جناية براقش الأمريكية على نفسها

جناية براقش الأمريكية على نفسها

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

لا أعتقد ان تصريحات الرئيس الامريكي ترامب بشأن إيران، يمكن أن تصدر عن شخص متزن عاقل، مدرك لما يقوله، والذي تبين للعالم منذ استلامه لرئاسة أمريكا، أنه بمواقفه المعلنة في حملاته الانتخابية وبعدها، مقبل على حماقات سيرتكبها، وتعود عليه وعلى بلاده بالوبال، فتوهم العظمة الذي اعتراه، قد أوصله الى حد التصور بأنه مهما تحدث، فحديثه يجب أن يسمع ويطاع، سيما وهو يرى نفسه صاحب كلمة لا ترد، وموقعه الإملائي الذي اتخذه من ثرائه المالي وليس من معرفة، يسمح له أن يتجاوز كل المواثيق التي أمضت عليها بلاده.

متصابي السياسة الأمريكية – واعجب للأمريكيين كيف سمحوا لأنفسهم بأن يقودهم الى خسارة مؤكدة شخص بمثل هذا الاختلال العقلي- بدا متحرشا بدول عديدة، اوّلها ايران، معلنا القيام بعدد من الاجراءات الأحادية الجانب، خارجا عن جميع الاتفاقات والمعاهدات بشأنها، يريد من خلالها تركيعها، واجبارها على النزول عند سياساته الرعناء.

ولا أخال ترامب يجهل – وهو حقيق بالجهل من جراء تصرفاته – تاريخ ايران الثورة الاسلامية وقائدها الامام الخميني، ومواقفه الحازمة ووصاياه بشأن امريكا، التي أطلق عليها لقب الشيطان الأكبر، وما تقتضيه من مقاطعة ومعاداة لها ولسياساتها، قد ينسى الشيطان نفسه، ولكن أعماله التي تبقى دالة عليه، مستمرة في مجال استعباد الدول والشعوب.

دعوة ترامب القادة الإيرانيين الى المجيء اليه للتفاوض معه، أمنية أمريكية سعى اليها من كان قبله بأساليب فيها تودد مصطنع، واقل حدة واستكبارا منه، لكنهم قوبلوا بالرفض القاطع، الذي لا يدع مجالا للتفاؤل بتغير الموقف الاسلامي الايراني مستقبلا، ويبدو أن خيلاء ترامب أنسته يأس من حاول قبله، بسبب مبدئية ايران نظاما وشعبا ومؤسسات، في جميع التزاماتها الدينية والاخلاقية، التي ترفض الركون الى الظالمين أو التعامل معهم، سيما الشيطان الاكبر الذي يعتبر رأسه الأوّل.

أمريكا لا تريد خيرا لإيران وهذا ما يعلمه يقينا جميع الوطنيين الايرانيين، وتحرك ترامب وجوقته الدبلوماسية في هذا الاطار من أجل انتزاع مكسبين لصالح الكيان الصهيوني:

الاول: ثني إيران عن موقفها – وهي التي بقيت وحيدة فيه – بشأن فلسطين، وعزمها على تحريرها من براثن الكيان الصهيوني، بالقوة التي تزيل آثاره من على كامل أرضها نهائيا، وهذا الموقف المبدئي يتقاطع مع موقف أمريكا، بشأن بقاء الكيان اللقيط، وبسط نفوذه على كامل فلسطين، وعاصمته القدس التي بدأت أمريكا تروج لها، وحث دول التبعيّة للنسج على منوالها، بتحويل سفارتها اليها، وافتتاحها في منتصف هذا الشهر (ماي 2018)، تزامنا مع احتفالات الكيان، بالذكرى 70 لتأسيسه، وتنفيذا لصفقة القرن التي دعت اليها أعراب الخليج وبقية دول العمالة، فلم يمانعوا من الانخراط فيها.

الثاني: محاولة جر ايران بالترهيب، الذي يعتقد ترامب أنه قد يحقق نتيجة، تدفعها الى تغيير سياستها، خصوصا في المجال الاعداد العسكري، فما يؤرق أمريكا وحلفاؤها، المساعي الايرانية التي تتقدّم فيها بخطى حثيثة، لتطوير اسلحتها الدفاعية المتنوّعة، خصوصا الصواريخ البالستية وبرنامجها الفضائي، وجعلها أكثر فاعلية وتأثيرا ومدى، وهذه الأمينة الأميركية الصهيونية، ومن ورائها أعراب الخليج الفارسي وذيول العمالة، وإن كانت بعيدة المنال بل ومستحيلة أيضا، فإنّ من طبع الشيطان أنه لا يمل من الاستدراج والاغواء، وأحابيله التي يلقي بها على ايران كل مرة، وفي خلده أنها قد تأتي له ولأوليائه بصيد ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ).

العالم بأسره أصبح على بيّنة من أمر أمريكا ونشاطاتها الخبيثة، لكن اغلب دوله تتحاشى أن تكون تحت طائلة سطوتها وعقوباتها، لذلك يتهيبون منها ولا يعارضونها بما يوقفها عند حدها وهذا نوع من الاستكانة والتسليم لسياساتها الظالمة، وحتى الدول الكبرى مثل روسيا والصين، لم يظهر منها من معارضة السياسات الامريكية، ما يردع الساسة الامريكان عن مواصلة غيّهم واعتداءاتهم على الدول والشعوب الضعيفة، فأقصى ما قامت به روسيا والصين، هو تعطيل مشاريع السياسة الخارجية الامريكية باستعمال الفيتو، أو بالتصريحات المعلنة هنا وهناك، بعدم الرضا من تلك السياسات والامتعاض منها، وبقيت ايران الاسلامية الوحيدة في اعلان مبادئها الأساسية في سياساتها الخارجية، والتي تنبع من الافكار والاحكام الاسلامية، وقد عبّرت على مدى مسيرة نظامها، عن معارضة حقيقة وفعالة، لسياسات الاستكبار العالمي الذي تتزعمه أمريكا.

لم تكتفي أمريكا بقواعدها المنتشرة حول ايران، خصوصا في دول الخليج والتي تشكل بحد ذاتها تهديدا لها، بل ارسلت حاملة طائراتها (يو إس إس أرلينغتون)، لتنضمّ الى حاملة الطائرات (أبراهام لينكولن)، المتمركزة في مياه الخليج،  بما تحمله من اسلحة وأعتدة تقليدية وغير تقليدية، في رسالة ترهيب، دأب عليها القادة الأمريكيون، في اخضاع الدول المتمرّدة على سياساتهم.

تصريح (جون بولتن) مستشار الامن القومي الأمريكي، بشأن هذه التحركات العسكرية، على أنها رسالة للنظام الإيراني، يرى فيها الخبراء العسكريون، استعراضا للقوة، يحمل في مضمونه استعدادا ظاهرا، لشن ضربة عسكرية وقائية ضد ايران، أحسن قراءتها الايرانيون، فعبّروا قيادة وشعبا عن رفضهم لأسلوب الترهيب، الذي تمارسه أمريكا ضد بلادهم، وخرج اثر صلاة الجمعة ملايين الايرانيين، منددين بتلك التصرفات الاستكبارية، ومعبّرين بكل قوة عن ولائهم ودعمهم لنظامهم الاسلامي، ووقوفهم الى جانبه مهما كان حجم التحديات، ولو كانت بقوة أمريكا، لأن للإيرانيين فيما نعلم، إيمان بأن هناك من هو أقوى من أمريكا، ويعتقدون جازمين بأنه سيكون معهم والى جانبهم.

ومثلما القى ترامب تبعة الفشل الامريكي في اسقاط مادورو ونظامه الاشتراكي البوليفاري على مستشاره بولتن اعتقد أنه سيعود ليلقي بالتبعة على فشل السياسة الامريكية في هذه الحملة ضد ايران، وسيتنصل من تبعات ما قد يحدث، بأنه من حاول جره أولا للقيام بعمل عسكري ضد فنزويلا، فيعيد اجترار نفس اللوم عليه بشأن ايران.

وبارتفاع عدد المواطنين الامريكيين الى عشرة ملايين، مطالبين بسحب الثقة من ترامب والقيام بإجراءات عزله، يبدو مستقبل ترامب في رئاسة أمريكا على كف عفريت، وقد لا يكمل فترته الرئاسية، لو وقع في خطأ قاتل، يغرق قطعه الحربية وقواعده العسكرية ومصالحه، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.

وفيما يرى العقلاء أن أمريكا بكبريائها واستعلائها، وتطاولها على غيرها، وصنعت لنفسها من إيران فخا، يصعب عليها تجاوزه بدون مخلفات، في صورة ما اذا وقعت فيه، قد نؤدي بها الى السقوط المدوّي من علياء كبريائها، فيما يرى غيرهم من المخدوعين ببهرج أمريكا والغرب، ومن ذوي النزعة العدوانية، أن إيران ستكون لقمة سائغة لها، ولعلهم يستعدون لشماتة، بحسابهم الماديّ الذي لا يراعي عامل الغيب، وما أدراك ما عامل الغيب، الذي سيحقق الانتصار لإيران، كما هي موعودة به.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023