“جنوباً وغرباً” بين ليبيا واثيوبيا.. مصر رهينة الموقف الاماراتي السعودي

“جنوباً وغرباً” بين ليبيا واثيوبيا.. مصر رهينة الموقف الاماراتي السعودي

قد يقول البعض ان الازمة الليبية هي الاخطر على الامن القومي المصري والاكثر تاثيرا على المرحلة السياسة والامنية المصرية، لكن هناك ازمة اخرى لا تقل خطورة وتمتلك ربما نفس التاثير على القاهرة وهي ازمة سد النهضة.

سواء نظرت مصر غربا باتجاه الازمة الليبية ومخاطرها او جنوبا باتجاه الازمة مع اثيوبيا حول سد النهضة،

هناك تحديات كثيرة وجدية على القاهرة مواجهتها. وعلى ما يبدو فان خطوات كثيرة كان يجب اتخاذها قبل وقت طويل، والتاخر فيها يلقي تبعات قوية على المرحلة المقبلة.

غربا..ليبيا

بالرغم من عدم ترجيح وصول الامور الى مواجهة عسكرية مصرية تركية في الميدان الليبي، الا ان الصراع في ليبيا استنزف اطراف اقليمية ومنها مصر كما استنزف الاطراف الداخلية المتصارعة. وفي هذا الملف وجدت القاهرة نفسها امام خصم او منافس سريع الخطوات ويتحرك عسكريا وسياسيا بسرعة اكبر من سرعة التحرك المصري فيما يتعلق بالملف الليبي.

استطاع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تامين خلفية سياسة لتحركاته في ليبيا من خلال الاتفاق الذي وقعه مع حكومة الوفاق وارسال قواته الى طرابلس والمساهمة في قلب الطاولة على قوات اللواء خليفة حفتر والانتقال الى مرحلة الهجوم.

(التحرك التركي اعتمد على المناورة والمقايضة نوعا ما بين ملفات اقليمية مع الدول الكبرى بينما كانت مصر مرهونة بالموقف الاماراتي السعودي في هذا السياق).

في هذا الوقت كانت مصر ومعها الامارات ودول اخرى مقتنعة ان هجوم حفتر على العاصمة طرابلس سيكون سهلا وبالتالي لا داعي للقلق والتحشيد العسكري والاستنفار السياسي. لكن تغير الموازين وضع الرؤية المصرية في مهب الريح مع تحضر قوات الوفاق (المدعومة تركيا) للهجوم على مدينة سرت الاستراتيجية، فكان التحرك المصري المتاخر والناقص بحكم عوامل عديدة، حيث هدد الرئيس عبد الفتاح السيسي بارسال قوات الى ليبيا لمواجهة تركيا والوفاق.

هذه الخطوة كانت ستكون مقبولة لو اتت قبل اشهر او عام مثلا، لكنها ليست كذلك الان بفعل ظروف وعوامل متغيرة اقليميا ودوليا. ولان القاهرة تدرك صعوبة تنفيذ ارسال قوات والذهاب الى حرب في ليبيا جاء استقبال السيسي لوفد من مشايخ وقبائل ليبيا في محاولة لكسب شرعية ولو اعلامية للتحرك المصري، اعقبته القاهرة بتفويض البرلمان للسيسي بارسال القوات الى الجارة الغربية.

لكن كل ذلك قد لا يحقق اهدافه، في ظل توجهات جديدة لمعظم اللاعبين الدوليين في المسرح الليبي واقتناعهم بان الحل الوحيد للصراع سياسي. وبالتالي تجد مصر نفسها امام معضلة التغريد في سرب الحل السياسي ومحاولة تحقيق اهدافها التي ابتعدت عن تحقيقها بسبب تحركات الخصوم العسكرية.

جنوبا..اثيوبيا

التردد المصري (او التخوف من الاندفاع) في الملف الليبي ينطبق ايضا على ملف سد النهضة والازمة مع اثيوبيا. سنوات مرت منذ اعلان البدء ببناء السد. وبغض النظر عن حجة الثورة وما بعدها في مصر، لم يظهر من القاهرة موقف يرقى لمستوى خطورة الازمة.

في هذا الوقت كانت اثيوبيا تواصل اعمال البناء في السد على قدم وساق، بالرغم من الزيارات واللقاءات مع الجانب المصري وايضا السوداني في هذا الخصوص. وحين وصلت الازمة الى مرحلة جدية وخطرة ايقنت القاهرة انها تاخرت في التعامل مع القضية فكانت اللقاءت القارية وجلسات مجلس الامن وكل ذلك لم يمنع اثيوبيا من البدء بملء السد وتهديد حياة ملايين المصريين.

وايضا في هذا الملف اعتمدت اثيوبيا على علاقات دولية لديها، مقابل تخبط في العلاقات الخارجية لمصر في ظل الخلافات مع عدد من الدول، اضافة الى الدور الصيني المهم في هذه القضية وعدم رغبة القاهرة باحباط بكين التي لديها استثمارات بعشرات مليارات الدولارات في مصر.

وبين فكي الكماشة غربا وجنوبا، ربما بات على القاهرة مراجعة اسس واطر سياستها الخارجية ومحاولة استدراك الاحداث المتسارعة على جبهتي ليبيا واثيوبيا واعادة فرض نفسها قوة اقليمية لها اعتبارها، والحفاظ على مصالحها القومية المتمثلة في هذه الحالة بمنع تدهور الوضع الليبي بشكل يهدد امن مصر القومي، وايجاد موقف مصري عربي افريقي دولي قوي ينتج حلا منطقيا وعادلا لازمة سد النهضة.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023