بيلاروس وبصمات ثورة ملونة أمريكية الصنع…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

بيلاروس وبصمات ثورة ملونة أمريكية الصنع…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

ما يحصل في جمهورية بيلاروس يحمل بصمات ثورة ملونة” على الطراز الامريكي الذي رأينا ارهاصاتها في أوكرانيا وجورجيا وروسيا وليبيا وسوريا وغيرها ولو بإختلافات بسيطة في الشكل والمظهر الذي تتخذه فقط مع الابقاء على الجوهر الا وهو تغيير النظام.

وعادة ما تبدأ الثورات الملونة بعد انتخابات يشكك في نتائجها من قبل الطرف الخاسر أو نتيجة تردي الاوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية لقطاعات كبيرة من شعب تلك البلد نتيجة حصار إقتصادي خانق وعقوبات جائرة من قبل الولايات المتحدة على وجه التحديد وبالتعاون مع الاوليغاركية المحلية وتحريك الشارع عن طريق المنظمات الغير حكومية والتي في غالبيتها المطلقة تتسلم معونات مالية من قبل الوكالة الامريكية للتنميةالدولية أوصندوق الولايات المتحدة الوطني لنشر الديمقراطية هذه المنظمات التي غزت العديد من الدول لغرضين اساسيين اولهما هو الاستعانة بهم عند الحاجة للبدء بتنفيذ الثورات الملونة. وتقوم الولايات المتحدة بإرسال خبراء أمنيين من المخابرات المركزية في كثير من الاحيان تحت غطاء الجهات المانحة الامريكية لتدريب كوادر قيادية لهذه المنظمات. والى جانب هذا الغرض تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه المنظمات محاولة تغيير البنى الثقافية والقيم الاجتماعية على النمط الغربي وتبني هذه القيم التي في غالبيتها تصطدم بشكل مباشر مع القيم الثقافية والمجتمعية لتلك البلد. وللحصول على المعونات الامريكية تضع الجهات المانحة الامريكية شروطا مسبقة للذين يريدون أن يعملوا في هذه المنظمات الغير حكومية بعضها سياسي وبعضها مرتبط بالقيم المجتمعية. وعلى سبيل المثال لا الحصر وكما صرح أحد الافراد العاملين في إدارة ترامب أن على الادارة عدم تقديم معونات للدول التي لا تعترف بحق المثليين وغالبا ما يمضي الافراد العاملين في المنظمات الغير حكومية نبذهم للعنف والإرهاب كما هو حاصل في فلسطين المحتلة والعنف في هذه الحالة هو مقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

والحال في بيلاروس يشبه الحالة الأوكرانية الى حد كبير. ففي الانتخابات التي أجريت في 10 اوغسطس الحالي فاز لوكاشينكو الذي حكم البلاد لمدة 26 عاما بالإنتخابات مرة أخرى بنسبة 80% كما اوردت المصادر الرسمية الحكومية. ولقد قامت المعارضة تيكهانوفيسكايا (المدعومة من قبل الولايات المتحدة) بالتشكيك في نتائج الانتخابات واتهمت الرئيس وأجهزته بتزوير النتائج ودعت مناصريها الى التظاهر للضغط على لوكاشينكو لمغادرة منصب الرئاسة. وبحسب هذه المعارضة تدعي انها هي الفائزة متعمدة على الاستطلاعات التي أجريت عند ابواب مراكز الاقتراع. وبينما من المؤكد ان نسبة 80% عالية نسبيا في اية انتخابات الا أنه على أغلب الظن قد يكون هذا مؤشرا ان لوكاشينكو هو الفائز لكرسي الرئاسة. وربما من المفيد الاشارة هنا الى ان الصندوق الامريكي لنشر الديمقراطية قد قام بتمويل 34 مشروعا ومنظمة غير حكومية في بيلاروسيا خلال العام الماضي.

ومع تزايد المظاهرات هنا وهناك في البلاد وإشاعة الفوضى التي كان يعول عليها للضغط على الرئيس لوكاشينكو  للتنحي عن الرئاسة وجه لوكاشينكو طلبا الى المعارضة التي خسرت في الانتخابات الرئاسية بمغادرة البلاد وقد التجأت الى ليثوانيا البلد المجاورة على ان تقوم بقيادة “الثورة الملونة” من هنالك. والذي يبدو ان الاوضاع الداخلية مرشحة للتصاعد مع إصرار المعارضة على تنحي لوكاشينو وقد تجمع عشرات الالاف من المتظاهرين في ميدان الاستقلال في مينسك العاصمة وفي المقابل قام لوكاشينكو بدعوة مناصريه للتجمع والقى خطابا بهم يحثهم على حماية بلدهم. وهنالك دعوات لاجراء إضراب عام لشل حركة البلاد كوسيلة ضغط كبرى على رئاسة لوكاشينكو. وكالمعتاد تنضم كل وسائل الاعلام الغربية الاصطفاف الى جانب “المرشح” الاكثر قربا من الولايات المتحدة كما ويقوم الاتحاد الاوروبي بالانضمام الى الجوقة للضغط على الحكومة والرئاسة بالاستقالة والتلويح بالعقوبات. وضمن هذا المشروع إعدت قائمة مسبقة بأسماء من سيقع عليهم عقوبات إذا لم تتحقق مطالب المعارضة وكما قامت تيكهانوفيسكايا بتنصيب نفسها رئيسة للبلاد وكونت ما يمكن تسميته “بالمجلس التنسيقي” وطالبت الدول بمساعدتها وأطلقت الوعود الى انها ستقوم بإجراء انتخابات عامة إذا ما عادت الى البلاد. ولا يسعنا الا ان نقارن هذه المشاهد وتنصيب نفسها رئيسة للبلاد على غرار المعارض غوايدو في فنزويلا الذي تعاملت معه الولايات المتحدة والدول الاوروبية على انه هو رئيس فنزويلا وأغدقت عليه الاموال التي قدم الكثير منها لشراء بعض عناصر الجيش الفنزولي للقيام بإنقلاب على السلطة الشرعية  في يناير من العام الماضي والذي تم إفشاله.

وضمن هذا الواقع الخطير والتكالب الغربي ضد لوكاشينكو وهو الذي تهرب كثيرا من استحقاقات توقيع الاتفاقية مع روسيا عام 1997 وهي معاهدة الاتحاد بين بيلاروس وروسيا والتي تضمنت في بنودها التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني الى ما في ذلك الدفاع في حالة تعرض اي من الدولتين الى إعتداءات تهدد امنها, لم يكن بوسع لوكاشينكو الا اللجوء الى روسيا ورئيسها بوتين على وجه التحديد لإعادة الحياة وتفعيل هذه المعاهدة وخاصة وأن بوتين بعد كل هذه الفترة من تحايل لوكاشينكو وتهربه قام بوقف تصدير البترول الخام وبأسعار تفضيلية الى بيلاروس التي كانت تقوم بتكريره وتصديره وبيعه في الاسواق العالمية وتحقق الارباح من وراء ذلك. وكان ان قام لوكاشينكو الذي اراد ان يتقرب من الغرب بإعادة فتح سفارة امريكية في بلاده عام 2019 غير مدرك بأن كل سفارة امريكية تستخدم كقاعدة لثورة ملونة في البلد المعني.

ومن الحديث الذي دار بين بوتين ولوكاشينكو يبدو ان الامور ستتجه في التصدي للثورة الملونة وأن الحظ في بيلاروس سيكون أوفر من أوكرانيا التي نجحت فيها السفارة الامريكية ورجال المخابرات المركزية في الثورة الملونة عام 2015. الولايات المتحدة تسعى الى تغيرر النظام في بيلاروس والاطاحة برئيسها المنتخب كجزء من صراعها مع روسيا وضمن مخططاتها الى محاصرة روسيا بإقامة معاهدات عسكرية مع الدول المجاورة ووضع بساطير الناتو كما هو حاصل في بولندا ودول بحر البلطيق. ونظرة الى الخارطة السياسية يتبين الموقع الاستراتيجي لبيلاروس فهي لها حدود مشتركة مع روسيا وأوكرانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا. ومن الواضح ان نجاح الثورة الملونة في بيلاروس المدعومة من الولايات المتحدة سيكون له تأثير سلبي على الامن القومي الروسي ومن هنا فإن موسكو ستبذل قصارى جهدها لافشالها.

* كاتب وباحث فلسطيني

 

 

.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023