المشهد السياسي التونسي.. الغُموض سيّد الموقف..!!

المشهد السياسي التونسي.. الغُموض سيّد الموقف..!!

يتواصل الغموض في المشهد السياسي التونسي وتبدو ملامح الانفراج ضبابية و يشير هذا الضباب الكثيف الذي يخيم على المشهد إلى أن تونس لم تحقق بعد الاستقرار السياسي الكامل، غير أن ذلك لا يمنع القول بأنها ما زالت تسير نحو تحقيق هذا الهدف في ظل مناخ داخلي معقد ووضع إقليمي مضطرب، تبدو انعكاساته حادة على البلاد..
طال الغموض أيضا الوضع داخل مجلس نواب الشعب بسبب المناكفات و المكايدات السياسية والخطاب السياسي المتشنج الذي يزيد من الشرخ في المجتمع ويعمق من معاناة الوطن والمواطن.. تشتت عميق و غير محمود العواقب، عوضا عن تغليب المصلحة العليا و تحقيق الوحدة الوطنية و تقليص صدع الخلافات والمضي قدما في بناء مؤسسات الدولة و تحقيق العدالة الاجتماعية و إنقاذ البلاد من الرداءة السياسية و الأزمات الخانقة التي كادت أن تعصف بالبلاد.. على ضوء هذا الغموض اتجهت بعض القوى والنخب السياسية في فخ التحريض على الكراهية والمزايدات والمناكفات السياسية وزرع الأحقاد، لقد أثبتت سنوات ما بعد الثورة فشل هذه النخب فشلا ذريعا في تحقيق توافق وطني حقيقي يؤسس لمرحلة جديدة تعيد الى الشعب الثقة، بسبب حالة الانقسام والتشرذم و التجاذبات السياسية الضيقة..
كل ذلك عمق التناقضات، وهدد الاستقرار، وأدخل البلاد في دوامة من الأزمات لا تنتهي، جراء تناحر النخب على المصالح الضيقة، وانعكس ذلك سلبا على حياة المواطن الذي يدفع الثمن ، وجعل عملية المصالحة الوطنية هشة والمجتمع غير متماسك، والمواطنة في حالة تراجع أمام الولاءات الضيقة، وتزداد الأزمة تعقيدا مع التدخلات الخارجية..

يعكس الوضع الراهن بشكل واضح مدى الأزمة المزمنة التي تعانيها النخب السياسية بمختلف أطيافها وانتماءاتها، حيث بدت هذه النخبة طوال الوقت متشرذمة وغارقة في دوامة لا تنتهي من الخلافات والانقسامات، فضلا عن حالة التوتر والمناكفة السياسية والتخوين وهو ما سمح لأطراف خارجية بالتدخل وتعميق الأزمة لإرباك المشهد السياسي و لإستهداف المسار الديمقراطي الذي هرمنا من أجل تحقيقه ولا يمكن أن يذهب أدراج الرياح..

يبدو أن النخب السياسية بتوليفتها الحالية وسلوكها غير قادرة على تحقيق مصالحة وطنية شاملة، لأن بعضها غير مؤهل، وأخرى غير قادرة على ممارسة السياسة و أخرى قادرة ومؤهلة ولكن لا يسمح لها بالعمل من أجل تحقيق المصالحة جراء إدارة الأزمات المفتعلة و التجاذبات السياسية الضيقة..أمام كل ذلك، تواصل الطبقة السياسية تسجيل النقاط من خلال اللوائح واللوائح المضادة ويسعى كل طرف إلى إحراج خصمه،ولم تنته حرب اللوائح ونتائجها العبثية عند هذا الحد، بل تفاقم ليمتد خارج أسوار البرلمان نحو مزيد من الانقسام والاستقطاب والعنف السياسي وتنتهي بدورها مخلفة مزيد من الصراع والتطاحن في دولة متهالكة سياسيا و إقتصاديا و إجتماعيا.. الوضع الراهن يتطلب النظر في لوائح أخرى تهم التونسيين من بينها المديونية والبطالة، وعلى النواب التركيز على القضايا المرتبطة بالشعب وتمس حياتهم مباشرة بعيدا عن التجاذبات الضيقة و العقيمة..
بعض الأطراف تضع العصا في العجلة طغت عليهم الأنانية وحب الذات و المصالح السياسوية الضيقة و التملص من المسؤولية و التخوين وبالغوا في الابتزاز..و يبدو أن اطراف الأزمة وأتباعها غير واعية بتأزم الوضع الإقتصادي الذي يسير باتجاه سلبي على نحو خطير ، مدفوعا بتحديات إجتماعية وأخرى سياسية، بينما جاء فيروس كورونا ليضيف أعباء إضافية على البلاد و لابد من تغليب مصلحة الوطن قبل فوات الأوان..
الوضع الراهن بتعقيداته و تحدياته المتسارعة على مختلف المستويات مسألة سحب الثقة من الحكومة أمر غير ممكن التحقيق ،في ظل ان المشهد السياسى التونسى وما فيه من توتر واحتقان لا يحتمل الدخول فى تغييرات سياسية فى ظل أزمة اقتصادية واجتماعية ومطالب شعبية متصاعدة من جراء الآثار والتداعيات التى أحدثتها جائحة كورونا.. ولا شك في أن ذلك سيرفع مستوى الجدل حول هذه المسألة وتبادل الاتهامات والمهاترات إلى مستوى النقاش في العمق حول اقتراحات محددة و يدفع بالمشهد السياسي و الإجتماعي إلى الإحتقان و المواجهة و البلاد غير قادرة على تحمل مثل هذه الازمات و الهزات السياسية و الإجتماعية..
المشهد السياسي يتطلب الحذر و الحكمة ووحدة وطنية تحصن الوطن من القوى العابثة و الأجندة الخارجية التي تستهدف المسار الديمقراطي و تهدف إلى إرباك المشهد السياسي و إستقرار البلاد و يتطلب الإبتعاد عن المناكفات و المكايدات و الإبتزاز السياسي الغير محمود العواقب و فسح المجال للحكومة للعمل في مناخ سياسي مبني على الثقة المتبادلة وآلية مشتركة ناتجة عن تفاهمات مسؤولة وخالية من نوازع الكيد والانتقام و مناخ يسوده الإنسجام.. ولا شك وان هذا الصراع المرشح للتصاعد سيزيد من إرباكها في وقت تريد فيه أن توجه كل طاقاتها نحو الأزمة الاقتصادية الصعبة والثقيلة إضافة إلى الأزمة الإجتماعية المرشحة للإنفجار .. فحكموا عقولكم قبل فوات الأوان و حذار من الفوضى و إدخال البلاد في نفق مظلم نحن غنى عنها..

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023