بأي مبرّر تعتدي حماس على حركة صابرين ؟

بأي مبرّر تعتدي حماس على حركة صابرين ؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

ما الذي دها قيادة حركة حماس يوم الثلاثاء الفارط ودفع بها إلى اتخاذ قرار تصفية حركة الصابرين من قطاع غزة؟

هل ارتكبت الحركة خطأ ما، كعمالة للعدو الصهيوني وتواطى معه، يستوجب تصفيتها مع ان عَملاء العدو موجودين خارج اطارها، ينشطون تحت غطاء السلطة وبتعيينات رسمية، ولا احد يجرؤ على تصفيتهم.

لا أعتقد أن القرار كان داخليا، بما يعني انه لا علاقة له بالمؤثرات الخارجية، التي عادة ما تهب رياحها على الحركة بين الفينة والأخرى، وكلما حدث ما من شأنه ان يشيطن سلوك القسم المتنفذ من مسؤولي حماس، فيقدم على اقتراف جرم بحق حركة مقاومة، بإمكانها ان تعضد جهود الحركات الفلسطينية في صراعها ضد الكيان.

ويبدو أن مصلحة قسم من حركة حماس التقت مع رغبات دول عربية ضالعة في التطبيع مع الكيان الصهيوني ومتآمرة على القضية الفلسطينية، مضافا الى تصنيف أمريكا لحركة صابرين ارهابية دفع الى اتخاذ قرار بتصفيتها، وهو قرار في منتهى الخطورة وعدم الوعي بحساسية المرحلة.

تأسست حركة صابرين سنة ٢٠١٤ من مجموعة من منتسبي الجهاد الإسلامي انشقت عن الحركة لأسباب فكرية وعقائدية واختلاف في الرؤيا، تنشط بقطاع غزة والضفة، وقامت بانتخاب الشيخ هاشم سالم امينا عاما لها، وهي مواقف وتحركات وقرارات فلسطينية محضة لا دخل لإيران فيها، وموقف ايران وسياستها بخصوص القضية الفلسطينية، تمثل في تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية، ومساعدتها على الصمود بوجه العدو الصهيوني، ومقاومة موجات التطبيع والحلول المضيعة للحق الفلسطيني، فما يراه الغرب ورعاياه تدخلا ايرانيا في الشأن الفلسطيني، لا يعدو كونه وقوفا عمليا الى جانب حركات المقاومة الفلسطينية.

لا اعتقد أن منصفا ينكر الاثار الايجابية لفكر الثورة الاسلامية الإيرانية، وبصماتها والواضحة على حركة النضال الاسلامي في فلسطين، حيث أن جميع حركاتها ظهرت بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وأولها حركة الجهاد الاسلامي ثم حركة حماس.

نعم لقد كان مؤسس حركة الجهاد الاسلامي الشهيد فتحي الشقاقي متأثرا بشكل كامل بالثورة الاسلامية في ايران فكرا وقيادة ومنهجا، حيث يقول في كتابه (الخميني الحل الاسلامي والبديل): ” كنت‏ أود أن‏ أشير قبل‏ ترك‏ هذا‏ الفصل،‏ أن‏ الثورة‏ الإسلامية‏ في‏ إيران‏ ثورة إسلامية، بمعناها القرآني الرحب.. إنها ليست ثورة طائفة دون طائفة، إن القواسم المشتركة بين جناحي المسلمين السنة والشيعة لتكاد، بل هي فعلاً تشكل جسد هذه الثورة بدءاً من منطلقاتها وأهدافها ووسائلها وبواعثها.. إن الخلاف المطروح بين أهل السنة والشيعة حول إمامة الأئمة الاثني عشر وعصمة الأئمة – لا يشكل سلباً ولا إيجاباً – أي تأثير في طبيعة الثورة ومسارها.” (الخميني الحل الاسلامي والبديل/ الفصل الثاني ص 48 / 49 دار المختار الاسلامي طبع 1979 )

شهادة حق تعضدها مقالته عن موقف الامام الخميني من القضية الفلسطينية، حيث يقول: (وتبقى هناك قضية هامة في فكر الامام الخميني، وممارسة الحركة الاسلامية في ايران، ألا وهو موقفها من قضية فلسطين، هذا الموقف الذي ينم عن وعي استراتيجي وتكتيكي بالغ الأثر والاهمية، وهو موقف يجب ان تتأمله بقية الحركات الاسلامية، لتأخذ منه الدرس والعبرة، لا على مستوى النظرية فقط، بل على مستوى الممارسة والتطبيق، لأن المراوحة على المستوى النظري، هي مراوغة تسمح لكل فكر فجّ ومائع بالبقاء في موقعه، يؤدي دوره بشكل غير صحّي ) (الخميني الحل الاسلامي والبديل /الفصل الثاني ص 46 دار المختار الاسلامي طبعة 1979)

كما لا يمكن تصنيف المهندس الشهيد فتحي الشقاقي الذي عرف بفكره الثوري ومواقفه المناصرة للثورة الاسلامية في ايران، بالداعية الى التشيع، ولم تكن حركة الجهاد الإسلامي التي أسسها اواخر السبعينات من القرن الماضي، سوى ثمرة الانسجام الفكري الثوري الذي دعا اليه الامام الخميني رضوان الله عليه، وهي اولى الحركات الاسلامية تأسيسا وظهورا.

ويخطئ من يعتقد خروج حَماس من دمشق على اساس انه ابتعاد عن ايران، وما قامت به الحركة لم يكن بدافع عقائدي لا سياسي، بل كان سقوطا في مستنقع الاستجابة للإملاءات والضغوط الخارجية، خصوصا من دول الخليج، والنظام المصري منخرط معهم في ذلك المسار.

ويبدو ان حركة حماس لم تستخلص الدرس من التيه الذي مشت فيه، بإيعاز من دول عربية معروفة، لم يكن همها في يوم من الايام منعقدا بتحرير فلسطين، بل كانت ولا تزال محسوبة على مسار العمالة والتبعية للغرب، الذي كان السبب المباشر في ضياع الحق الفلسطيني، حركة حماس تنكرت لما قدمه لها النظام السوري، وقابلته بالغدر والخيانة، وكانت شريكة في المؤامرة على سوريا، وهو لؤم دفعت إلى جُبّه فوقعت فيه، دون أن تحسب حسابا لما قد ينجر عنه ذلك الانقلاب، لو لم ينجح المتامرون الكثر في إسقاط النظام، وما اسقطه هؤلاء من حساباتهم، هو الذي حصل فعلا، واذا بخيوط المؤامرة تتلاشى، وتتعافى سوريا من محنتها تدريجيا.

لا يمكن لعاقل ان يصدق ما تروجه وسائل الإعلام المتصهينة، ان حركة صابرين هي ذراع ايران في قطاع غزة، وما مصلحة ايران في أن يكون لها ذراع في القطاع المنكوب، والمسلط عليه أقسى انواع الحصار من طرف الكيان الصهيوني، ويساعده على ذلك النظام المصري، من أجل اخضاع فصاىل المقاومة لشروط الصفقة الصهيونية الأمريكية، وبالتالي انهاء وجودها من الأساس.

قضية ايران الوحيدة في غزة وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، هي قضية احرار المسلمين والعالم، الذين يرفضون اي شكل من أشكال الظلم والقهر واستعباد الناس، وايران بقيمها الإسلامية التي قامت بها ثورتها، وانبنت دولتها على ذلك الاساس، لا يوجد لديها حساب مصلحي اخر في هذا الملف، غير تحرير كامل فلسطين، وتخليص المنطقة من شر الصهيونية.

لقد برهنت ايران مرارا وتكرارا ان مصلحتها في دعم الفصاىل الفلسطينية، بقطع النظر عن انتماءاتهم المذهبية، تكمن في استجاباتها فقط لنداء واجب الأخوة الإسلامية، وتقديم ما يمكنها من عون لتخليص الشعب الفلسطيني من محنته التي طالت، وقل فيها الناصر.

انّ الذي حصل من اعتداء واستضعاف لحركة صابرين الاسلامية، من طرف اجهزة حماس، يدفعنا الى القول أولا وأخيرا أن التحرير المرتقب للأراضي الفلسطينية المحتلة، لن يكون الا على أيد لم تنغمس في المؤامرة، على أحد من الفصائل المرابطة بالقطاع أو بالضفة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023