بعد الغابون على من سيأتي الدّور؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

بعد الغابون على من سيأتي الدّور؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

وضعية أغلب الدول الإفريقية – بعد قرن من إستغلال الدول الغربية الاستعمارية – أصبحت في وضع لا تحسد عليه، من تردّي أوضاعها الاقتصادية، وبعد فترة من غيبة الوعي بدأ انقشاع الدعاية التي كانت رأسمال المنتفعين ببقاء أوضاع الدول الافريقية على حالها من التخلف والبؤس وضعف الحال على الرغم من الموارد الطبيعية الضخمة التي تمتلكها، وهي كفيلة بأن تكون تلك الدول مكتفية ذاتيا ودونما حاجة إلى الاقتراض والتديّن من الغرب، الناهب الرئيسي لتلك الثروات الطبيعية ( أورانيوم ذهب نفط ومعادن أخرى لا تقل قيمة عنها).

 

لقد شكّل الإنقلاب العسكري الذي وقع بجمهورية مالي في سنة 2021، بداية عهد جديد من الوعي، والشعور بالوطنية في صلب قادة القوات المسلحة في الدول الإفريقية، المعدودة جيوسياسيا فرنكوفونية، ومالي معروفة بمناجم اليورانيوم والذهب، المستغلة من الفرنسيين ينهبون من مخزونها بأبخس الأثمان بلا رقيب ولا حسيب، ولم يتأخر المجلس العسكري عن مطالبة فرنسا بإجلاء قواتها من هناك وقد تمّ ذلك بالفعل، فلم تعد لها قاعدة عسكرية هناك متمركزة بدعوى محاربة الإرهاب، وقد تفاقم بوجود تلك القوات.

 

ولم تكن هذه الانقلابات لتقع وتنجح دون أن يكون هناك وعي شعبي بأن السياسة التي تنتهجها حكومتهم خاطئة وعميلة 100% لفرنسا، واستفاقة الشعب المالي وبقية الشعوب الإفريقية منذ مدة، على حقيقة أن استقلالها الذي نالته كان مزيفا، بهرجته فرنسا إعلاميا بنضال قال عنه كتّاب تاريخه أنّه وطني، وان زعماءه حقيقيون وجديرون بأن يكونوا حكاما على رأس البلاد، بنما هم في واقعهم عملاء وخدام ونواب وحفاظ مصالح فرنسا في جمهورية مالي.

 

بالأمس أيضا وقع انقلاب في بوركينا فاسو وتلاه آخر في النيجر، ليكتمل النصاب هذه الأيام في الغابون بانقلاب عسكري، أثار حفيظة فرنسا أولا وأمريكا ثانيا، وأحلافهما في افريقيا والغرب ثالثا وأخيرا، وتبدو حركة العسكر في بعض البلدان الإفريقية قابلة للتوسع والتعميم مستقبلا، فما وقع بالأمس بمالي ثم ببوركينا فاسو ثم بالنيجر امتد اليوم ليصل إلى الغابون، ويؤكد مجددا، أن أفريقيا تشهد تحولا سياسيا عنيفا، غاية أصحابه وقف مهزلة الزعماء الوطنيين بعد تعريتهم وافتضاح عمالتهم لفرنسا.

 

جمهورية الغابون مستعمرة فرنسية احتلها الفرنسيون سنة 1885، وانهوا وجودهم العسكري الظاهر فيها بتاريخ 19 أوت 1960 عندما وقع الاعلان عن استقلال البلاد، لكنّه استقلال صوري رزحت فيه الغابون للنفوذ الإقتصادي الفرنسي، ولا يكون ذلك مستفحلا بدون مرجعية سياسية فرنسية، متمكنة من عصب السلطة الغابونية، ومثلما عبّرت فرنسا عن انشغالها وقلقها مما حصل بالغابون، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق إزاء الانقلاب العسكري

 

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ( ماثيو ميللر): ( نحثّ المسؤولين على إطلاق سراح أعضاي الحكومة وعائلاتهم وضمان سلامتهم، والحفاظ على الحكم المدني). (1)

 

يعتمد اقتصاد الغابون على النفط ( يمثل النفط الخام أكثر من 80% من صادرات البلاد، و 45% من الناتج المحلي الإجمالي)، فإنه يخضع لتقلبات الأسعار العالمية، الغابون هي ثامن أكبر منتج ومصدر للنفط الخام في أفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم من وجود مخاوف من انخفاض الاحتياطيات المؤكدة وتراجع الإنتاج، وأنتجت البلاد 240،000 برميل (38،000 م 3 ) من النفط يوميًا في عام 2014، بانخفاض قدره 35 % عن ذروة عام 1997، قدرت احتياطيات النفط المؤكدة في الغابون بـ 2.0 مليار برميل في عام 2015، وقدرت احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعي بـ 1.0 تريليون قدم مكعب (28 كم 3 )، وتسيطر على مقدّرات الغابون الحيوية آبار نفط ومصفات نفط (سوغارا) شركة توتال فرنسية TotalEnergies SE (2) بنسبة (43.8%) وشل Shell Oil Companyالبريطانية الهولندية ومقرها هيوستن الامريكية (3) بنسبة (17%) بينما لا تمتلك شركة أجيب الإيطالية Azienda Generale Italiana Petroli (4)سوى (2.5%) (5)

 

وعندما تجتمع مصالح الدّول الغربية ولو بنسب متفاوتة في العوائد فإنّها تجتمع على موقف موحّد بينها غايته، وإن كان ظاهرها المطالبة بالعودة إلى ديمقراطيتهم المزيفة، فإنّها بالأساس تهدف إلى الحفاظ على تلك العوائد للمذكورة، وما أخفي عن شعوبنا منها كان أعظم، لذلك فإنّ صراخ وتهديد دول الغرب، باستعمال القوة العسكرية، والتدخل في شؤون البلدان التي وقع فيها انقلاب على مصالحهم يبدو ضعيفا غير قابل للإنجاز ونسب النجاح فيها ضعيفة جدا مع التأييد الشعبي الحاصل لفائدة قادة الإنقلاب، وفي ظل توسّع دائرة الإنقلابات ضدهم، لم يعد بالإمكان فتح أربع جبهات جنوب الصحراء الكبرى، ولا اعتقد أنّ عملاء فرنسا والغرب المتبقون في على رأس دولهم، بإمكانهم فعل شيء سوى التهديد، فقد فاتهم اليوم القطار، بل انهم سيعيشون بعد الذي حصل حالة فزع واضطراب، من أن يحلّ بهم ما حلّ بنظرائهم في الدّول الأربعة المذكورة.

 

فرنسا تفقد السيطرة على مستعمراتها في أفريقيا، وبها تنتهي حقبة من الاستغلال الفاحش، على أمل أن تستفيق بقية الدول الإفريقية من سباتها، وتعيد الإعتبار لوطنيّتها، لتستعيد الشعوب مقدّراتها المنهوبة، أو المباعة بالبخس من الأسعار، وتتمكن من السير بخطى حثيثة، نحو امتلاك أسباب التقدّم والإكتفاء الذاتي، وتحقيق النموّ السريع في المجال الاقتصادي، إفريقيا تسير نحو الحرية السياسية والتحرّر الإقتصادي من الغرب، وهي مغامرة مصيرية، تحتاج إلى دعم شعبي كبير يمهّد لها أسباب النجاح.

 

مع ترجيح الباحث في معهد الدراسات الإفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية (نيكيتا بانين) أنّ الإنقلاب الحاصل في الغابون، اصطلح عليه بالوضع الداخلي(6)، لم يكن كما جرت عليه عادة الإنقلابات في الدول المصنفة مستعمرة، لصالح قوى خارجية، يبدو واضحا أن انقلاب الغابون، وما سبقه من انقلابات الدول جنوب الصحراء، جاء مستجيبا لرغبة شعوبها في التحرر من تبعية الغرب واستغلاله الفاحش، الغابون تتحرّر من الغرب، والسؤال المطروح على من سياتي الدّور القادم؟ وهل للدول العربية الافريقية نصيب، وهي التي لا تزال ترزح تحت الإستغلال الإقتصادي الغربي.

 

المراجع

 

1 – واشنطن تحث ىالجيش في الغابون على العودة للحكم المدني

 

https://www.bbc.com/arabic/articles/cx7jq2np5ldo.amp

 

2 – توتال انرجيز https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

3 – شركة شل للنفط https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

4 – شركة أجيب https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

5 – اقتصاد الغابون https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

6 – من يقف وراء انقلاب الغابون؟

 

https://arabic.rt.com/world/1490875-

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023