائيا من على أرض فلسطين، وأنّ أيّ مستوى من المفاوضات مهما علا سقف اغراءاتها، فإنها نوع من التطبيع والاعتراف بكيان غاصب لا شرعية له على الأرض الفلسطينية.

وقد ظهر بالتجربة التي عشناها، منذ إشراقة ثورة قوم سلمان المحمّدي، أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية استطاعتا الوقوف بفضلها، في وجه الآلة العسكرية للكيان رغم تفوقها في العتاد، ولا مجال للمقارنة بينهما هنا، والذي عدّل الكفة وجعلها ترجح لفائدة المقاومة، هو النظام الإسلامي في إيران، الذي وقف بقوة إلى جانب فصائل المقاومة، ودعمها بالأموال والسلاح، خلاف أغلب الدول العربية وجامعتها، التي تاجرت بالقضية تجارة إفلاس، دون أن تُولِي شعبها أيّ اعتبار، وباعتها في سوق المؤامرات الدولية بأبخس الأثمان، والتطبيع مع الكيان يجري اليوم على قدم وساق، دون حرج يبدُو من دول المَهانة، كأنّه شرفٌ لمن ليس له شرفُ.

العالم بأسره اصبح يعلم اليوم أن رأس المقاومة هي إيران، لذلك تعرّضت ولا تزال للعقوبات والتهديد، وهما أقصى ما يمكن أن يفعله أعداؤها، فقد فاتهم قطار السيطرة عليها، بعدما تحررت بثورتها الإسلامية من براث هيمنتهم، واتخذت نُصبَ أعيُنِ شعبها قرار قائدها الإمام الخميني رحمه الله، في أن تكون بلاده إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وخطت من أجل ذلك خطوات عملية، بإعلانها يوم القدس العالمي، في آخر جمعة من شهر رمضان من كل سنة، استنهاضا للمسلمين من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، والبدء في إعدادها العسكري، بفيلق القدس الخاص بمهمّة مشاركة فصائل المقاومة في عملية التحرير.

أمريكا وكيانها اللقيط ودول الغرب، تدرك جيّدا عزم إيران الرّاسخ على المضيّ في مشروع التحرير هذا، إلى آخر مرحلة فيه وهو تحقيق النصر فيه، فالتجأوا إلى أساليب دعائية خبيثة للتحريض عليها، وتشويه صورتها بعدما يئسوا من ثنيها عن مواصلة يطرقها الذي اختارته عن قناعة وواجب دعاها إليه، ومنذ سنوات رفعوا سقف تهديداتهم باللجوء الى خيارات اخرى، ونعق ناعقوا الصهاينة باستعمال القوة العسكرية ضد إيران، لوقف تقدّم برنامجها النووي(2)، وهم يدركون حقيقة أنّه سلميّ، لكنهم يتعذّرون بذلك إيهاما ومغالطة للرأي العام العالمي، اذ كيف يعقل أن يخاف كيان يمتلك مئات القنابل الذّرّية، من برنامج نووي سلمي لا يشكّل حقيقة أيّ خطر على الإنسانية، هذا فضلا عن أنّ وليّ الفقيه وقائد الثورة الإسلامية قد حرّم امتلاك واستعمال هذا السلاح الفتاك للبشرية بفتواه التي نُشِرَتْ سنة 2003(3).

التهديد بضرب إيران ليس جديدا، فقد تعالت نبرته منذ سنوات طويلة، كان خيارا موضوعا على طاولة السياسيين الأمريكيين والصهاينة وحلفاءهم، فما الذي أخّرهم عن تنفيذه وهم يمتلكون القوّة للقيام بعدوانه؟ إنّه بالتاكيد ليس رأفة ولا رحمة بإيران، فجميع هؤلاء استعماريون مستكبرون، لا يهمّهم من أمر الإنسانية المضطهدة شيء، سوى تحقيق مصالحهم والمحافظة عليها، ولو كلفهم ذلك إبادة نصف العالم، إذا هناك أمْرٌ جدّيّ منع هؤلاء المعتدين  – بصفتهم التاريخية –  من تنفيذ تهديداتهم المتكررة يتمثّل بنظري ما تمتلكه إيران من أسباب قوة وردْعٍ لأي عدوان محتمل قد يأتيها من الخارج، وهو المرجّح في احجام أعداء إيران عن تنفيذ ما يعتقده كثيرون ممكنا.

أمّا لو وقع الخطأ وأعتُدِي على إيران فإن خارطة الشرق الأوسط ستتغير حسب ما أفاد به مسؤولون إيرانيون، بمعنى آخر زوال الكيان الصهيوني اسما ووجودا، وفي هذا الصّدد قال علي فدوي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني: إن إسرائيل لا تجرؤ على تنفيذ تهديداتها، وإنهم على أتم الجاهزية لتسويتها بالأرض، إذا شنت أي عدوان على بلاده. وأضاف “إسرائيل الخبيثة تصدر التهديدات ضدنا منذ 43 عاماً، لكنها لا تجرؤ على تنفيذ تلك التهديدات” مبرزا أن إسرائيل تدرك أنها ستزول وهي تفكر بذلك.(4)

فهل سيفعلها الكيان الصهيوني، ومن سيكون شريكه في الجريمة؟ أعتقد أن ذلك ما ينتظره أوفياء خط الولاية داخل إيران وخارجها، عندها سيتمنى الصهاينة أنهم لم يقدموا على فلسطين، ولا استجابوا لدعوات مؤسسي كيانهم، ولن يفيدهم ذلك في شيء من مصير، حينئذ باب تحرير فلسطين سينفتح على مصراعيه، وسيصلّي المؤمنون بعدالة القضية في القدس التي ستعود إلى حضن الأمّة مع كامل فلسطين، ويبقى العار لباس كل مطبّع خائن.

المراجع

1 – وَعْدُ بَلفُور أو إعلان بَلفُور بيانٌ علنيّ أصدرته الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس “وطن قوميّ للشعب اليهوديّ” في فلسطين.

 https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – مسؤول سابق بالاستخبارات الإسرائيلية يكشف عن خيارات تل أبيب لمهاجمة إيران

https://www.alminasapress.com/video50980

3 – فتوى خامنئي حول تحريم السلاح النووي https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – مسؤول إيراني بارز: سنسوّي إسرائيل بالأرض إذا هاجمتنا

https://www.aljazeera.net/news/2021/12/11/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023