المحكمة الدستورية..أزمة جديدة في تونس “وقفت الزّنقة بالهارب”!!…بقلم محمد البراهمي

المحكمة الدستورية..أزمة جديدة في تونس “وقفت الزّنقة بالهارب”!!…بقلم محمد البراهمي

تونس اليوم أمام حلقة جديدة ومفصلية من تاريخها، إمّا أن تنهض بقوة أو أن تسقط بقوة، فإمّا أن تمسك بأطراف الحوار والهدوء والعمل من أجل الوطن، وإمّا أن نذهب إلى المجهول ويفقد الجميع وطناً إسمه تونس..

الطبقة السياسية التي ابتلينا بها قد فشلت في كل شيء ما عدا إفقار الشعب وتجويعه وإذلاله، بسبب الفساد المستشري على كافة الأصعدة بدون حسيب أو رقيب.. ،تونس أصبحت اليوم بسبب هذه الطبقة التي تحتقر الشعب والدستور والقوانين والوطن في مصاف الدول الفاشلة بسبب مناكفاتها وحساسياتها تجاه بعضها البعض ومن أجل تسجيل انتصارات وهمية وحصد مكاسب على حساب مصلحة الشعب والوطن.، أوصلتنا إلى الهلاك الذي لا مفر منه، و قد يؤدي إلى كوارث وانتفاضات لن يستطيع كائن من كان ومهما علا شأنه إيقافها.. ما يعزز من مطالب تغيير المنظومة السياسية برُمّتها ، والتي أثبتت فشلها في التعاطي مع العديد من الإشكاليات، حيث إن تكرار سيناريو الخلافات، أثبت أن الخطأ ليس في الأشخاص، بقدر ما هو في المنظومة نفسها.. وهو ما يعني استمرار الأزمة السياسية التي هي مظهر لأزمة فكرية وقيمية أعمق، والتي يحاول “محور الشر” الدفع بها نحو السيناريو اللبناني ، أو حتى إلى الاحتراب الأهلي إن استطاع إلى ذلك سبيلاً..

يبدو أن المسار الذي دخلنا فيه منذ أن طُرحت مسألة التحوير الوزاري و #المحكمة_الدستورية على الرأى العام قد كشف عن عمق الأزمة التى يعيشها نظامنا السياسي وحجم التخبط وسوء الأداء الذي أدخلنا من مأزق إلى آخر، ومن أزمة إلى أكبر.. الحل لهذه الأزمة هو سياسي بامتياز بعيدا عن التفسيرات القانونية المحكومة بخلفيات متضاربة.. و لاشك و أنّ معركة المحكمة الدستورية هي أمّ المعارك من أجل ديمومة الديمقراطية ، فهي استحقاق لا بد منه، و لابد أن تكون بعيدة عن التوظيف السياسي و يجب أن تكون بعيدة عن منطق المغالبة، ولا يجب أن تكون محكمة دستورية على مقاس حزب واحد، وتكون سلاحاً ضد خصومها، و أن تكون المحكمة الدستورية مؤسّسة محورية في المنظومة السياسية والقانونية لا محكمة تصفية الحسابات السياسية..و أعتقد أن محاولة إرساء محكمة دستورية في هذا المناخ المشحون سياسياً وانطلاقاً من هذه التحركات ستكون بمثابة المرور بقوة، لا الوضع السياسي ولا موازين القوى في البرلمان تسمح بأن تكون المرحلة مرحلة إرساء محكمة دستورية، لا يمكن تركيز المحكمة الدستورية ونحن في انسداد سياسي كلي.. وقفت الزنقة بالهارب.. لا يمكن أن تُدار تونس بهذه الطريقة، الصراع الدائر لا يمكن معالجته عبر الفتاوى القانونية والدستورية، على الرغم من أهمية الدستور، وبالتالي الأزمة سياسية بإمتياز ، لهذا وجب أن يكون الحل سياسياً بإمتياز..

يبدو أن تونس قد علقت في أزمة دستورية
و الحلّ ليس في المزايدة بين الأطراف، ولا في المكابرة وصراع الصلاحيات بين مراكز السلطة في قرطاج وباردو والقصبة، والمناكفة الحزبية الطفولية والخطابات الشعبوية، بل في الاعتراف الجماعي بالمأزق وبالأخطاء، والرجوع خطوة إلى الوراء و الدعوة للحوار ، قصد وضع حدّ للانحدار الذي ليس له قاع،.. وقفت الزنقة بالهارب و الأزمة السياسية و الدستورية تفرض على الجميع خيار الجلوس على طاولة التفاوض، وتقديم المزيد من التنازلات والمقاربات والحوارات التي يمكن أن تكون المخرج الوحيد للأزمة بعيدا عن الحشد والحشد المضاد، إذ لا سبيل للخروج من الأزمة السياسية و الدستورية إلاّ بالرجوع إلى حوار وطني يتنازل فيه الجميع للجميع خدمة للبلاد و العباد ، وهو أمر يصعب انتظاره، على الأقل في المرحلة الحالية، حيث يستمر التحشيد الحزبي والتنازع السياسي، والتمسّك الشكلي بالصلاحيات، بما يعني مزيدا من التأزيم، واستمرار الوضع على ما هو عليه، في انتظار انقضاء عهدة انتخابية هي الأسوأ منذ انطلاق مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس.. إلى متى.. ؟
تونس أصبحت سخرية أمام الدول و كأنّهم جاؤوا ليدمّروا البلاد ويشرّدوا العباد..

*الناشط السياسي

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023