المقاومة ھي الحل

د. أنور العقرباوي: فلسطیني واشنطن |

في مشهد من حقبات النضال الفلسطيني عام 1982, لا تزال في الذهن عالقة ذكراه، وقد اختلطت فيها مشاعر الإعتزاز إزاء صمود المقاومة الأسطوري، مع الخوف من المستقبل المجهول على إثر خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت في رحلة شتات جديدة، سأل الصحفيون يومها الشهيد ياسر عرفات وين رايح يا أبو عمار؟ أجابهم: “على فلسطين…على فلسطين…على فلسطين.”

شكلت القضية الفلسطينية ومنذ نشأتها، حالة من الوعي في الوجدان القومي العربي والإسلامي، إزاء الأطماع الصهيوينة والقوى الغربية الإستعمارية المساندة لها، وعلى الرغم من كل التحديات والمحن والمصائب اللتي ابتليت بها الأمة العربية، وما أصابها بين الحين والآخر من إحباط نتيجة الظلم والإجحاف في حق أخوة لهم في العروبة والدين، إلا أن القضية الفلسطينية قد بقيت القضية المركزية للأمة، على الرغم من كل محاولات بعض “الأشقاء” قبل الأعداء لطمسها، لما تمثله أهميتها من مخاطر الوجود الصهيوني على الأمن القومي العربي ومستقبل شعوبه، إذا ما أضفنا إلى ذلك عدالتها بأبعادها الروحية والإنسانية والتحررية، حيث شكلت المقاومة الفلسطينية رأس الرمح في المواجهة مع المحتل الصهيوني، تؤازرها في كفاحها جبهة عربية وإسلامية مساندة لم تستثني من بينها أحرار العالم في كل مكان. 

وبين حالة المد والجزر، التي اكتنفت الحالة الفلسطينية، من بزوغ محور المقاومة والممانعة و انتصاراته المتلاحقة، وشراسة مشاريع التصفية النهائية التي كان آخرها ما اصطلح على تسميتها ب-“صفقة القرن”، جاء إنتصار حرب الثماني وأربعين ساعة مع العدو الصهيوني في غزة، وعمليات المقاومة المسلحة الأخيرة في الضفة الغربية، حتى تدفع بالقضية الفلسطينية مجددا إلى واجهة الأحداث على المستويين العربي والدولي، كي تستنهض الوعي القومي بأهميتها ومركزيتها من جديد، وبالتأكيد على أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن كل مشاريع التصفية إنما مصيرها السقوط، تماما كما انتهت إليه رؤية وزير الخارجية الأمريكي الكسندر هيج عام 1981, اللذي بشر في حينه بقيام “شرق أوسط جديد”، وما تلاه مباشرة بعد خروج المقاومة من بيروت عام 1982, في الإعلان عن “مشروع ريغان” اللذي أراد منه إستثمار حالة الإحباط السائدة حينها، اللذي يتلخص بمعارضة قيام دولة فلسطينية وإعتماد خيار “مشروع المملكة العربية المتحدة”، اللذي سبق وأن طرحه ملك الأردن السابق عام 1972, قبل أن يلحق بسالفه وتسقطه المقاومة اللبنانية إثر تفجير سيارة مفخخة بحاجز عسكري مشترك للمارينز الأمريكي والقوات الفرنسية، نتج عنه مقتل 241 من الجنود الأمريكيين و 58 جنديا فرنسيا، أدت إلى مغادرتها الأراضي اللبنانية على الفور.   

بعد أوسلو عاد القادة راجح أبو لحية إلى غزة وفؤاد العديلي إلى رام الله، وكل الأمل يحذوهم في نقل المواجهة مع العدو إلى الداخل، قبل أن يلاقوا وجه ربهم شهداء على أرض فلسطين، وتدور الأيام والسنين من بعدهم حتى تثبت النوايا والأحداث عقم أوسلو في إسترجاع أي حق، كان هدف أبو عمار في القبول به من الأساس هو الصعود إلى الجبال ومواجهة الصهاينة مباشرة، قبل أن يلحق بأبنائه البررة اللذين سبقوه على طريق الشهادة التي طالما تمناها، كي تنتقل راية المقاومة من بعدهم إلى الشهداء أحمد جرار، وعبد الرحمن بني فضل، وليس بالتأكيد آخرهم الشهداء أشرف نعالوة وصالح البرغوثي ومجد مطير والفتى محمود نخلة، حتى يدرك الجميع منا أنه ما من وسيلة في سبيل إسقاط “صفقة القرن” المؤامرة سوى المقاومة، تماما كما فعلتها المقاومة اللبنانية في إسقاط مشاريع الشرق الأوسط المتنوعة بين الأعوام 1983 و 2006, وحتى تتأكد معها نبؤة القائد الشهيد، أبو عمار “سيأتي يوما ويرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس وأسوار القدس الشريف” في فلسطين…في فلسطين…من النهر إلى البحر. 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023