جذور الارهاب الصهيوني…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

جذور الارهاب الصهيوني…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الاجرام والتوغل في التوحش والممارسات الفاشية باستخدام القوة المفرطة من قبل العدو الصهيوني في التعامل مع الشعب الفلسطيني والتي ترقى وبحسب العديد من المنظمات الدولية والحقوقية التي تعنى بحقوق الانسان بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ليس بالامر الجديد على الممارسات التي تجد أصولها في البنية  الفكرية والعقائدية للصهونية.

والفكرة الاساسية  التي تتماهى مع هذه العقيدة فيما يخص الطرف الفلسطيني هي أن الكيان الصهيوني يستطيع بطريقة او بأخرى أن يقوم بالغاء الشعب الفلسطيني الى الحد او الدرجة التي يمكنه (اي الكيان) فعل اي شيء في جميع أنحاء فلسطين دون تقديم أية تنازلات ضرورية للسلام ودون دفع ثمن باهظ غير مقبول للدوائر الصهيونية في غياب ما يسمى بالسلام. والمتتبع للمنظرين الصهاينة يستطيع ان يجد ان هذه الفكرة والايدلوجية هي ما حاولت الحركة الصهيونية تطبيقها على الارض وحشدت لها كل الإمكانيات السياسية والدبلوماسية والإعلامية الى جانب القوة العسكرية بالطبع.

وهذه الفكرة تم طرحها بأوقات مختلفة وبأشكال مختلفة.  فعلى سبيل المثال نجد ان الصهاينة اللأوائل أدركوا ان مشروعهم الاستعماري الاستيطاني الاقصائي والاحلالي في فلسطين سيترتب عليه حتما صراعا داميا مع الشعب الفلسطيني صاحب الارض بحكم القانون الطبيعي أن اي شعب سيدافع عن ارضه ضد اي غازي أومستعمر. وهو ما اشار له بوضوح أحد منظري الصهاينة الأوائل وهو زئيف جابوتينسكي وهو صهيوني متطرف الى أبعد حد. وهو من أسس الجماعة اليهودية الارهابية المسماة جماعة إرغون التي كانت مسؤولة عن إرتكاب المجازر في العديد من المدن والقرى الفلسطينية وإثارة الرعب بين السكان الفلسطينيين كوسيلة لاجبارهم على ترك اراضيهم والنزوح من فلسطين في أكبر عملية تطهير عرقي في العصر الحديث. هذه الممارسات الفاشية لم تكن الا تطبيقا عمليا لما أسماه في كتاباته ب ” الجدار الحديدي” فقد كتب جابوتنسكي ” أي شعب أصلي سيقاتل المستوطنين طالما هناك شرارة أمل في التخلص من المستوطنيين الاجانب”. وبحسب رأيه يجب استخدام القوة المفرطة التي لا تلين لاطفاء تلك الشرارة وبالتالي القضاء على الامل في مواجهة “الجدار الحديدي” وعندها فقط لن يكون أمامهم اي خيار أو بديل سوى القبول بالاستيطان اليهودي في أرضهم.

 ومن خلال المجازر بحق الفلسطينيين العزل تمكنت كل من المنظمتين الارهابيتين الارغون الذي قاده اسحق شامير ومنظمة شتيرن وهي منظمة إنشقت على الارغون بعد موت مؤسسها والذي تسلم قيادتها مناحيم بيجن تمكنا من الاستيلاء وطرد سكان مئتي قرية فلسطينية بين عامي 47/48 .ومن أكثر المجازر التي ارتكبتها هذه المنظمتين الارهابيتين ذيوعا هي مجزرة دير ياسين ( 9 ابريل 1948) حيث قامت أفراد هذه العصابتين بمهاجمة سكان القرية وهم نيام وقاموا بقتل كل سكانها بدم بارد من شباب ونساء وأطفال وقاموا بتشنيع جثثهم وكان الغرض منها بث الرعب في سكان القرى المجاورة الذين تركوا قراهم خوفا من حدوث مجزرة شبيهة لهم وخاصة انهم كانوا عزل من السلاح. في دير ياسين قضي على القرية عن بكرة ابيها باستشهاد 254 وهم جميع سكانها. وأصبح قائدي المنظمتين الارهابيتين روؤساء وزراء في الكيان الصهيوني و مناحيم بيجن (1977-1983 ) وأسحق شامير (1992-1983 ).

ما إتبعه نتنياهو  ويتبعه هذا المجرم والجيش الصهيوني في غزة من القتل المتعمد للسكان الامنين بضرب الابنية والابراج ,السكنية بالصواريخ الارتجاجية التي تزودها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني والتي تؤدي الى إنهيار كامل لهذه الابنية وتسويتها بالارض ودفن سكانها تحت الانقاض لهو دلالة وشاهد على هذا الاجرام المتجذر في البنية الايدولوجية للفكر الصهيوني والذي يرقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية والتي تحاول وسائل الاعلام الصهيونية والغربية بوجه عام وخاصة الامريكية تصويرها على انها حربا ضد الارهاب في محاولة لتبرير هذا الاجرام والقول بأن “اسرائيل” لها الحق في الدفاع عن نفسها متناسين أن الشعب الذي يقاوم إنما يقاوم المستعمر والمحتل لاراضيه وهو الحق الذي كفلته كل الاعراف والمواثيق الدولية.

وهذا الاجرام لا يقتصر على المؤسسة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني بل يمتد ليشمل قطعان المستوطنين في الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 . هؤلاء يلجئون الى مهاجمة القرى الفلسطينية على غرار ما كان يحدث على يد الارغون وعصابة شتيرين الارهابيتين ويقومون بحرق المحاصيل الزراعية أو سرقتها للمزارعين الفلسطينيين بما فيها أشجار الزيتون. ويعمدون الى تفريغ المياه العادمة على القرى المحيطة بالمستوطنات اليهودية السرطانية في الضفة الغربية المحتلة ويقومون بإطلاق الخنازير البرية على المزارع الفلسطينية لتدمير المحاصيل الزراعية.

 كما يعمدون على إحراق بعض المنازل وأهلها نيام كما حصل في الحادثة المروعة لعائلة الدوابشة في قرية دوما في 30 يوليو من عام 2015 عندما قام مستوطنيين بالقاء زجاجات حارقة من إحدى نوافذ بيت العائلة وتم إحراق البيت بالكامل وقتل الاب والام وطفل رضيع حرقا ولم ينجو من الحريق الا ابن واحد قضى سنوات في عمليات جراحية نتيجة الحروق ولم يتم محاكمة المستوطنين اللذين قاموا بهذه العملية الاجرامية الا بعد خمسة سنوات.  وقبل هذه الحادثة المروعة 2 تموز من عام 2014 قام عدد من المستوطنين باختطاف الطفل محمد خضير من سكان حي شعفاط بالقدس وتم تعذيبه واحرق وهو على قيد الحياة وتم القاء جثته في أحراش دير ياسين. هذا الاجرام والوحشية تفوق ربما ما فعلته النازية باليهود وقتلهم بالغاز. وكل هذا يجد دعما وسندا ومنهلا فكريا في العقيدة والايدلوجية الصهيونية التي عبر عنها بكل وضوح وشفافية المنظر جابوتنسكي الذي أفرز إرهابيين مثل شامير ومناحيم بيجن ونتنياهو وغيرهم من الطبقة السياسية الموغلة في الاجرام ورجال دين حاخامات مثل ايال كريم الذي دعى الى إغتصاب العربيات وعوفاديا يوسف الذي اصدر فتاوي بقتل العرب وغيرهم. ولقد سمعنا الصيحات التي اطلقها المستوطنين في بابا العمود في القدس “الموت للعرب” ونفس الشعار أطلق في مدينة اللد وغيرها من المدن الفلسطينية في 48 .

عامل رئيسي يعول عليه الفكر والخطاب السياسي الصهيوني هو زرع الخوف عند الفلسطيني كوسيلة ليس فقط للقمع بل لترويعه ومحاولة لوأد مقاومته وخاصة الشعبية منها وهذا ظهر بوضوح كبير في تعامل وحدات الجيش الاسرائيلي مع الشباب المنتفض في الضفة الغربية ايام الانتفاضة الاولى (1987) التي سميت انتفاضة الحجارة حيث كان أفراد الجيش الاسرائيلي يضربون من يقبضوا عليهم ضربا مبرحا ومؤلما ويعمدون الى تشويههم جسديا. وما زالت صورة الطفل الفلسطيني الذي تجمع عليه بعض الجنود وقد امسك احدهم حجرا وقام بضرب ساعد الطفل عدة مرات لتحطيم عظم الساعد لكي يكون عبرة للذين يقذفون الجنود بالحجارة والتي تناقلتها العديد من وسائل الاعلام آنذاك شاهدا على هذا الاجرام. وآخر قاموا بكسر فكه وكسر اسنانه مما استدعى عدة عمليات له بعدها والقصص متعددة في هذا الصدد. هذا الاجرام والاستخدام المفرط للقوة أيضا يعود الى الفكر والعقيدة الصهيونية ومنها ينهل هؤلاء المتطرفين كما نهلت وتنهل داعش من الفكر الوهابي السعودي لتبرير كل ممارساتها الوحشية والهمجية في سوريا والعراق وغيرها من الدول العربية.

أما بالنسبة للاعلام الصهيوني فقد لعب دورا حائلا على المستوى العالمي لتسويق الخطاب السياسي الصهيوني لدولة الكيان الصهيوني بأن فلسطين هي ارض بلا شعب لشعب بلا أرض. وأذكر في مطلع الستينات من القرن الماضي عندما سؤلت رئيسة وزراء الكيان جولدا مائير في إحدى المقابلات الصحفية عن الفلسطينيين لم تخجل من قول “الفلسطينيين …من هم الفلسطينيين لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني”. إن عدم الاعتراف بالحقائق التاريخية وإنكار وجود شعب بأكمله أتاح للكيان الصهيوني بمصادرة الاراضي والبيوت السكنية للذين هجروا قصريا منها بعملية تطهير عرقي وديمغرافي (700 الف) قبل إقامة دولة الكيان الصهيوني.  وللتدليل على مدى تأثير هذا على العالم الغربي على مدى عقود من الزمن يكفي ان نشير الى ما قاله المرشح الجمهوري للرئاسة عام 2012 السيناتور جيمس اونهوف في مقابلة له على إحدى المحطات اليهودية في امريكا انه لا يوجد شعب فلسطيني اعتقد انه ” شعب اخترع”. والسؤال إذا كان هذا المرشح للرئاسة قد اصيب بالفيروس الصهيوني الذي ينكر وجود شعب فلسطيني فما بال البقية الباقية؟

في الخلاصة نقول بأن هذا الاجرام والتوحش والهمجية للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين ومنذ نشأته إنما هو نابع من عقيدة صهيونية إرهابية التي حللت إقتلاع جذور شعب بأكمله لتحل مكانه وتغتصب ارضه لاقامة دولة الكيان الصهيوني عليها وهي نفس العقيدة التي يستند اليها في قتل المدنيين العزل بالقصف العشوائي كما هو حاصل الان في غزة وفي السنوات السابقة لقتل روح التصدي ومقاومة الاحتلال. والان نرى ان هنالك مؤشرات على بعض التحول في الخطاب السياسي لبعض الصحافة الغربية التي بدات تتحدث عن الكيان الصهوني كدولة ابرتهايد وحتى رجال في الكونغرس الامريكي اللذين تجرؤا ولاول مرة بوصف ما تفعله “اسرائيل”بمثابة  جرائم حرب وممارسات عنصرية وتصرف دولة ابرتهايد. وهذا يشير الى الى بدء التشقق في جدار الخطاب السياسي الصهيوني الذي حاول الكيان الصهيوني تسويقه لعقود من الزمن.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023