حرب العلماء

حرب العلماء

قبل أربع سنوات، وتحديداً في عام 2016 تحدث رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو عن البرنامج النووي الإيراني، وذكر اسم العالم محسن فخري زادة بالذات.
اليوم وبعد مرور هذه السنوات نكتشف أن ما قاله نتنياهو كان نقطة الانطلاق لعملية استخبارية دولية معقدة استطاعت في النهاية اغتيال فخري زادة.
قبل جريمة اغتيال فخري زادة تمكنت أجهزة الاستخبارات المعادية من اغتيال عدة علماء نوويين إيرانيين منهم مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد.
قبلهم، ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 اغتيل 250 عالماً وأكاديمياً عراقياً؛ أشهرهم محمد عبد الله الراوي رئيس جامعة بغداد، ود. حسين ياسين الوتري أستاذ الفيزياء.
في سورية، ومنذ بداية مؤامرة “الربيع العربي”، لجأت الاستخبارات المعادية وأدواتها على الأرض إلى اغتيال عدد من العلماء السوريين، مثل المهندس نبيل زغيب وعائلته، وعالم الصواريخ ورئيس مركز البحوث العلمية في مصياف عزيز إسبر، الذي كان تعرض لعدد من محاولات الاغتيال التي لم تنجح.
بعيداً عن الاستعراض الاستخباري القائم على إظهار قوة وسطوة أجهزة الاستخبارات الغربية والصهيونية، يبقى السؤال نفسه مطروحاً بعد كل جريمة اغتيال: إذا كان من المعروف والواضح أن اغتيال شخصية ما، سواء كانت علمية أو عسكرية، لا يؤدي إلى تقويض أي برنامج عسكري أو علمي، فلماذا تلجأ أجهزة الاستخبارات إلى عمليات الاغتيال؟
في النسخة الهوليوودية من الأعمال الاستخبارية الأميركية، كثيراً ما نرى قوات “المارينز” والمخابرات الأميركية تقوم بعمليات خلف خطوط «العدو» لإنقاذ عالم أميركي تم اختطافه لتكريس علمه في سبيل أهداف «العدو الشريرة”.
منذ عام 2001 سيطرت صورة التنظيمات الإسلامية والدول غير الخاضعة للهيمنة الأميركية بصفتها ذلك «العدو». تنتهي العملية عادة بالنجاح، و”يعود العالم لمتابعة أبحاثه في جنة الحرية والعلم الأميركية”.
لا يختلف الواقع كثيراً عن السينما، فلو قمنا بمراجعة سريعة للإنجازات العلمية للولايات المتحدة الأميركية، سنجد أن الكثير منها حدث على يد علماء جاؤوا من الخارج مرغمين أو فارّين من بلدانهم، ولعل أوضح هذه الحالات ما حدث مع العلماء الألمان خلال وبعد الحرب العالمية الثانية. الفكرة نفسها تنطبق على الكيان الصهيوني الذي اعتمد في “نهضته العلمية” على العلماء اليهود الذين جاؤوا من ألمانيا وبولندا وأوكرانيا تحت شعار “حمايتهم من العداء للسامية”، ولاحقاً كانت النهضة الأهم هي التي حققها العلماء الذين غادروا الاتحاد السوفييتي وبعض الدول الشرقية عقب انهيار منظومة الدول الشرقية.
القاسم المشترك للنهضة العلمية لكيانين قاما أصلاً على فكرة سرقة أراضي الآخرين، هو أن تلك النهضة قامت على سرقة الجهد العلمي لدول بذلت الكثير من الإمكانيات في سبيل البحث العلمي، لكن الظروف دفعت بعض العلماء إلى ترك بلادهم طمعاً بالعمل في “أجواء البحث العلمي المتقدم”، أو منقلبين خائنين لأوطانهم.
نستطيع الاستنتاج أن العلماء السوريين والإيرانيين والعراقيين المستهدفين من العدو، رفضوا خيانة أوطانهم، ولم تغرهم الأموال وخرافات “حرية البحث العلمي”. جاء الاغتيال ليكون في الدرجة الأولى انتقاماً منهم، لكن الأهم كان تخويف غيرهم من العلماء للانخراط في عمليات التجسس العلمي المعادية، أو على الأقل الهجرة من أوطانهم. فيخسر البلد المستهدف جزءاً مهماً من مجتمعه العلمي، وقد يلتحق بمراكز البحث العلمي الغربية ويقدم لهم معلومات مهمة استخبارياً عن بلده ونشاطاتها العلمية والعسكرية. هذا الهدف تحقق إلى حد بعيد في العراق، لكنه فشل بشكل واضح في سورية وإيران.
الهدف الثاني من جرائم الاغتيال سياسي بامتياز. فالمعركة ما زالت مستمرة بين قوى التحرر الوطني العالمية، وقوى الاستكبار والنهب بقيادة الرأسمالية العالمية، وكلما حققت قوى التحرر الوطني إنجازاً على طريق مشروعها الوطني ازدادت محاولات الغرب الرأسمالي لتسديد ضربات تعوق هذا المشروع مادياً ومعنوياً. لذلك من المتوقع في ظل استمرار الحرب أن تكون محاولات معسكر العدوان أكثر كثافة وشراسة، وأن تسعى لضرب الروح المعنوية للعسكريين والمدنيين على حد سواء. في هذا السياق لا يختلف اغتيال العالم عن اغتيال المسؤول العسكري، أو قصف المنشآت العلمية والعسكرية، أو الحصار و”العقوبات” الاقتصادية الوحشية.
لا شك أن محور المقاومة يعمل على تدارك بعض الثغرات الأمنية، لكن ذلك لا يعني أنه لن يكون هناك عمليات عدوانية ناجحة. فالإرهاب قادر على التسلل دائماً، وتزداد قدرته إذا كان مدعوماً بإمكانيات الأجهزة الاستخبارية لأعتى قوى العدوان والإجرام في العالم. هذه الحقيقة تحتم علينا عدم المبالغة في رد الفعل وتضخيم العمل وأثره بما يخدم أجندة العدو. رغم الألم الذي يعتري نفس كل وطني حر على كل شهيد، إلا أن هذا الألم والغضب يجب أن يوجه إلى صدر العدو.

ما زالت الحرب قائمة، سنخسر شهداء وقد نخسر معارك هنا وهناك، لكن نتائج الحرب لن تظهر إلا عندما تصمت البنادق، ويعود الجنود إلى بيوتهم. وما دمنا نمتلك إرادة النصر، ونعمل ونقدم التضحيات في سبيل هذا النصر، فحتمية التاريخ تقول إننا سوف ننتصر.
كاتب من الأردن

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023