بدء نهاية الغرب …والعزلة الامريكية

الدكتور بهيج سكاكيني |

الرئيس ترامب لا يترك فرصة على الاطلاق دون ان يؤكد مبدأ “أمريكا أولا” وبشكل فج ومتناهي في الوقاحة العلنية وليذهب الجميع الى الجحيم. وهذا لا ينطبق على الاعداء فقط بل وأيضا يشمل الاصدقاء وحتى الحلفاء التقليديين مثل الاوروبيين وغيرهم. فبعد ان صفع الاوروبيين بالانسحاب وعدم التوقيع على معاهدة باريس في تغيير المناخ ضاربا بعرض الحائط الحفاظ على البيئة والتقليل من التلوث الذي يسبب ظاهرة الانبعاث الحراري وكذلك الانسحاب من إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء وإتفاقية الشراكة التجارية عبر الاطلسي معلنا البدء بالحرب التجارية ووضع القيود على الدول الصديقة والحليفة بالاضافة الى الانسحاب من الاتفاقية التي وقعت مع إيران بشأن برنامجها النووي من قبل مجموعة الدول الكبرى وخلافه حول هذا الموضوع مع دول الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين ها هو يؤكد مرة أخرى تحدي العالم الغربي الذي ينتمي اليه بعدم التوقيع على البيان الختامي للدول السبعة الصناعية الكبرى (ج-7 ) وذلك لاعتراضه على صيغة في البيان جاء فيها التمسك بـ ” القوانين المرتكزة على النظام الدولي”. ترامب كما هم من قبله لا يريد ان يلتزم او أن يقيد أمريكا بالقوانين الدولية فهذه القوانين وضعت للغير فقط وليس لامريكا التي تريد ان تصول وتجول وتعربد وتفعل ما تشاء في الكون دون محاسبة او رادع من اية دولة. الفارق الوحيد بين ترامب ومن سبقوه من الرؤساء انه أكثر حدية وفجاجة ووقاحة علنية تزعج الاصدقاء والحلفاء وتحرجهم في الكثير من المواقف الدولية.

ولم يجد الرئيس ترامب حرجا في استخدام لغة المافيا في تعامله مع الدول السبع المجتمعة حيث وجه إنذارا الى رؤساء الدول المجتمعة طالبا من دولهم تخفيض الحواجز التجارية للولايات المتحدة أو المخاطرة بفقدان الوصول الى أكبر سوق إقتصاد عالمي أي سوق الولايات المتحدة. هذا في الوقت التي وضعت فيه الولايات المتحدة القيود وزيادة التعرفة على بعض بضائع هذه الدول المصدرة اليها. مؤكدا للصحفيين ” ليس لديهم أي خيار. سأكون صريحا معكم لا يوجد لديهم اي خيار آخر” هذا ما ذكره ترامب في مؤتمره الصحفي مضيفا من ان هنالك كثيرا من الشركات والعمالة تركت الولايات المتحدة للهروب من القيود التجارية المفروضة. ” نحن سنقوم بتصحيح هذا الوضع . وفي حالة عدم تصحيحه فإننا لن نتعامل مع هذه الدول”. وهذه الدول هي حلفاء الولايات المتحدة التقليدين الاوروبيين  بالدرجة الاولى الى جانب اليابان وكوريا الجنوبية.

والذي يبدو ان الرئيس ترامب غير آبه بهذه الدول وخاصة الاوروبية منها بالرغم من حاجته اليها في دعمها المطلوب في العقوبات الاقتصادية التي يفرضها على روسيا الى جانب تمركز قوات حلف الناتو ونصب أنظمة صاروخية بالقرب من الحدود مع روسيا كوسائل للحد من الدور الروسي المتنامي على الساحة الدولية وفرض الهوة بين روسيا ودول الاتحاد الاوروبي التي تعتمد الى حد كبير على استيراد الغاز الطبيعي من روسيا. ومن الضروري الاشارة هنا الى ان إنجرار الدول الاوروبية الى فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا تمشيا مع السياسة الامريكية قد اضر كثيرا بالاقتصاد الاوروبي وخاصة الاقتصاد الالماني والفرنسي والايطالي.

وأدت المحاولات البائسة لتطويق وإحتواء روسيا وتدمير إقتصادها الى تقارب صيني-روسي غير مسبوق وتمكين التحالف بينهما لصالح الدولتين وضد سياسة التسلط والهيمنة الامريكية على الساحة الدولية وأصبحت تمتلك القوة للتصدي لهذه الهيمنة في الامم المتحدة وخاصة في مجلس الامن الدولي حيث استطاعت فرملة السياسة العدوانية للولايات المتحدة على المستوى العالمي وتقليم أجنحتها كما إتضح في منطقتنا وخاصة بالنسبة للعدوان الكوني على سوريا وكذلك الوضع الى حد كبير على السياسة العدوانية الامريكية تجاه كوريا الشمالية.

وربما من الجدير ان نذكر بأن كل من كيسنجر وبريجنسكي اللذين اعتمدت على تنظيراتهم الولايات المتحدة في رسم سياساتها الخارجية منذ بداية الستينات ربما ولغاية الان كانوا قد نبهوا الى ضرورة ان تسعى الولايات المتحدة الى العمل الجاد على منع التقارب بين روسيا والصين والصين كأحدى الشروط الاساسية لضمان المركز القيادي الكوني للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

عندما إنهار الاتحاد السوفياتي وتفككت جمهورياته وأنضم العديد منها الى حلف الناتو تحت ضغوط أمريكية على الدول الاوروبية التي كانت تعارض إنضمامها الى الحلف لما يشكل ذلك عبئا إقتصاديا عليها الى جانب العبىء الامني وقد تبين لاحقا لها انها كانت محقة في إعتراضها لعضوية هذه الدول لكن بعد فوات الاوان, بعد هذا اعتقدت الولايات المتحدة انها ربحت الحرب الباردة وأنها أصبحت القوة التي لا تقهر وبدون منازع وسعت الى بناء الامبراطورية الكونية والتحكم بالعالم. ولم تفق أمريكا من هذا الحلم الا بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان التي غرقت في مستنقعها وما زالت بعد اكثر من 16 عاما على غزوها.

واليوم ونتيجة السياسة المتخبطة والعدوانية الترامبية على الحلفاء الغربيين بالدرجة الاولى والفشل الذريع الذي مني به إجتماع الدول الصناعية السبع الغربية الكبرى  – التي من المفترض على الاقل نظريا ان يرمز الى الوحدة والقوة الغربية الذي يقرر توجيه الاقتصاد والسياسة على المستوى العالمي – والهوة الكبيرة التي ظهرت علنا بين ستة من الدول المجتمعة وأمريكا يحق للبعض ان يتساءل هل هذه هي نهلية الغرب الذي عرفناه لعقود استمرت منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية؟

لا شك ان الدول الاوروبية وبغض النظر عن التباين في مواقف دولها السياسية لم تعد تنظر الى الولايات المتحدة كشريك على المستوى الاقتصادي والسياسي بعد ان رات بأم اعينها التطبيق الفعلي لمبدأ ” امريكا اولا” وربما اخيرا أيضا دون الاخذ بعين الاعتبار لمصالح حلفاؤها التقليديين. ويبقى السؤال الان هل تمتلك هذه الدول الشجاعة الكافية لفك هذا الارتباط والتبعية العمياء الى درجة كبيرة التي ميزت واتسمت بها سياساتها الخارجية وربما الداخلية ايضا للسيد في البيت الابيض؟  هنالك أصوات ظهرت وخاصة في المانيا وفرنسا وعلى اعلى المستويات بأن على الدول الاوروبية أن تنظر الى مصالحها وحتى الى أمنها خارج إطار حلف الناتو الذي أصبح يشكل عبئا كبيرا على إقتصادها وعلى ضرورة فرض تعرفة وقيود تجارية على بضائع الولايات المتحدة كرد على القيود الامريكية وتهديدات الارعن ترامب

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023