تونس…الانقلاب الاقتصادي المطلوب؟…بقلم محسن النابتي القيادي بالتيار الشعبي

تونس…الانقلاب الاقتصادي المطلوب؟…بقلم محسن النابتي القيادي بالتيار الشعبي

 

من الأولويات الوطنية لأي حركة تصحيحية أو ثورية أو حركة انقاذ هو احداث تغيير جذري على مستوى الخيار الاقتصادي أو بالأحرى تنفيذ انقلابا شاملا على المنظومة الاقتصادية التي تحكم قبضتها على البلاد والتي تسببت في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وفي اغراق البلاد في المديونية والعجز المالي،والتي دمرت المؤسسات الإنتاجية في الصناعة والقطاعات الحرفية، وفككت الإنتاج الريفي الفلاحي.

النهج النيوليبرالي الذي فرض تخلي الدولة عن دورها التنموي وأفقدها سيادتها الاقتصادية مطلوب الانقلاب عليه فورا وذلك بعودة الدولة للعب دورها المركزي في عملية التنمية وتوجيهها لتحقيق الأهداف الوطنية لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار فهذا الأمر لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة،فالتخطيط المركزي هو الآلية الأكثر نجاعة التي تمكن من استخدام جميع الموارد الوطنية المادية والطبيعية والبشرية بطريقة علمية لحماية الدولة والشعب على السواء.

ولن يتم إعادة النظر في الأولويات الوطنية وذلك بالاهتمام بتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب في مجالات الصحة والتعليم والنقل وتوفير فرص العمل وتحقيق الأمن الغذائي إلا بعودة الدولة بخطة مركزية للإنقاذ والبناء الاقتصادي من خلال رؤية متكاملة تقوم على:

 

1.حسن استغلال التعبئة الشعبية حول اجراءات 25 جويلية وإدامة الزخم الشعبي حولها بخطاب سياسي علمي ومتوازن يستلهم الذات الوطنية ويحشد الطاقات والإمكانيات القائمة والمحتملة،وبنضال جاد ومتواصل يضع حدا لسيطرة النخبة العميلة التي عملت في الماضي وتعمل الآن على اقناع الشعب بأن النموذج الاقتصادي التابع هو النموذج الوحيد الممكن،وهو ما يتطلب جرأة في مواجهة المصالح والقوى الداخلية الضالعة مع القوى الخارجية في تحالف شرس غرضه احباط كل محاولة لبناء مشروع تنموي وطني، وتبني موقف سياسي وطني نضالي ضد التبعية ليتحول التغيير الاقتصادي كما التغيير السياسي مطلبا شعبيا.

2.تشكيل مجلس خبراء لضبط استراتيجية تنموية تحت راية السيادة الوطنية،فالتخطيط العلمي هو الطريقة الوحيدة التي تضمن استخدام جميع الموارد الوطنية المادية والطبيعية والبشرية بطريقة علمية لتحقيق الرفاه والحياة الكريمة لعموم الشعب، فهو الضامن لحسن استغلال الثروات الموجودة والكامنة والمحتملة، كما يضمن توزيع الخدمات الأساسية باستمرار ورفع مستواها، وهو الذي يجيب عن المعادلة الصّعبة كيف يمكن الزيادة في الانتاج وفي نفس الوقت زيادة الاستهلاك مع استمرار التزايد في المدخرات من أجل الاستثمارات الجديدة وذلك عبر ايجاد تنظيم يأخذ بعين الاعتبار أن غاية الانتاج هي توسيع نطاق الخدمات وان الخدمات قوة دافعة لعملية الإنتاج.

 

3.عودة الدولة للتدخل في سياسة الأسعار والحوافز للإسراع في عملية التوسع في مجالات معينة مثل تصدير السلع الصناعية،والاكتفاء الذاتي في الإنتاج الفلاحي،والحد من استهلاك السلع الترفيهية…

 

4.الشروع الفوري في تعبئة الموارد المالية حيث يعتبر شح الموارد المالية قيدا خانقا على التنمية في تونس لا يمكن تجاوزه إلا بــ:

‌أ.السيطرة الكاملة على قطاع المال والبنوك،وإلغاء قانون استقلالية البنك المركزي، ومن هنا يتم التحكم الشامل في توجيه الاستثمارات حسب أولويات الخطة.

‌ب.تطوير الأداء الاقتصادي ورفع مستواه وإنتاجه ومن ثمة ترشيد استخدام الناتج الوطني،بحيث تزداد الموارد المالية المتاحة للادخار والاستهلاك،وترشيد استخدام الموارد وفي هذا السياق لبد من فرض الضرائب التصاعدية على الثروات الكبرى والحد من الإنفاق غير المنتج وإيقاف عملية الهدر في الإنفاق وعدم ترتيب الأولويات حتى نتمكن من توفير مزيد من الموارد.

‌ج.إجراءات حاسمة لمقاومة التهريب وإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم وإصلاح جبائي عميق يكرس العدالة الجبائية ويمنع التهرب الجبائي ويوفر الموارد المالية الضرورية لميزانية الدولة.

‌د.تعليق سداد الديون بقرار سيادي مثلما حصل مع ايسلندا في اعقاب أزمة 2008 التي نظمت استفتاءين تحت ضغط الشارع حيث رفض في الأول 90 % من الناخبين رفضهم تعويض المملكة المتحدة وهولندا ورفضت خطة التعويض الجديدة بثلثي الناخبين في الاستفتاء الثاني، وقامت الحكومة بعد ذلك بمنع هروب الرساميل، وكسبت ايسلندا الدعوة التي رفعتها المملكة المتحدة وهولندا أمام محكمة العدل التابعة لرابطة التجارة الحرة الاوروبية.

 

5. ضرورة العمل على استرجاع السوق الداخلية والاستفادة من موقع تونس الاستراتيجي،لأنه من التحديات التي تواجه بلادنا هي محدودية السوق الداخلية وهو حجم لا يسمح بقيام منشآت صناعية ضخمة لأغراض داخلية، فضلا على افتكاك السوق الداخلية من قبل المنتوجات الخارجية نتيجة التوريد العشوائي والتهريب.ولمواجهة هذا التحدي يتعين اتخاذ:

‌أ.سياسات حمائية لاسترجاع السوق الداخلية ،وتوجيه جزء من الإنتاج لتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين كغرض مركزي قبل استهداف انتاج سلع وخدمات كمالية أو ترفيهية.

‌ب.الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لبلادنا كنقطة قوة لتجاوز محدودية حجم السوق الداخلية.

‌ج.العمل على زيادة حجم الصادرات من خلال توسيع قاعدة الإنتاج وتحسين نوعيته ما يوفر مصادر مالية متزايدة ويمكن لقطاع التجارة أن يكون أحد أعمدة التنمية إذا اعتمدنا سياسات ملائمة لتنمية قطاع الفلاحة والصناعة والخدمات.

5.عرض كل الاتفاقيات الدولية الثنائية التي يمكن أن تعيق تنفيذ الخطة الوطنية للاستفتاء للتعديل، أو الإلغاء بما في ذلك عقود الطاقة إلى جانب تعليق العمل بكل القوانين التي لا تتلاءم والخطة الوطنية الجديدة.

6.تشريك الجيش الوطني في انجاز الخطة الاقتصادية وذلك عبر انجاز مشاريع البنية التحتية المبرمجة لتخفيض التكلفة ومدة الانجاز،وانجاز مشروعات فلاحية كبرى لمضاعفة الرقعة المزروعة خاصة في المنتوجات الأساسية حيث يتم التفويت فيها لاحقا للشباب العاطل عن العمل،كما يمكن الاستعانة به أيضا في مشروعات الإسكان لتخفيض التكلفة وتمكين العائلات محدودة الدخل والفقيرة من الحصول على مسكن لائق للتقليص خاصة من مخاطر الأزمة الاجتماعية،والعمل على ارساء صناعات عسكرية محلية تستثمر لاحقا في تطوير الصناعات المدنية مثل صناعة السفن والعربات …

7.بناء المؤسسات التنموية التي تساند الوحدات الإنتاجية في رفع الكفاءة الإدارية والفنية والتسويقية،وربط سياسة هذه المؤسسات بأهداف الخطة الوطنية العامة،وخلق علاقة مباشرة بين هذه المؤسسات و القطاع الإنتاجي المستفيد.

8.الرقابة والمتابعة المستمرة من قبل أجهزة الدولة على أعمال الشركات الكبرى لتفادي ظهور إي نشاط احتكاري معاد لشروط المنافسة المحلية والأساسية لنجاح النظام الاقتصادي.

9.تقليص حجم النفقات العمومية من خلال دمج عدد من الوزارات وتخفيض رواتب وامتيازات الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين،وتطبيق شعار الإدارة في خدمة القطاعات الإنتاجية والمجتمع وليس العكس.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023