تونس : الإستفتاء الشعبي.. الخيار الحاسم !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تونس : الإستفتاء الشعبي.. الخيار الحاسم !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

بعد أن أثبتت العملية السياسية فشلها الذريع في تونس وبعد مرور عشر سنوات كان لزاما علينا البحث في جوهر القضية وأنّ الحل يكمن في وضع معالجات جوهرية وليست حلول ترقيعية او آنية، و أنّ الحل لمشاكل تونس الراهنة يكمن بتغيير العملية السياسية برُمّتها وفي النظام الذي يحكم هذه العملية مع الإقرار بأنّ الأزمة التونسية أزمة هيكلية وليست ظرفية، بمعنى أن النظام السياسي الهجين هو أصل الأزمة، وتخطيها لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة جذرية للنظام السياسي نفسه، وقد أظهرت التجربة عجز النظام البرلماني (المعدّل) عن الخروج بالبلاد من الأزمات المتتالية، و تتوافق أغلب القوى السياسية، فيما عدا حركة النهضة وحلفاؤها على فشل النظام السياسي القائم المنبثق عن دستور 2014.. لذا علينا أولا أن القيام بتغيير الأسس الخاطئة بدءا من تغيير الدستور بشكل جذري واصدار قانون جديد للانتخابات، وقانون للاحزاب، وعدم ترك تونس لتكون دولة فاشلة أصبحت غنيمة للأحزاب الفاشلة والكتل السياسية. إنّ التغيير السليم يتطلب فعلا وضع دستور جديد، وهذا يعني اعادة النظر بكل محتوياته، فذلك ليس مستحيلا لأن تونس تملك الكثير من الكفاءات ورجال القانون الأكفاء والعلماء والمفكرين الذين يستطيعون وضع دستور واضح المعالم للجمهورية الجديدة، واقامة توازن حقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع إيجاد ضوابط لهذا التوازن.. و بالتالي إنّ المشكلة في تونس دستورية بالأساس ، نتيجة لدستور سنة 2014، الذي ثبت أنه لم يعد صالحًا ولا يمكن أن يتواصل العمل به، و الذهاب نحو استفتاء يعود فيه القرار للشعب صاحب السيادة الأصلية.. و إنّ المطالبة بالإستفتاء لم تكن حاضرة على لسان سياسيين فحسب، فقد أصبح الشعار الأبرز للمواطنين خلال المسيرات الاحتجاجية التي عرفتها تونس مؤخراً يتمثل بالمطالبة بإستفتاء وإرجاع السلطة إلى الشعب لتحديد مصيره، وهو مطلب يعدّ شرعياً في بلد أنجز ثورة أطاحت بنظام حكم دكتاتوري، ولكن تغييره دستورياً هل يمكن تحقيقه؟

ظلت الأزمة السياسية في تونس تتصاعد منذ عشر سنوات من دون حلّ، ويرجع ذلك في جزء منه إلى الدستور، الذي أقرّ في العام 2014 نظاماً تتشابك فيه صلاحيات المؤسسات الدستورية، وانتهى الأمر إلى الصراع بين مؤسسات الدولة وأمام حالة الجمود دعا الرئيس قيس سعيّد في أكثر من مرة إلى التوجه نحو تغيير النظام السياسي القائم، فيما تخشى حركة النهضة وحلفاؤها خسارة الامتيازات الانتخابية التي حققها لها نظام تقاسم السلطات ونظام الاقتراع الحالي.. قانون الانتخابات في تونس ونظام الحُكم الهجين الذّي يتم فيه تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الحكومة والرئيس، يشتغل كعائق لتقدم التجربة الديمقراطية إذ يعمل النظام الانتخابي على منع استفراد أي حزب بأغلبية حكم ويؤدي دوما عبر قانون أكبر البقايا إلى برلمان مفتت لا جامع بين مكوناته سوى التعطيل المتبادل، حيث فشلت في الاندماج وفي تشكيل منظومة حاكمة فاعلة، كما لم تسمح السياسة التوافقية للحزب الفائز بالانتخابات أن يحكُم بمُفرده بل فرض عليه الدخول في سياسة توافقية حتّى يستطيع تشكيل حكومات محاصصة ، و أصبحت أليات الديمقراطية التوافقية تمثل عقبة أمام التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلاد..وتحت شعار التوافقية، تخلت الدولة عن قضايا ضرورية، مثل العدالة الانتقالية، ولم يتسنى لها اتخاذ إجراءات جريئة بشأن الاقتصاد أو تشكيل المحكمة الدستورية، أدّت أيضا تلك السياسة التوافقية إلى تطبيق نظام المُحاصصة الحزبية وملء المناصب بمسؤولين تنقصهم الكفاءة اللاّزمة والوعي السياسي المطلوب، ويفتقرون إلى التجربة في إدارة شؤون البلاد، وقد فتح الباب على مصراعيه لتفشّي الفساد والمحسوبية،

إنّ إنقاذ البلاد يمر حتما بفرض مراجعات عميقة للنظام السياسي ولمنظومة الانتخابات بالرجوع إلى الشعب التونسي، الصاحب الأصلي للسيادة عبر آلية للاستفتاء الشعبي وبالتعبئة العامة لكل القوى الوطنية الرافضة لانهيار الدولة والمتمسكة بالانتقال الديمقراطي و مسار الـــــ 25 جويلية .. الإستفتاء هو الخيار الحاسم بعد المرحلة الحاسمة في 25 جويلية وما قبلها من اجل إحداث تغيير جذري وبناء أنظمة ديمقراطية حقيقية بمشروع شعبي متكامل لتونس جديدة، إذا أردنا فعلا التغيير..إنّ الاستفتاء هو آلية نصّ عليها دستور عام 1959 وكذلك دستور 2014، وهي آلية يمكن اعتمادها للعودة إلى صاحب السلطة الفعلية وهو الشعب التونسي، وتعد الآلية الأكثر قرباً للناس بإعتبارها الديمقراطية الفعلية.. الإستفتاء الشعبي إذا وقع سيكون تحولا سياسيا استراتيجيا غير مسبوق في تاريخ تونس من ناحية التعبير عن الديمقراطية السيادية الشعبية وتنفيذ أطوارها السيادية اللاحقة واهمها الطور الديمقراطي التنموي الوطني ولا يتم ذلك إلا بهذا القرار وهو اولا واخيرا رهن قرار الجماهير الشعبية،وفي الجهة المقابلة هناك من يريد تحويل هذه الفرصة إلى ازمة ومأزق وغلقها في وجه الشعب بل في وجه الوطن على اعتبار ان كل الناس يعلمون حقيقة هذه الفئات وانها لا يمكن ابدا ان تأتي بحلول لاحقة اذا تم التفويت والتفريط في فرصة الاستثناء و الإستفتاء… في الخامس و العشرين من جويلية 2021 كُسِر إحتكار السيادة وقرر الشعب أنه سيّد نفسه وان لا سيّد عليه الاّ هو، لقد تحررت الإرادة الشعبيّة من سطوة قوم احتكروا السلطة، ونسبوا لأنفسهم السيادة و السلطة و التعامل مع الدولة بمنطق الغنيمة و لا شيء غير الغنيمة..،الاستفتاء سيكون بمثابة تتويج فعلي للجهود التي بذلها التونسيون لإقرار حريتهم وتقرير مصيرهم لمستقبل أفضل يحمل خريطة إصلاحية حقيقية للحياة السياسية والاجتماعية.. و بمثابة رد شعبي قوي على التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية التونسية ، و أنّ الشعب التونسي صاحب القرار ومصدر السلطات والشرعيّة و سيقرر مصيره بنفسه من خلال الاستفتاء ، و لابد أن يبرز للعالم كله قوة الوحدة الوطنية التونسية وتمسك الشعب بحرية الوطن وحرية المواطن والتزامه بثوابته الوطنية والديمقراطية، إنّ نجاح الاستفتاء يعني أن الشعب التونسي يريد تجديد وتطوير الدولة الوطنية التونسية ، ونقل السلطة من خدمة طبقة نخبوية إلى خدمة الشعب كله، إنّ الدعوة الى الإستفتاء الشعبي على النظام السياسي و تبنّي (نظام رئاسي) لا يعني ابدا الغاء وجود (البرلمان) ودوره في الحياة السياسية، فالبرلمان مؤسسة قائمة في جميع الانظمة السياسية في العالم حتى في اكثرها استبدادية وتسلطا، كونه المعبر عن الارادة الشعبية والممثل لإرادة الشعب..بل على العكس هو قد يمثّل حلا لإعادة الاعتبار في الفصل بين السلطات، بعد أن أثبتت تجربة العشر سنوات من انحراف النموذج السياسي عن تطبيقات النظم البرلمانية ( برلماني معدّل) ، فالجميع بالسلطة والجميع في المعارضة ، والتوجه نحو تطبيق النظام الرئاسي سيسهم بإعادة التوازن المفقود بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكونهما يعيدان الاعتبار للإرادة الشعبية في التمثيل السياسي.. إنّ الأزمات المتتالية والتحديات تؤكد حجم وحقيقة الخلل البنيوي في النظام السياسي الحالي وطريقة الحكم، وأن المسؤولية التاريخية والوطنية تقتضي العمل الجاد على إنهاء دوامة الأزمات التي تعصف بالبلاد، و يستوجب ذلك الإقرار بأنّ منظومة الحكم التي تأسست بعد عام 2014 تعرضت إلى تصدع كبير و فشلت في إدارة الشأن العام ، ولا يُمكنها أن تخدم المواطن الذي بات محروماً من أهم حقوقه المشروعة، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة، و من غير الممكن أن يتحمل المواطن التونسي ضريبة الصراعات والإخفاقات السياسيّة والفساد إلى حد التلاعب بقوته اليومي.. أرى أنّ أولى خطوات الحل تبدأ بتغيير شكل نظام الحكم، فالجميع يعترف بأن النظام البرلماني المعدّل لا يمكنه إنتاج طبقة سياسية تفكر خارج إطار العُرف السياسي القائم على أساس المحاصصة والتطبيق المشوَّه لنموذج الديمقراطية التوافقية..، ولا يمكن إنهاء هذه الفجوة السياسيّة إلاّ بتغيير شكل نظام الحكم من البرلماني المعدّل إلى الرئاسي.. و إنّ أحد أهم مداخل اصلاح النظام واستقراره هو الإقدام على تعديل الدستور، بما يوضّح صلاحيات كل سلطة، وحقوق المواطنين وحرياتهم وعيشهم الكريم.. و إنّ القوى السياسية الرافضة للإستفتاء على النظام السياسي تريد الإبقاء على منظومة سياسية تدار بمنطق المحاصصة الذي لا يمكنه إلا أن يعيد تدوير ثنائية الفشل والفساد، ومن جانب آخر، لا تفكر بحلول عَمَليّة قادرة على تجاوز حالة الانسداد، وبدلا من ذلك تُسخّر كل ماكيناتها الإعلامية التي تسعى لإفشال الإستفتاء على النظام السياسي ، وبالتأكيد هم يتحدثون هنا عن نظامهم الذي أسسوه لمصالحهم ، وليس النظام السياسي المُرتبط بإدارة مصالح المجتمع.. والمفارقة، أن هذه الطبقة السياسية تريد من الشعب أن يرفض أيَّ محاولة لتغيير النظام، وتتجاهل تماما، أن التونسيين باتوا لا يستحضرون أيَّ أمل إلاّ بتغيير النظام السياسي الهجين الذي أسسته صفقات وتوافقات بين زعماء سياسيين تهيمن على مخيلتهم عقلية الغنيمة والبحث عن ضمانات لبقاء هيمنهم وسطوتهم على العملية السياسية و بتغيير الطبقة السياسية التي كانت تتقاسم الحكم وتصادر الدولة، ومن ثم تكون جميع الاحتمالات للإصلاح و للتغيير مُرحَّبٌ بها..

تبدو الحاجة إلى وحدة القوى الداعمة لمسار 25 جويلية في الوقت الراهن أكثر إلحاحاً وضرورة عاجلة ينبغي الوصول إليها ، وهو ما يتطلب استعجال تشكيل تحالف أو جبهة سياسية شعبية جديدة تضم كل القوى والتيارات و المنظمات الرافضة لعودة منظومة الفساد والداعمة لخط المسار التصحيحي .. أرى ضرورة قصوى لتأسيس جبهة شعبية_سياسية لا تقوم على أساس إيديولوجي ولا فئوي ولا حزبي وإنّما على أساس أهداف وطنية، وإطلاق حوار وطني مع المكونات الداعمة لمسار 25 جويلية لتوفير شروط نجاحه و نجاح إستحقاقات المرحلة القادمة و التأسيس “للجمهورية الجديدة “.. وتجاوز كل الخلافات و خلق قوة سياسية كبرى من أجل الهدف الموحد المتمثل في محاسبة الفاسدين و مواجهة قوى الردّة و رعاتهم في الخارج الذين يضغطون اليوم من أجل الإفلات من المحاسبة و الإلتفاف على مسار الـــــ 25 جويلية و إفشاله بأي شكل و بأي طريقة و حتى لو على حساب خيانة الوطن و الشعب التونسي..ولا شك في أن هدف توحيد صفوف مختلف القوى والمكونات السياسية التي تساند مسار 25 جويلية ، لا يُقصد منها دمجها في هيكل تنظيمي واحد، بل تجميع القوى تحت مظلة واحدة، والتنسيق في المواقف والتوافق في الآراء، لرسم ملامح المرحلة الانتقالية، بغية الوصول إلى تونس الجديدة، الديمقراطية الحقيقية ، والأهم هو توحيد الجهود للخروج بمواقف سياسية موحدة، ترقى إلى مستوى التغيير الديموقراطي ، وتساعد على وقف نزيف العبث المستمر ، ويمكن لموازين القوى الجديدة أن تعطي دفعة قوية لحراك الناس، من خلال تنفيذ الاتفاق على رؤية استراتيجية للمرحلة الانتقالية في تونس ، وطمأنة التونسيين ، والإجابة على مخاوفهم وهواجسهم من المستقبل ، و التوصّل إلى توافق على تحديد مواصفات النظام السياسي، والاتفاق على دستور جديد، يقطع مع دستور عهود الاستبداد، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ، وصولاً إلى تحقيق مشروع بناء دولة كل التونسيين تكون السيادة فيها للشعب.. و بالتالي لابدّ من تجميع مختلف القوى والمكونات السياسية التي تساند مسار 25 جويلية ، لأنّ “الإنفراد و الحياد” سيقودانا حتماً إلى “الإرتداد” !! ..

آن الأوان والفرصة متاحة ليقرر الشّعب التونسي مصيره بنفسه من خلال استفتاء شعبي لبناء أنظمة ديمقراطية بمشروع شعبي يرتكز على سيادة الشّعب نحو جمهورية جديدة..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023