تونس بين الفتنة السياسية واغتيال العقول: ملاحظات منهجية حول بعض المغالطات في “تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة”

د.مصباح الشيباني |
من أهم ما دعانا إليه الإسلام الابتعاد عن الزّيف والتّضليل والتّعتيم على الحق بقوله تعالى:” ولا تَلْبِسُوا الحقّ بالباطِل وتَكْتُموا الحقّ وأنتم تعْلمون”(سورة البقرة، الآية 41). ولكن منذ أن أصبح الحراك الاجتماعي والسياسي يوجهه منطق الغلبة والغنيمة وبتغطية من إعلام الفتنة، كثرت في تونس المنكرات والمجاهرة بها، وأصبح المجتمع أكثر عرضة للتأثر بها، والتلطخ بآثارها المدمّرة، خاصة بالنسبة إلى ذوي العقول الساذجة والنفوس الضعيفة، لأنّ العقول التافهة تبتلى وتتحلل قيمها وتفقد ثوابتها، فيعم الباطل في المجتمع ويكثر أعوانه. ومن الطبيعي أن تنبت التربة المخلوطة بالدم المسفوح والشرف المستباح مجتمعا مشوّها يجنح نحو التفكك بشكل غير مسبوق.
ومن أسباب هذه الأزمة أنّ التطلعات لدى بعض الأشخاص إلى الارتقاء مهنيا أو سياسيا إلى المناصب العليا في الدولة قد اكتسب عندهم أهمية أكبر من مصلحة الوطن ومصلحة الشعب. وقد بدأ بعضهم بطرق انتهازية ووقحة يستغلون مشاعر الخوف لدى بعض الفئات الاجتماعية من أجل تعزيز مصالحهم الذاتية والحزبية دون النظر إلى نتائجها التخريبية وتحويل أنظار الشعب عن مشاكله الحقيقية. وكان الهدف منها دائما خلق أعداء مزعومين يصب عليهم المتضررون “وهما” جام غضبهم، وهم يعرفون أنه ليس لهم علاقة بوضعهم البائس. فمثلا، بدلا من الاعتراف صراحة بأن سبب البطالة يعود إلى خلل في النظام الاقتصادي الليبرالي السائد والتبعية إلى الغرب وعدم الاستقلال عن فرنسا، يذيع دعاة هذه الفتنة أسبابا واهية لا علاقة لها بحقائق الأحوال، فيتحولون وجهة الاهتمام الشعبي باتجاه آخر غير اتجاه الأسباب الفعلية لهذه الحالة. ويصبح موضوع “المساواة في الارث” بقرار سياسي “علوي” هو السّبب في نكبتنا والقضية الأساسية و المستعجلة التي يتوقف عليها مستقبل تونس!
لقد وردت في التقرير المتعلق بـ”الحريات الفردية والمساواة” (1جوان 2018) عديد المغالطات الشكلية والجوهرية سوف نقف على بعضها:
أولا: في مستوى الشّكل:
1ـ الملاحظة الأولى تتعلق بتركيبة اللجنة التي أشرفت على إعداد هذا التقرير. فلما بحثنا في السّيرة الذاتية لأعضاء هذه اللجنة وجدناها تشكل “كوكتالا” لا علاقة لعدد من أعضائها بهذا التقرير لا من قريب ولا من بعيد. وهذا الكوكتال غير المتناسق من الناحية العلمية، يؤكد أن هذه اللجنة ليست إلا واجهة سياسية لتسويق برنامج الحكومة ولم يكن لها أي دور حقيقي في إعداد هذا التقرير. فما علاقة الفنانين مثلا بهذه التقارير؟ كيف يمكن تشريك بعض المحسوبين على الثقافة، وهم ليسوا إلا أبواق دعاية، دون غيرهم، أم أنّ ينابيع البلاد المعرفية قد جفت من الخبراء والمختصين في القانون والاجتماع والسياسية والثقافة والفقهاء في الدّين؟
2ـ على الرّغم من التباين في مواقف الناس والمهتمين حول هذا التقرير، فإنّه هناك شبه اجماع بينهم حول هدفه الرئيسي وهو تهميش الرأي العام وتغيير وجهة اهتماماته حتى لا يدرك حقيقة الوقائع وينسى أصل المشكلات وينسى أيضا ما حل بالمجتمع من نكبات منذ 2010( الفساد والتهميش والتبعية والإفلاس وغيرها). فاللعبة الدائرة في تونس اليوم، تحولت إلى مسرحيات تتألف من أحداث عنف مادي ورمزي ومن نماذج قيمية وممارسات سياسية مستحدثة غير متوقعة، وفي كل مرة يختفي اللاعبون الحقيقيون في كتمان واضح، ويحلّ محلهم نواب عن الدولة لا يمكن لأحد أن يحل طلامسها إلا إذا فكك الأسباب الحقيقية التي جمدت منطق الدولة وشوهته. فلم تعد المؤسسّات السياسية هي التي تحدّد تصرفات فاعليها، وإنّما أصبحت الالتزامات والتوافقات مع الكاذبة مع الداخل والخارج هي التي تحدّد وتبني حقل أفعالهم ومواقفهم حتى يتمكن القادة السياسيون من أن يستمروا بالتلاعب لمصلحتهم، ومن أجل ترويض مختلف القوى الهائجة وغير المتناسقة والمبعثرة في المجتمع. لهذا، ينبغي علينا أن نبحث في طبيعة هذه الوثيقة التي نرى أنها ارتقت إلى مستوى “الفتنة”، وستزيد الوضع تعقيدا ، ويصبح “الجميع يتحارب مع الجميع”.
3ـ نعتقد أنّ البيئة المجتمعية الداخلية في تونس أصبح يحكمها منطق “الغنيمة”؛ وهو المنطق الذي كان وسيبقى عامل تفكيك وخراب “للعمران البشري” (حسب التعبير الخلدوني). ولذلك، تعدّدت تحدياتها المصيرية نتيجة غياب الرؤى والسياسات الاستراتيجية، ونتيجة هيمنة منطق الصراع السياسي المفتوح بين الأحزاب، وفي ظل غياب أي إمكانية للاتفاق بينها حول أمهات القضايا أو حول طرق معالجتها. وطالما نسي هؤلاء السياسيون أن دورهم هو تمثيل الشعب والتعبير عن “إرادته”، فإنّ هذا الفراغ الاستراتيجي سوف يملأه المنطق غير العقلاني في إدارة البلاد، وهذا المنطق يتعارض بالضرورة مع مفهوم “المصلحة العامة” أو” الخير المشترك” ولن تكون هناك أي “رفعة” لمؤسّسات الدولة في عقول النّاس.
4ـ إن الاهتمام بحقوق الإنسان في العالم كان اهتماما سياسيا بالدرجة الأولى، باعتباره أن هذه المنظومة ظهرت على أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتأسّست عليها مسارات بناء النظام الليبرالي في أوروبا الغربية. وهذه الأيديولوجيا الليبرالية الاستعمارية تسعى دائما إلى تعبئة النَاس من أجل التستَر عن آلياتها الحقيقية في الهيمنة على مقدرات الشعوب وعلى اقتصاديات الدّول؛ وهي من أكثر الدول معاداة لحقوق الإنسان. فهيئة الأمم المتحدة التي أصدرت “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”(10 ديسمبر 1948) هي نفسها الهيئة التي اعترفت بدولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) في فلسطين المحتلة وفي نفس السنة!
5ـ إنّ معظلة المعظلات التي أصبحنا نعيش في صميمها، هي محاولة الحكومة تغيير القيم وتفكيك الثوابت الوطنية والدينية، فبات المجتمع مغتربا عن ذاته ومستباحا من الشرق والغرب. ولم نعد نملك نقاط ثبات نرتكز إليها، أو أرضا صلبة نقف عليها. لقد عمت نزعة التمركز حول الذات وتغلبت المصلحة الشخصية والحزبية على مصلحة الوطن ومستقبل شبابه. وفي ظل هذا الواقع افترست فيه كل المرجعيات التي يتشكل منها المجتمع والدولة. ولعل أكبر محنة يمر بها مجتمعنا هي الوهم من قبل المحللين السياسيين أنهم يملكون المعرفة الحقيقية عن واقعهم، وهم في حقيقتهم عمي لا يبصرون إلا بما أرادوا لهم وكلاؤهم أن يبصروه. فما يحدث من وقائع وما يسطر من سياسات على المستوى الوطني لا يمكن أن ننظر إليه على أنه حدث محلي هندسة وبرمجة وقيادة وأهدافا، بل إن هذه الأحداث المحلية تعبر عن معاني ثانوية لا يمكن معرفتها أو تفسيرها إلا على المستوى الإقليمي والدولي بدرجة أولى. فالاهتمام بالأسلوب هو الذي يساعدنا على الإمساك بالأحداث المصغرة والتحولات الخفية أو بالمعنى السوسيولوجي الإمساك بالفاعل المؤسسي الحقيقي الذي ينتج هذه الأحداث ويتحكم فيها.
ثانيا : على مستوى الجوهر
لقد تضمن هذا التقرير كثيرا من المغالطات والتضليل و”تسفيه” حقوق الإنسان ومعالجتها بطريقة غير سليمة، إذ طغى عليها منطق الفردنة ولغة التجريد والنظر إلى الرجل والمرأة نظرة بيولوجية بحتة.
1ـ أولى المغالطات المعرفية والفقهية التي وردت في هذا التقرير محاولة التأكيد على وجود توافق بين “الاعلان العالمي لحقوق الإنسان” وبين الدين الاسلامي، وهي مغالطة إما أنها مقصودة أو تعبّر عن جهل أعضاء هذه اللجنة التي أعدت هذا التقرير. كما أنه من الناحية المعرفية، هناك خلط بين الحريات والحقوق من ناحية، وبين الحريات والحقوق الفردية والجماعية من ناحية ثانية.
أهم ما ورد من مغالطات جاء تحت عنوان “السّبق التاريخي”: “لم يقتصر تأثير مجلة الأحوال الشخصية على مستوى العلاقات الأسرية فقط، وإنما كان لها نتائج في عمق بنية المجتمع وهيكلته. فأرست نموذجا جديدا للعائلة هي العائلة الذرية الضيقة، المتكونة من الأبوين والأبناء….ومعها أخذ الوهن والضعف مأخذهما في البنى القبلية حتى الاندثار تقريبا. وبالتوازي مع تراجع مكانة المجموعة صعد الفرد، واحتل مكانة جوهرية في المجتمع، فصار يبحث عن تدعيم حقوقه التي تحمي شخصيته، وبها تنمو وتتميز”.
نقول لأعضاء هذه اللجنة “النّبهاء”إنّ هذه التغيرات لم يكن سببها مثلما ذكر التقرير “مجلة الأحوال الشخصية” بل هي ناتجة عن تغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية وعلمية عامة وشاملة لجميع المجتمعات ولو بدرجات مختلفة التي عرفها العالم منذ منتصف القرن الثاني من القرن العشرين. وقمة المغالطات وعدم ضبط العلاقة بين مفردات هذا التقرير وأهدافه هو محاولة اقحام مفهوم “الفرد” دون موجب لذلك. والمبرر الوحيد هو نشر النزعة الفردية في المجتمع تماهيا مع أهداف الاستعمار الثقافي والاقتصادي وفرض منظوماته على مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
إنّ فهم الموقف الليبرالي من حقوق الانسان، فكرًا وممارسة، يتطلّب التعرف على مكونين أساسيين لهذا الاتجاه، أحدهما قيمي وأخلاقي، وثانيهما سياسي وسلوكي، من أجل تأسيس صورة جديدة للمجتمع. فقد انطلقت النظرية اليبرالية كما هو معلوم من مفهوم “الحق الطبيعي” باعتباره حق فردي وليس جماعي ضمن بنية المجتمع، وهو ما جعل منظومة الحقوق والحريات شكلية تفتقد إلى التفعيل العيني والحقيقي في الممارسة إلى اليوم. وهذه المنظومة تُعْلي من شأن مصلحة الفرد على حساب مصلحة المجموعة والمجتمع. لذلك، تحول الفكر الليبرالي حول “حقوق الإنسان” إلى أيديولوجيا للرأسمالية الغربية ترفض القيود القانونية على الإرادة الذاتية للأفراد ( الرأسماليون)، وشرعت من خلالها منطق “الغبلة بالقوة” وحماية المصالح الفردية على حساب مصلحة المجتمعات، وأصبح الظلم والجبروت عندئذ أمرا مبررا قانونا.
وبعد أن يعدّد التقرير الحقوق التي أصبحت تتمتع بها المرأة في تونس، يؤكد على ما يلي: “إنّها إذن لمدة طويلة من السّكوت التشريعي على مقاومة التمييز ضد المرأة”. من خلال هذه الجملة، ورد تناقض خطير بين ما ذكر في بداية هذا التقرير وما ورد في هذه الجملة. فالمرأة في تونس تتمتع بالحقوق والحريات من الناحية القانونية بأكثر مما تتمتع به المرأة في أغلب دول العالم، بل تفوق في بعض هذه الحقوق مجتمعات غربية سواء ضمن العائلة أو المجتمع. إذا، فالهدف الأساسي واضح وهو تفكيك منظومة القيم والعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع.
2ـ في ما يتعلق بالقسم الذي ورد تحت عنوان: مقدمة عامة: مقاربة اجتماعية ودينية
بدأ التقرير هذا العنوان بالقول :”يولد الإنسان حرا، هذه الحقيقة أكدها الإسلام بوضوح عندما رسّخ حرية المعتقد”من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.(لم يكلفوا أنفسهم الاحالة إلى السورة والآية). لكن سرعان ما تم تحجيم دور الإنسان الخليفة بعد الانتكاسة التي عرفها المجتمع الإسلامي الأول إذ تمت التضحية بالفرد لصالح الجماعة والأمة والخلافة كمنظومة قيم، وأصبحت حركة الفقه تنجح نحو التقليص من حجم حقوق الفرد مقابل تضخيم حقوق بقية الأطراف حتى كاد يغيب نهائيا في التجربة التاريخية الإسلامية. وهو ما يفسر تأخر العودة إلى الحقوق والحريات الفردية في تونس والعالم الإسلامي”….ويضيف” تعتبر حرية المعتقد مدخلا في غاية الأهمية وذلك في مجتمع عقائدي مثل المجتمع الإسلامي. وكان يفترض أن تترتب على ذلك حريات عديدة لا تقاس بحق الإنسان في أن يختار دينه”.
هناك تشويه مقصود بهدف عدم التمييز بين منظومة حقوق الإنسان عامة، والحقوق الفردية خاصة. فما هو الجديد في القول بأن الإنسان يولد حرا؟ هل بمجرد ذكر هذا المبدأ في هذا النص تتحقق حريات الإنسان؟ وما هي طبيعة العلاقة بين حرية المعتقد وحقوق الإنسان الأخرى؟ فما هي مبرّرات اقحام الآيات القرآنية في غير مواضعها ودون أي وجاهة علمية أو سياقية؟
فهذا التقرير باعتبار تقرير سياسي وقانوني، ليس إلا أحد الجرعات أو “المسكنات” والمغالطات السياسية التي أصبحت شائعة في تونس، وهو محاولة للتضليل وطمس أبعاد التغيير الحقيقي أمام الرأي العام. فالبناء الحقيقي للنظام العادل مازال غائبا باعتباره لم يلتزم بأي هدف من أهداف الحراك الذي عاشته تونس منذ 2010. والتغيير الحقيقي الذي انتظره الشعب ومازال إلى اليوم، هو التغيير الذي يؤمن للمواطن ـ رجلا وإمرأة ــ سياسة اقتصادية واجتماعية تفك أسره من قيود الفقر والبطالة والمرض والتهميش وغيرها. فالنظام الديمقراطي هو النظام الذي يتأسس على سياسات عادلة تفضي إلى تغيير الواقع المجتمعي نحو الأفضل.
أما الجديد في هذه المشاريع فلا يتعدى مستوى سياسات “الهيمنة اللينة” لتهيئة المناخات العامة التي تجعل قسما كبيرا من الشعب يقبلون طواعية بها، ويتم تنفيذها دون معرفة أبعادها المستقبلية. فهذا الشعب يستغلونه اقتصاديا ويقمعونه رمزيا ويفككونه ثقافيا، ويجاهدون للحيلولة دون تحرره كي لا ينفلت من قبضتهم عبر التضليل والحديث التجميلي، ومن أجل الحفاظ على شرعيتهم المفقودة. وهذه السياسات المفككة للأنساق الثقافية والقيمية التي ظلت ثابتة وعنصر قوة للمجتمع، فإن الهدف منها الفوضى وانفلات الأفراد من كل رقابة دينية وثقافية واجتماعية، وتوسيع مسارات التصادم والعداء بين المرأة والرجل، وبين الأخت والأخ وبين الآباء والأبناء، حتى ينفلت المجتمع كله من كل رقابة دينية وثقافية. فالنظام السّياسي في تونس يعمل على أن يعيد بناء المجتمع بما يتلاءم مع أهداف الإستعمار، وما فشل فيه على المستوى الشعبي العام، يسعى إلى أن يعوضه بالتحكم في المشهد السّياسي والتشريعي والقانوني في ظل الصمت والخمول الذي يعيشه المجتمع المدني. فبتنا نعيش في ظل واقع “الفساد والانحلال الأخلاقي” التي استشرت فيها كل أشكال الغيبوبة العقلية، وانتصرت فيها الأقنية السّياسية والإعلامية للنظام الحاكم.
إنّ منظومة حقوق الإنسان في الإسلام ذات خاصية جماعية، وجاءت لنفي العبثية والفوضى التي كانت مهيمنة على الوجود البشري. وبالتالي،دعا الإسلام إلى تأسيس منظومة حقوقية تعلي من قيمة الذات الإنسانية ( فردا أو جماعة) في إطار الحفاظ على وحدة الجماعة انطلاقا من العائلة وصولا إلى وحدة الإنسانية كلها. وأهم هدف من هذه المنظومة الحقوقية في الإسلام هي تكريم الإنسان وتحريره وتحقيق الخير والعدل في المجتمع. فكل حق أو حرية مقيدة بمدى احترامه لحفظ مصلحة الناس جميعا، وإذا لم يضمن هذا الحق العدل والرحمة يصبح مجلبا للمفسدة، لأن كل الحقوق تتعلق بحفظ مصالح الناس وتوفير حاجياتهم جميعا دون تمييز بينهم مهما كان شكل هذا التمييز(الجنس واللون والعرق والدين..)؛ فجوهر الإسلام هو تحرير الإنسان بالمعنى الواسع للكلمة.
أما حكومتنا “الحداثية”، وفي ظل الواقعية السياسية، فهي تدير شؤون الدولة والمجتمع عبر البواقي والهوامش نتيجة فشلها في القيام بأية إصلاحات وتغييرات وعدت بها الشّعب. هذه الحكومة التي ترعى الفساد وتحميه ـ بشكل معلن وخفي ــ تتجاهل أحكام القوانين المنظمة لشؤون المجتمع وتغلب مصالح أسيادها على مصالح الناس. وفي ظل عجزها على الاستجابة للحدود الدنيا في تغيير الواقع، وفقدانها القدرة على التحكّم في المسارات الاقتصادية والاجتماعية، أوكلت مهامها إلى الفاعلين الخارجيين، فاختارت طرق الاذعان والهيمنة الرمزية والمعنوية والخدعة عبر القوانين المسقطة. لقد تعلمنا شيئاً واحداً مهماً في حياتنا وهو ألاّ نصدِّق ما يقوله السّياسيون، وأنْ نحكم عليهم بحسب أفعالهم ونتائج أعمالهم وليس بحسب أقوالهم وشعاراتهم.
في الأخير، قد تكون هذه الفكرة في نظر البعض جيّدة ولكنها تحوّلت في بلادنا، في ظل سياسة التبعية والارتجال، إلى آلية للتخريب. كما إنّ قيمة الكلام عن المساواة في نظام ليبرالي فاسد هو بقيمة ذر الرّماد في العيون. فقضية المساواة يتم تدويرها ثقافيا واجتماعيا، ضمن منطقة رمادية تخدر الاحساس وتذهب العقل. هذه المنطقة الرمادية يسحق فيها المغفّلون والمخدّرون ولا تنتهي فيها قائمة الأخطار حتى تتحوّل إلى أداة لإسكات الشعب وتعفي رجال الدولة من أية مسؤولية أمامه. لقد بلغ الجميع حدا من الفساد والابتعاد عن الوضع الصحيح بلا قدرة على فعل شيئ سوى معاودة الأخطاء وتلقي اللّعنة من المقهورين والمظلومين رجالاً ونساءً على حد السّواء.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023