الوفاء للقضيّة الفلسطينية واجب شرعي وإنساني…بقلم محمد الرصافي المقداد

الوفاء للقضيّة الفلسطينية واجب شرعي وإنساني…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم أتوقف من الكتابة على طوفان الأقصى – وأعتقد أنني سوف لن اتوقف كلما وقفت على حقيقة متعلقة به- ذلك الهجوم البري الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية، على المستوطنات المحيطة بها، من قطاع غزّة المحاصر حصارا خانقا – اشتركت فيه القوات الصهيونية مع القوات المصرية في أداء واحد- فذلك الحدث في عمومه دخل التاريخ، وسطّر في سجلّ المقاومة الفلسطينية عملا بطوليا، جدير بالتنويه والإشادة به كعمل عسكري، غير مسبوق في حجمه انتشارا وأداء، ونتائجه الأولية المعنوية، أهمّ بكثير من نتائجه المادية، فعامل المفاجأة أربك العدوّ الصهيوني، وجعله يتخبّط في وضع الجديد لم يكن يتوقعه من غزّة المحاصرة بالكامل منذ سنة2007 (1)

وقد كان الصهاينة ينتظرون هجوما محتملا من شمال فلسطين- وهو ما تردّد كثيرا من أوساط عدّة – فجاءهم من قطاع غزّة، وأحدث لهم ما أحدث من زعزعة، أربكتهم عسكريا وسياسيا، فقد كان المستوطنون قبل يوم 7أكتوبر، ينعمون بحياة آمنة في مستوطناتهم، فإذا بهم اثناء طوفان الأقصى مستهدفون في أمنهم داخل مستوطناتهم، وحياتهم عرضة للقتل أو الأسر، وحالة انعدام الأمن هذه التي أوجدها هذا الطوفان المصغّر، ولم تكن في حسابات الكيان الصهيوني ومستوطنيه، سوف لن تكون حالة طارئة واستثنائية، تزول بزوال واقعتها، بل ستبقى بعد ذلك آثارها هاجسا قويّا، يُقِضّ مضاجع المستوطنين في مستوطناتهم، ومن الصعب بعد ذلك أن يُقنع السياسيون الصهاينة مستوطنيهم، بقدرة جيشهم وأمنهم على حمايتهم وضمان الأمن لهم.

بالإمكان القول بأن الفلسطينيين اليوم وفي مقدّمتهم فصائلهم المقاومة للإحتلال الصهيوني قد أسقطوا نهائيا إمكانية الاعتماد على الأنظمة العربية، وأصبحت قناعتهم من خلال تجاربهم الفاشلة السابقة، أن الاعتماد على الذّات أجدى وأصوب من الإعتماد على الغير، لكنّهم في مقابل الخذلان العربي، وجدوا في إيران السّند والمساعد الصادق، الذي دخل في صلب موضوع القضية، وأعطاها ما تستحقّ من اهتمام ورعاية على جميع الأصعدة، السياسية والعسكرية والثقافية والإعلامية واللوجستية، ومنذ سنة 1979(2) إلى اليوم، لم يغب النظام الإسلامي الإيراني عن الساحة الفلسطينية دعما ومساندة، وأجزم القول بأنه لولا هذا النظام المبدئي، الذي أعطى للقضية الفلسطينية ما تستحق من دعم هام ماديّ ومعنوي، تنامى على مدى احتضانه لحركات مقاومتها، لما بقي لحقوق الشعب الفلسطيني باقية تذكر، خصوصا بعد سقوط منظمة التحرير الفلسطينية في فخ مفاوضات حلّ الدولتين، على أساس مرجعية مبادرة السلام العربية (3) واتفاق أوسلو سنة 1993(4)

ويزداد السقوط النظام العربي والإسلامي، عندما خرجت دوله علينا في مؤتمر قمّتيهما ببيان أجوف بلا روح، وفيما تتردى أنظمة التطبيع للكيان الصهيوني والعمالة لأمريكا إلى مستنقعات الذّل والمهانة السياسي، يزداد نجم إيران الإسلامية ومحورها المقاوم سطوعا وتألّقا، وعلى مدى هذه العلاقة، لم تتراجع إيران عن مواقفها المبدئية المعلنة تجاه القضية الفلسطينية، وهي مواقف تعرفها جيّدا قيادات الفصائل الفلسطينية، وتعترف بها بكل إمتنان وشكر.

فهل كان صعبا على تلك الدّول أن تتضامن مع أهل غزّة وفلسطين الذين يعانون من ظلم واستكبار بني صهيون، وتجاهل المجتمع الدّولي لأعمال القتل والدمار والإبادة التي تعرّضوا لها، ألم يكن من أضعف الإيمان بالنسبة لتركيا ومصر والأردن والامارات والمغرب، قطع علاقات العار الدبلوماسي مع الكيان الصهيوني تعبيرا عن غضب مما جرى، ولو كان رمزيا، حفضا لماء وجه العلاقة التي تربط هذه الدول مع الشعب الفلسطيني؟ ألا يخجل هؤلاء الرؤساء من كولومبيا وجنوب افريقيا ودول أخرى قامت بطرد السفير الصهيوني لديها، وهي دول لا تربطهم بفلسطين رابطة عرق أو دين فقط المبادئ الإنسانية التي دفعت بتلك الحكومات إلى اتخاذ موقف مشرّف لبلدانهم.

وخذلان الدول العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية بدأ قديما متدرّجا متخفّيا، في تعاملات مشبوهة ظهرت بعد ذلك بزمن، كان كافيا لمرورها وعدم افتضاح جُناتها، وبدأ يتطور في نفس الأسلوب الذي كان متّبعا من قبل، منذ نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وبتدجين الشعوب العربية والإسلامية، وإلهائها في صراعات وهمية ومشاكل مصطنعة خصيصا لإشغالها عن قضاياها الهامّة والمصيرية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، بدأت مرحلة ثانية تمثّلت في مظاهر التعامل بين تلك الدّول والكيان الصهيوني، حسب مصلحة كل دولة أين تكمن، فتهافت من تهافت لإظهار العلاقة المخزية بلا خجل من فعلته، وأنى يكون لحكومات خجل وهي في حساب الاستكبار العالمي دول تابعة لمنظومته، خاضعة لإرادته، هي التي تأمر وتنهى، وعلى رعاياها خونة الشعوب أن تستجيب، ولو كان على حساب مبادئها ومستقبلها.

فهل يمكن بعد كل الذي حصل وظهر من خذلان القضية الفلسطينية، من المواقف الرسمية العربية والإسلامية، الوثوق ولو بنسبة 1% بهؤلاء الحكام، الذين رفعوا عن أنفسهم ستر العمالة، ليظهروا من دونه عراة من العروبة والإسلام، أقرب الصهيونية منهم إلى شيء آخر، والعجب ليس في هؤلاء، فهم أحط شأنا من أن يقيم لهم كل حرّ شريف قيمة أو اعتبار، بعد الذي صدر منهم، واللوم كلّه يقع على نخب الشعوب العربية والإسلامية، التي تقاعست عن تحريك شعوبها نحو تصحيح مسار تلك الحكومات الخاطئ، والسكوت على مهازل هؤلاء الحكام جريمة لا تقلّ عمّا ارتكبوه من سوء.

ويبقى طوفان غزّة قد فضحَ كل من بقي خارج محور المقاومة، وخصوصا حكومات تطبيع مجاني، لم يراعي أي رابط يربطها بالشعب الفلسطيني، فلا مبادئ الدين الإسلامي منعتها، ولا الانتماء العرقي العربي أوقفها عن مسارها المخزيّ، ولا حتى القيم الإنسانية المنشدة للحرّية والكرامة، حالت دونها والإنخراط في مسار مُعيب، سيكون في المستقبل وصمة عار لمن سلكه كأدوات حكم وكشعب رضي قبولا به أو سكوتا عنه، الشعب الفلسطيني ومعه أحرار العالم لن يسكتوا على من أجرم بحقهم وتآمر عليهم بالخذلان والخيانة والتطبيع، ولن يفلت أحد من الحساب دنيا وآخرة، نصرة الأشقاء الفلسطينيين واجبة على كل قادر بالفعل المادي والمعنوي، فردا كان أو مؤسسة أو مجتمعا أو نظاما، وفي هذا فليتنافس المتنافسون وإن قلّوا، فالعبرة بالرجال وليس بأشباه الرجال.

المراجع

1 – حصار غزّة https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – الثورة الإسلامية الإيرانية https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – مبادرة السلام العربية https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – حلّ الدولتين https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023