حقائق تاريخية عن أقاليم ليبيا الثلاثة

حقائق تاريخية عن أقاليم ليبيا الثلاثة

 

رغم ارتباطها بوحدة المصير والظروف عبر مراحل زمنية سابقة، إلا أن ليبيا الحديثة كانت قبل استقلالها مقسمة إلى ثلاثة أقاليم تاريخية، هي برقة وطرابلس وفزان، لكل منها تاريخه وهويته وتجربته مع الاستعمار.

وقبيل إعلان استقلال ليبيا في ديسمبر 1951، توحّدت الأقاليم الثلاثة عبر تأسيس أول “جمعية وطنية” تضم ممثليه عنها، عندما قرر زعماء وأعيان إقليمي طرابلس (غرب) وفزان (جنوب) في 1950 الانضمام إلى الأمير إدريس السنوسي في برقة (شرق) وتكوين المملكة الليبية المتحدة التي دامت ما بين 1951 و1969.

وهذه نبذة تاريخية عن أقاليم ليبيا الثلاثة.

 

برقة.. إقليم المدن الخَمس

يطلق اسم  برقة باللاتينية Cyrenaica على المنطقة الشرقية الممتدة من شرقي مدينة “سرت” (وسط الساحل) وحتى الحدود الليبية المصرية الحالية، ومن سواحل البحر المتوسط حتى عمق الصحراء الكبرى حيث الحدود مع تشاد والسودان.

 

ويعتقد أن الاسم اللاتيني”Cyrenaica” قد اشتق من الكلمة اليونانية “كيريناكي” التي أطلقت على الإقليم خلال فترة حكم الإغريق له قبل الميلاد.

وقد كان المؤرخ الإغريقي “هيرودوت” أول من دوّن اسم “بركايا” في كتاباته، لكن استعماله لهذا الاسم لا يدلّ بالضرورة على أصول إغريقية، وفقاً للمؤرخين الذين يرجحون أنه أورده بصيغته الإغريقية عن أصل فينيقي أو ليبي وهو “بركة” أو “برقة” بتسكين الراء، كما ينطقها الليبيون حالياً.

تاريخيا، كانت تسكن هذا الإقليم قبائل ليبيا القديمة مثل الأسبست والأدروماخيد، وهي قبائل منتشرة بين مرتفعات برقة وسفوحها وتمتد إلى الصحراء جنوباً والجانب الغربي من نهر النيل شرقاً.

وقد تعرّضت برقة لمحاولة الاستيطان من قبل الفينيقيين أولاً، ولكن الإغريق نجحوا في توطّنها وتأسيس أول مدنها، ثم انتقلت إلى سلطة الإمبراطورية الرومانية.

وحتى دخول قبائل “بني سليم” و “بني هلال” العربية لبرقة، بداية من عام 1051، واستقرار  بعض من بطونهم فيها كانت برقة موطنا لقبائل “لواتة” و”هوارة” الأمازيغيتن بحسب ما ذكره المؤرخ ابن خلدون في حديثه عن “هجرة القبائل من برقة”.

ومن أشهر مدن برقة التاريخية المدن الخمس المعروفة برنيق (بنغازي حالياً)، قورينا (شحات)، أبولونيا (سوسة) بطولوميس (طلميثة) وتوخيرا (توكرة)، إضافة إلى بلدة بلاغراي الإغريقية (البيضاء حالياً). ومن حواضر برقة كذلك مدن درنة وطبرق واجدابيا و الكُفرة، إضافة إلى واحات الجغبوب وجالو واوجلة واجخّرة في الجنوب.

 

وبعد الحرب العالمية الثانية، أُعلنت برقة إمارة مستقلة في 1 مارس 1949 تحت حكم الأمير محمد إدريس السنوسي حملت اسم “إمارة برقة” وذلك بدعم من قوات الحلفاء والمملكة المتحدة آنذاك.

 

إقليم طرابلس.. موطن أول “جمهورية عربية”

يطلق اسم طرابلس (Tripolitania) على شمال غرب البلاد الممتد من سرت في وسط الساحل إلى الحدود التونسية، ويضم مدن سرت، ومصراتة وزليتن والخمس وطرابلس، العاصمة، والزاويه وصرمان وزوارة وغيرها من مدن الساحل الغربي.

واستقر الأمازيغ بالمنطقة قديماً، ثم استوطنها الفينيقيون في القرن السابع قبل الميلاد وأنشؤوا مستعمرات على الساحل، لتتحول  لاحقا إلى سيطرة نوميديا الذين استولوا عليها في العام 146 قبل الميلاد.

واستولى الرومان على طرابلس لاحقاً  وضموها إلى إقليم “أفريقيا الرومانية” الذي شملها مع تونس الحالية. وفي 435 للميلاد، استولى عليها الوندال ثم انتقلت لسيطرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي.

ومن حواضر إقليم طرابلس التاريخية، التي تعرف أيضا بـ”المدن الثلاث”، لبدة (Lipts Mgna) وأويا (مدينة طرابلس الحالية) وصبراتة (Sabratha) غرب طرابلس.

ودخل العرب طرابلس في القرن السابع للميلاد، ثم احتلها الإسبان وفرسان “القديس يوحنا” لفترة وجيزة ما بين 1500 و1530، قبل أن يستولي عليها الأتراك العثمانيون عام 1553، وأصبحت تحمل اسم “إيالة طرابلس الغرب”.

وفي 1911، احتلت إيطاليا سواحل ليبيا شرقاً وغرباً بما فيها طرابلس، عقب الحرب التركية الإيطالية التي تلاها توقيع معاهدة أوشي (ملحق معاهدة لوزان) بين إيطاليا والخلافة العثمانية تنازلت بموجبها الأخيرة عن ليبيا لإيطاليا.

وظل إقليم طرابلس منفصلاً تحت حكم الإيطاليين، رغم منحها حكماً ذاتياً منذ 26 يونيو 1927 حتى 3 ديسمبر 1934 حين أعلنت روما ضم الإقليم في إطار ما عرف آنذاك بخطة “مستعمرة ليبيا الإيطالية”.

وشهد إقليم طرابلس في نوفمبر 1918 ولادة أول جمهورية عربية، التي لم تستمر طويلاً، عندما تم الاتفاق على إعلانها بجامع المجابرة في مدينة “مسلّاتة” من قبل زعماء واعيان الإقليم ,من أشهرهم سليمان باشا الباروني ورمضان السويحلي وعبد النبي بالخير وأحمد المريض.

 

إقليم فزّان.. مملكة جرمة

فزان، التي تكتب باللاتينية Phasania وبالإنجليزية Fezzan، هي المنطقة التاريخية في الجنوب الغربي من ليبيا، ويقع معظمها في نطاق “الصحراء الكبرى” وبها جبال صخرية شاهقة وأنهار ووديان قديمة جافة، كما تكثر بها الواحات الصغيرة المنعزلة.

وقد ذكر المؤرخ ابن خلدون فزّان في كتابه العبر قائلاً “ثم فزان وودان قبلة طرابلس، قصور متعددة ذات نخل وأنهار، وهي أول ما افتتح المسلمون من أرض إفريقية لما غزاها عمرو بن العاص”.

وكانت فزان في الفترة بين القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي موطن “مملكة جرمة” التي  كانت تدير طرق تجارة الصحراء الكبرى مع القرطاجيين ولاحقا الإمبراطورية الرومانية وبين دول الساحل في غرب ووسط أفريقيا.

وخلال القرنين 13 و14 أصبحت أجزاء من فزان تابعة لإمبراطورية “كانيم” المجاورة، ثم أصبحت بعد ذلك دولة تسمي بـ”دولة أولاد امحمد” وكانت عاصمتها في ذلك الوقت مدينة “مرزق” الموجودة حتى وقتنا الحاضر، في حين سيطر العثمانيون على المنطقة في القرن السابع عشر بعد حروب خاضوها مع حكام دولة أولاد امحمد.

في أوائل 1911، احتلت فزان من قبل إيطاليا، إلا أن سيطرتها على المنطقة لم تكن مستقرة حتى العام 1923. وأثناء الحرب العالمية الثانية قامت فرنسا بطرد الإيطاليين واحتلال “مرزق” في جانفي 1943، وظلت المنطقة تحت السيطرة العسكرية الفرنسية حتى 1951، حين استقلت ليبيا وأصبحت ولاية فزان بعد ذلك جزءا من المملكة الليبية المتحدة.

ومن أهم مدن إقليم فزان الحالية سبها (عاصمة الإقليم) ومرزق وأوباري ومناطق الجفرة الثلاث، هون وودان وسوكنة، إضافة إلى الواحات والقرى الصغيرة المنتشرة على امتداد الإقليم الذي يعتبر الأقل من حيث عدد السكان بين أقاليم ليبيا الثلاثة.

 

مصادر

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023