بوادر هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة…بقلم محمد الرصافي المقداد

بوادر هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم يكن موقف أمريكا الوقح المجاهر بحماية الكيان الصهيوني – وهي تعرف يقينا بأنّه كيان لقيط غاصب لأرض فلسطين- مبنيّا على أساس قانوني فَرض عليها الواجب الوقوف إلى جانبه، ولم يكن تاريخها ليشهد لها إلّا على سوء نيّة، تجاه الشعوب والبلدان المستهدفة، واقتراف عدوان عسكري عليها هدفه الأول، إرهاب وتهديد بقية دول العالم، وهدفه الثاني استغلال موارد تلك البلدان سواء كانت مادّية أو استراتيجية عسكرية لبناء قواعد عسكرية على أراضيها طوعا أو كرها.

منشأ الإنحياز الأمريكي للكيان الصهيوني، مردّه نفوذ أخطبوطه في دواليب السلطة والمال في عقر المؤسسات الأمريكية، وتأثيره المتحكم في سياساتها هي خصوصا، ودول الغرب عموما، موقف وإن بدَا منذ أن عرفناه في موقع التفوق والغلبة، إلّا أنّه بتغيّر قواعد الإشتباك والمواجهة في منطقة الشرق الأوسط، جعل وضع الكيان الغاصب يتردّى، من علياء هيمنته العسكرية على المنطقة، نزولا متدرّجا نحو السقوط والتآكل الداخلي والخارجي معا، ما اعطى لمن تابع القضية الفلسطينية انطباعا، بأن الظلم لا يمكن أن يستمرّ على أيّ شعب، طالما أخذ أبناؤه على عواتقهم مسألة تحريره وتخليصه من مظلوميّته التي عانى منها 75 سنة كاملة.

ومع ظهور الامام الخميني ونظامه الإسلامي، وطرحه للقضية الفلسطينية بمفهوم جديد قوامه المقاومة المسلحة، ووقوفه إلى جانب الحركات الإسلامية الفلسطينية خصوصا، والحركات العلمانية عموما، من أجل أن تكون فاعلة على الساحة الفلسطينية، وما حولها من الساحات المتاخمة لفلسطين كلبنان وسوريا، والقريبة كالعراق واليمن، مما رفع أرصدة هذه الفصائل في أدائها القتالي، وتسليحها بما يتلاءم ونجاح كل عملية تطلقها ضدّ الكيان المحتل، واليوم بحمد الله ظهرت من غزّة كفاءة وقدرة على مقارعة العدوّ الصهيوني، لم يكن يتوقعها لا الكيان نفسه ولا أمريكا، التي سارعت مع حلفائها بإرسال أساطيلها، نجدة للكيان وارهابا لشعوب المنطقة.

لقد كشف لنا طوفان الأقصى عن مدى هشاشة هذا الكيان، وسرعة انهياره وتآكله داخليا، تحت عامل المفاجأة، وهو ما حصل من جراء طوفان الأقصى، وأربك سلطة القرار في الكيان، وأظهرها أمام مستوطنيها غير قادرة على صد هجمات مفاجئة سريعة اخترقت حوازهم الأمنية والاستخبارية، وعادت إلى مواقعها ف غزة بأسرى مستوطنين، ليس من العدل أن يصفهم أحد بالمدنيين فجميعهم مسلحون، ومن لم يكن من جند الإحتياط، كان مسلّحا ومدرّبا تدريبا عاليا.

ومع كل الذي لحق بهذا الكيان من انتكاسة وارتباك، إلا أنّه واصل عمليات عدوانه على سوريا والعراق، بالتوازي مع ما تقوم به أمريكا بين الفينة والأخرى، حيث فتحت عملياتها الجوّية الغادرة، على مواقع تابعة للمقاومة في كل من البلدين المقاومين، وما جعلها تصرّ على المضي قُدُما، في مشاركة الكيان الصهيوني في اعتداءاته المتواصلة على الشعب الفلسطيني ومقاومته في الداخل، وعلى سوريا والعراق، مخطّط رتّبوا مراحله من وعد بلفور وتأسيس هذا الكيان المجرم إلى اليوم، هدفه السيطرة على منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي، فما يهمّهم هناك الموارد المنطقة الطبيعية المخزونة في باطن الأرض وفي البحر، كالنفط والغاز وغيره، وقد غُرِس الكيان الصهيوني لأجل السيطرة على تلك الموارد، وفي نفس الوقت، تمزيق الأمّة الإسلامية إلى قسمين غربي وشرقي، ومنع أي شكل من أشكال الوحدة بين دولها.

وكما فعلت أمريكا، فإنّ دولا غربية أخرى وضعت أنفسها في مجازفة دلّت على مغامرة أو بالأحرى مقامرة، رضيت بأن ينالها في النهاية نفس المصير الذي ينتظر كل ظالم، شخصا كان أم نظاما، ذلك التحالف الذي شجع الكيان الصهيوني على القيام بعربدته العسكرية، شانّا هجمات صاروخية في أزمنة وأماكن متعددة، من سوريا ولبنان، لم تتردد أمريكا من مشاركته العدوانية، على ضرب مواقع تابعة للمقاومة الإسلامية، زيادة على العراق، وقد تبيّن أنّها نشأت من منطلق استراتيجية مبدئية غربيّة متكاملة، تعملُ على تهيئة لشرق أوسط جديد، تحكمه أنظمة الدياثة والشذوذ الموالي لأمريكا والغرب، بتفكير وتخطيط صهيوني حاقد على المسلمين.

بإخضاع البلدان الثلاثة ( العراق/ سوريا / لبنان) لمشيئة صناع الإستكبار العالمي، سيكون بالإمكان السيطرة على ثروات المنطقة، وهو مشروع غربي قديم متجدّد في صيغه وأشكاله، وتاريخ الدول الغربية الإستعماري في استعباد واستغلال الشعوب الضعيفة، لم يخفَ على أحد من شعوب العالم المستهدفة، دخول أمريكا ودول الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط في زماننا، بعنوان محاربة الإرهاب – وهم واقعا من صنعوه ومهدوا له طريق غزو سوريا والعراق ولبنان- كان مبرّرا غير مقنع لمن تابع أحداث المنطقة منذ سقوط طاغية العراق صدّام، وفزاعة الإرهاب التي أطلقوا دابّتها ثم لم ينجحوا فيها، هي اليوم في اشد حالات ضعفها، وضاقت عليها الأرض بما رحبت، فلم يعد لها وجود سوى في المناطق التي هي تحت سيطرة القوات الأمريكية، المتواجدة في سوريا والعراق، تعيش تحت حمايتها الجوية، وتقوم من حين لآخر بأعمال إرهابية، وتعود لتختفي بين أكناف الأمريكيين.

أمريكا لا تكتفي بتواجدها الغير مشروع، المزعزع لاستقرار وأمن المنطقة، فتقوم بأعمال هجومية عدوانية على نقاط عسكرية، من أجل إضعاف وافشال مشروع المقاومة الذي أسسته إيران، تقدّمها في شكل مساعدة ميدانية للكيان الغاصب، يبدو أن كل قصف يقع من هاذين النظامين المجرمين، يكون مسبوقا بإحداثيات يتلقونها من عملاء لهما في البلدان المستهدفة، وهذا التعاون التجسّسي الخطير، من شأنه أن يولَى أهمية قصوى، من أجل كشف عناصره المتآمرة على أوطانها، وتفكيكها وتحييدها عن دورها الخبيث، بالكشف والإعتقال والتصفية، وبالتالي القطع بين تلك العناصر الهدامة المنافقة، ومشغّليها من أجهزة الإستخبارات في دول الغرب المعادية، فإن أخطر ما ابتليت به شعوبنا العمالة لأمريكا ودول الغرب والكيان الصهيوني، والذي لا يزال ماضيا على قدم وساق، تحت عناوين مختلفة من تطبيع وتعاون أمني وعسكري، كما تتباهي به تركيا والإمارات والبحرين خصوصا، ولا تبدو السعودية بمعزل عن ذلك السقوط الديني والإنساني.

لقد وعد الله المجاهدين في سبيله بإحدى الحسنيين ( النصر أو الشهادة)، وأكرم بهما من نتيجة عمل يراد به وجهه الكريم، وإن اعتقد أعداؤنا من مشركين ومنافقين أنهم صنعوا خيرا، فقد اخطأوا وخابت مساعيهم، قال تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين)(1) المنطقة غدا ستكون افضل من دون أمريكا والكيان الصهيوني، قناعة إيران بسياساتها المتواصلة على نهج مقاومة الإستكبار والصهيونية، شعوب المنطقة الحاضنة للمقاومة سوف تصل في النهاية إلى هدفها المنشود في طرد هاذين الوباءين الخطيرين على جميع دولنا، وإن كان أغلبها لم يصل بعد إلى درجة الوعي الذي يؤهلها التمييز بين العدوّ والصديق، ومن بقية على التطبيع فهو بالتأكيد إمّا صهيوني له عرق متّصل بالعقيدة الصهيونية، أو عميل لا خير فيه أبدا.

المراجع

1 – سورة آل عمران الآية 178

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023