باختصار، كيف نفهم صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات الغربية؟… بقلم فوزي حساينية

باختصار، كيف نفهم صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات الغربية؟… بقلم فوزي حساينية

كيف استطاع الاقتصاد الروسي أن يصمد رغم الحرب والعقوبات الغربية ؟

وفقا لمقال منشور بيومية ” العربي الجديد ” فإن محللين يرون أن هنالك 5 عوامل أساسية أدت إلى صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات الغربية بعد مرور سنتين على انطلاق الحرب في أوكرانيا:

وهي العوامل التي أعرضها هنا ملخصة مع إضافة عوامل أخرى أراها مهمة بدورها، ويمكن من خلالها استكمال الصورة من أجل فهم أفضل للصمود الاقتصادي الروسي ، كما يلي:

أولا : هي ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الفترة التي تلت بداية الحرب، وهو ما وفر للميزانية الروسية مبالغ طائلة مكنتها من الاستمرار الإنفاق على الحرب.

ثانيا: عدم التزام كل من الصين والهند بالعقوبات الغربية على الطاقة، حيث عوضت روسيا ما خسرته من صادرات الطاقة إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر تصدير النفط والغاز إلى أكبر سوقين في آسيا وهما السوق الصيني والسوق الهندي.

ثالثا: العلاقات القوية لموسكو مع الصين ودول آسيا الوسطى، حيث تمكنت عبر الشركات الصينية من تعويض خسارة التقنية الغربية عبر البدائل التقنية الصينية وكذلك الحصول على قطع الغيار الغربية عبر الفضاء التجاري الذي تملكه مع دول آسيا الوسطى.

رابعا: كفاءة البيروقراطية الروسية، خاصة في البنك المركزي الروسي، هذه البيروقراطية التي فاجأت الغرب ليس بصمودها ووطنيتها فقط ، بل وبذكائها وقدرتها على إحباط التأثير المدمر للعقوبات الغربية كما تم الإعداد والتخطيط لها من قبل دهاقنة القوى المالية والاقتصادية الغربية.

كما أشار المقال أيضا لعامل خامس، وهو ” إن اقتصاد روسيا، اقتصاد حرب تستثمر فيه الدولة، التي كان لديها احتياطي كبير للغاية، تم بناؤه على مدى سنوات عديدة من الانضباط المالي”.

ويمكنني أن أضيف من جهتي أربعة عوامل ساهمت هي الأخرى بطريقة جوهرية في صمود الاقتصاد الروسي وتجاوزه لأزمة الحصار والعقوبات غير المسبوقة، رغم مرور سنتين على بدء الحرب في أوكرانيا، ورغم أن عدد العقوبات قد تجاوز حاجز الــ 16000 عقوبة، وتلك العوامل باختصار شديد هي:

1- القيادة الكارزمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهنا يكفي أن نتذكر مقولة أحد المؤرخين الروس ” روسيا دون قيصر يسودها الخصام ” وقد حققت الشخصية الكارزمية للرئيس بوتين وحدة وقوة روسيا وتصميمها الذي تحطمت على صخرته كل مخططات ومشاريع القوى الغربية ضد روسيا.

2- الثقافة الاستهلاكية المعتدلة للأسرة الروسية، والتي تختلف عن نظيرتها الغربية، فالأسرة في روسيا لاتزال تتمتع بالروح الجماعي ، وبالقدرة على بناء القيم وحماية الفرد ، والاستهلاك المعتدل، وهي ثقافة ساعدت كثيرا على تجنب الهلع وما ينجم عنه من قلق وإحباط وفقدان للثقة.

3- قوة ووطنية الإعلام الروسي، وقدرته على مقارعة الإعلام الغربي، وكشف وإحباط أكاذيبه، وإفشال حروبه النفسية ضد روسيا كدولة فيدرالية وكشعوب متماسكة ومتحدة.

4- سقوط التوقعات والحسابات الأمريكية والغربية عموما والتي راهنت على أن روسيا لايمكنها أن تصمد اقتصاديا في وجه عقوبات تم التخطيط لها جيدا وإعدادها مسبقا لتكون قاصمة ساحقة ، بحيث تؤدي إلى ثورة اجتماعية وتمرد سياسي يطيح بحكم الرئيس فلاديمير بوتين الذي أتعب الغرب وأحبط كل مساعيه لإضعاف روسا تمهيدا لتقسيمها وإخراجها من معادلة الصراع العالمي، سقوط هذه التوقعات أدخل القوى الغربية في مأزق حقيقي إذ أن الحرب في أوكرانيا التي كان يراد لها أن تكون استنزافا مهلكا لاقتصاد روسيا ومحبطا لروحها المعنوية انقلب إلى استنزاف رهيب للاقتصاديات الغربية وإستراتيجياتها العالمية.

غني عن القول أن نجاح الاقتصاد الروسي، ليس في معركة الصمود فقط بل وفي تحقيق نمو معتبر عكس كل التوقعات، يعد هزيمة للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم كل المعاناة والصعوبات التي واجهتها روسيا في بداية الحرب بفعل العقوبات، ولكن بعد سنتين من الحرب ظهرت حقائق جديدة للقوة مؤداها أن على الغرب أن يعيد فحص معلوماته ومفاهيمه وتقديراته حول الاقتصاد الروسي، والدولة الروسية ككل، ولكن عليه – أي الغرب – قبل ذلك أن يسلم بحقيقة أنه قد خسر حربه ضد روسيا في أوكرانيا، وأن هذه الخسارة قد أصبحت أمرا واقعا لا يمكن التعتيم عليه أو تجاهله.

فوزي حساينية-إطار بقطاع الثقافة وكاتب جزائري.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023