جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين: ماذا حققت وإلى أين تتجه العملية السياسية في هذا البلد؟

جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين: ماذا حققت وإلى أين تتجه العملية السياسية في هذا البلد؟

انطلقت يوم الاثنين الماضي أولى جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين في العاصمة التونسية بإشراف الأمم المتحدة، في مسعى للتوصل إلى تفاهمات لإنهاء النزاع في هذا البلد والترتيب لوضع مؤسسات الحكم الدائمة. ووصلت الوفود المشاركة صباح يوم الاثنين الماضي إلى منتجع “قمرت” السياحي قرب العاصمة التونسية وسط إجراءات أمنية مشددة وتدابير استثنائية لعمل الصحفيين والمصورين ولقد شارك في الجلسة الافتتاحية الرئيس التونسي “قيس سعيد” وشارك أيضا في تلك الجلسة 75 مندوبا من هيئات ومجموعات حكومية قائمة، من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية الليبية. ولقد كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن تلك المفاوضات شهدت العديد من الخروقات من بينها وجود منظمة الحوار الإنساني داخل أروقة الفندق بمقر المؤتمر وتدخلهم في مجريات الحوار، واقتراح بعض الأسماء والترويج لاتجاهات محددة.

وفي هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية أن المفاوضات بين الفرقاء الليبيين في تونس توصلت خلال الايام الماضية إلى اتفاق حول موعد الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في الـ 24 من ديسمبر 2021، وهي مدة تبدو بالنسبة إلى الكثيرين طويلة، وقد تقع العديد من التطورات في ظل كثرة المتدخلين الاقليميين والدوليين في الصراع. وحول هذا السياق، قالت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا “ستيفاني وليامز” في مؤتمر صحافي، “إنه موعد مهم جدا بالنسبة إلى الليبيين. سيكون يوما يستطيعون فيه تجديد شرعية مؤسساتهم”. وأضافت إنه سيتم تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية موحدة، مؤكدة أن البعثة وشركاءها الدوليين لن يقترحوا أو يفرضوا أسماء معينة، فيما سيُطلب من أعضاء السلطة التنفيذية المرتقبة الالتزام بموعد تنحيهم عن مناصبهم لضمان الوصول إلى الأهداف المرجوة من تشكيل هذه السلطة.

وأعربت “وليامز” عن تفاؤلها بخارطة الطريق الوطنية وقالت إنها توفر طريقا واضحا للخروج من الأزمة الحالية وإجراء انتخابات صادقة، شاملة وديمقراطية ولكن يتطلب الوصول إليها سلطة تنفيذية جديدة لتوحيد البلاد. وأشارت إلى أن الليبيين يخشون ترسّخ الوجود الأجنبي في بلادهم و”يريدون بشدّة استعادة سيادتهم”، مضيفة “يمكنكم استعادتها عبر صندوق الاقتراع”. وتعمل بعثة الأمم المتحدة منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول ليبيا على دمج السلطات المتنافسة والتشكيلات العسكرية المتصارعة في حكومة واحدة، طبقاً لمخرجات مؤتمر برلين، بهدف وقف إطلاق النار وتكريس التهدئة. ويدعم المجتمع الدولي إعادة هيكلة السلطة التنفيذية المنبثقة عن اتفاق “الصخيرات” الذي تم التوقيع عليه في ديسمبر 2015 بالشكل الذي يرضي جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا.

وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن الرؤية الحالية التي خرجت بها تلك المفاوضات الليبية تتضمّن اختيار حكومة جديدة تُجري الانتخابات خلال 12 شهراً، يوضع خلالها الدستور. وتتضمّن مسوّدة الحوار أيضا إتاحة سبعة أشهر من أجل الاستقرار على القاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات لإنهاء المرحلة التمهيدية. وفي حال عدم نجاح القوى في إعدادها، سيعمل على ذلك الملتقى الذي ترعاه الأمم المتحدة، مع الأخذ في الحسبان توفير العودة الآمنة للنازحين والمبعَدين خلال الشهور المقبلة.

ولفتت تلك التقارير الاخبارية أنه في المقابل، ثمة أمور لم يتم التوافق عليها، بينها القاعدة الدستورية للانتخابات مع غياب دستور جديد، ما يعني أن السلطة المنتخبة، عندما تباشر عملها، سيكون عليها صياغة دستور، وهو ما يجعل حتى تسليم السلطة لحكومة وبرلمان منتخبَين بداية لمرحلة انتقالية أخرى، الأمر الذي يرفضه بعض الأطراف، مُفضلين إقرار دستور أولاً، ثم إجراء انتخابات على أساسه. كما واجهت مسودة الملتقى الليبي انتقادات في شأن النص على كون الإسلام المصدر الأساسي للتشريع، وهذه النقطة التي تطالب بعض القبائل بتعديلها والإقرار بالعرف كأحد مصادر التشريع، فيما لم تُحسم أمور عالقة؛ بينها آلية اختيار الحكومة الجديدة.

وأشارت تلك المصادر الاخبارية إلى أن المفاوضات الليبية تهدف أيضاً إلى انتخاب مجلس رئاسي من أعضاء ثلاثة ممثلين عن الشرق والغرب والجنوب وهي المناطق الكبرى في ليبيا، وكذلك انتخاب رئيس حكومة ليشكل فريقا وزاريا يخضع بدوره للتمثيل المناطقي، وفقا لمسودة خارطة الطريق. وتبدو عملية الاتفاق على توزيع السلطة في المستقبل حسّاسة وتتابعها من كثب القوى الأجنبية المتدخلة في ليبيا على غرار تركيا وروسيا والإمارات ومصر. كما ظهرت انتقادات لطريقة اختيار المشاركين ومدى مشروعيتهم من قبل مكونات سياسية في ليبيا غالبا ما تؤكد انها مهمشة من المشهد السياسي في البلاد.

وفي سياق متصل، ذكرت العديد التقارير إلى أنه بموازاة المحادثات التي تدور في منطقة “قمرت” السياحية في الضاحية الشمالية لتونس، تجري في ليبيا مفاوضات عسكرية لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار التاريخي الذي تم التوصّل إليه في تشرين الأول. غير أن توترات بدأت تظهر على محادثات سرت العسكرية منذ يوم الثلاثاء الماضي وعلى هذا المنوال، غرّد المتحدث باسم القوة العسكرية لحكومة الوفاق العقيد “محمد قنونو” في “تويتر”، قائلا: “نلفت انتباه البعثة الأممية في ليبيا إلى أن ما يحدث حتى الآن في لقاءات اللجنة العسكرية (5+ 5) لا يصب في اتجاه وقف دائم لإطلاق النار، ونقف عند نقاط نراها غاية في الأهمية”. وتساءل، “لماذا تُفرض مشاركة أفراد من خارج أعضاء اللجنة وتمنح لهم منصة إدارة الجلسة رغم التحفظات العديدة على سجلهم الإجرامي”. واكد” قنونو” قائلا: “لا نريد أن تكون هذه الممارسات سببا في افشال مسار الحوار السلمي. لكننا لا نقبل أن نفاوض تحت حراب المرتزقة ودفاعاتهم الجوية.

الجدير بالذكر أن الفرقاء الليبيين اجتمعوا في عدة جولات حوارية في المغرب ومصر وسويسرا، أدت إلى تقريب وجهات النظر والتوصل إلى توافقات منها إقرار وقف إطلاق النار وتحديد طبيعة النظام السياسي والدستور الليبي القادم. ومن المفترض أن يصادق البرلمان على الحكومة المرتقبة وفي حال لم يتم ذلك فان المشاركين في اجتماعات تونس لهم مشروعية المصادقة عليها.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023