حرب المضائق… بقلم نبيه البرجي

البكاء لا يليق بالسويداء . الكبرياء يليق بالمدينة وبسائر الذين حولها . على خطى سلطان باشا الأطرش , القامات الشاهقة كان لها دورها الفذ في عدم تقطيع سوريا , وقيام دويلات طائفية تستكمل , جغرافياً وديموغرافياً , في لبنان .

قليلون على بيّنة من معاناة سكان جبل العرب . كيف حالوا دون غزو المغول الجدد لمناطقهم , ومن ثم قيام اسرائيل بتحريرها لانشاء الدولة الدرزية التي تكون بمثابة الشريط الحدودي لمرتفعات الجولان , كما لو أن أهل الجولان من الدروز لم يرفعوا الرايات , ويرفعونها كل آن , تأكيداً لانتمائهم الى سوريا .

سوريا التي تبقى , بالرغم من كل شيء , قلب العرب وروح العرب …

هل وحده تنظيم الدولة الاسلامية من قرر معاقبة السويداء , والثأر من السويداء ؟ أصحاب المخيلة العرجاء , والعقل الميت , كانوا يعملون , ويتواطأون , من الداخل ومن الخارج لاعلان الانفصال , واستدعاء قوى غريبة , بما فيها قوى اسرائيلية , للحماية .

من تابع المسار الذي سلكه المغول الجدد للوصول الى السويداء والمحيط , يعلم من وضع لهم الخطة , وساعدهم لوجيستياً , وحتى ميدانياً , في التنفيذ بعدما منعت القوات السورية من الاقتراب من المنطقة التي يتواجدون فيها , وهي تتاخم منطقة انتشار القوات الأميركية .

ألم تكن الولايات المتحدة وراء انشاء حركة “طالبان” , بالدشداشات البيضاء , لحماية أنابيب الغاز في شمال أفغانستان, والتي تمتد من تركمانستان الى بلوشستان باتجاه المحيط الهندي؟

ألم تكن الولايات المتحدة من أضفت تلك الهالة (المقدسة) على أسامة بن لادن ليكون ذراعها الايديولوجية والعسكرية في القتال ضد الوجود السوفياتي ؟

ثم , هل علينا أن نتصور أن تنظيم “داعش” خرج من ثقب ما في الأرض , او من ثقب ما في السماء , ليشكل تلك الظاهرة المريعة , دون علم , أو دون مشاركة , الولايات المتحدة في صناعته ؟

الأوروبيون هم من يسربون , الآن , المعلومات , والوثائق , حول دور الأجهزة الأميركية , بالتنسيق مع الأجهزة التركية والأجهزة العربية , في بناء التنظيم او في توظيفه لأغراض تكتيكية أو استراتيجية .

كيف لرجل غامض , بذؤابتين على الكتفين , وبكلام يتقيأه , عادة , أئمة الدرجة الثالثة , ان يطلق تلك الجحافل , وأن يتولى قيادتها في ظروف بالغة التعقيد لو لم تكن هناك دول تقدم لها المال والعتاد في كل خطوة تخطوها .

نعود الى تلك المشاهد البانورامية في السهوب , والصحارى, العراقية والسورية حين كانت قوافل “داعش” تقطع مئات الكيلومترات تحت انظار الطائرات الأميركية والحليفة , دون أن تحرك هذه ساكناً .

كان على السويداء ان تدفع الثمن لأنها , مثلما رفضت أن تكون جثة بين يدي ابي بكر البغدادي , أبت أن تكون محظية لبنيامين نتنياهو أو لغيره من لوردات الطائفية , والمذهبية , في هذا المشرق البائس .

أوديسه الدم , أوديسه النار , في المنطقة ما زالت على أوارها . ما يتسرب من قمة هلسنكي أن فلاديمير بوتين سأل دونالد ترامب حول السبب في عدم التقائه بحسن روحاني مثلما التقى كيم جونغ ـ أون , وهو الأكثر خطورة على الأمن الاستراتيجي الأميركي .

الرئيس الروسي كان قد تمنى على الأمير محمد بن سلمان الالتقاء بالرئيس الايراني لوقف الاندفاع السيزيفي للشرق الأوسط نحو الهاوية . ثمة من ينفخ في الأبواق , وفي الرؤوس , ويشيع , عبر الشاشات أو عبر الصحف , أن باستطاعة أميركا تدمير ايران في غضون 24 ساعة .

هؤلاء عشاق الدم (تحديداً عشاق العباءات وعشاق الأحذية) لم يلتفتوا الى التجربة الأميركية في أفغانستان , ولا الى التجربة الأميركية في العراق . بعد سبعة عشر عاماً من التواجد على الأرض الأفغانية , ها أن واشنطن تمد اليد الى “طالبان” التي تشترط اما السلطة كلها أو لا شيء .

الايرانيون استنفروا امكاناتهم كافة تحسباً للحظة الانفجار . بعضهم يتحدث عن “يوم القيامة” . وزير الخارجية الفرنسي السابق أوبير فيدرين قال “لكأننا أمام نهاية العالم” .

صاروخ واحد من الحوثيين (ومن هم الحوثيون ؟!) على ناقلة نفط حمل السعودية على وقف صادراتها من باب المندب . الايرانيون لن يقفلوا مضيق هرمز . قرارهم منع أي ناقلة نفط من عبور المضيق حتى ولوكانت بحراسة البوارج الأميركية.

ماذا تعني حرب المضائق سوى تحويل منطقة الخليج الى غابة من الحرائق ؟

معلومات مؤكدة بان دولاً خليجية اطلقت ما يمكن ان يسمى بـ”صيحات الاستغاثة” في اتجاه الكرملين للتدخل , وبعدما بدا أن المملكة التي تواجه مازقاً كارثياً في اليمن , لا تزال تصرّ على الذهاب في المواجهة مع ايران الى حدودها القصوى , وهو ما ينذر بتفجير المنطقة من أدناها الى أقصاها . عادل الجبير يعتقد أن التراجع خطوة واحدة الى الوراء يعني سقوط البلاط على من فيه

حبس الأنفاس في الشرق الأوسط . الباب لم يقفل كلياً أمام القفازات الحريرية !!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023