حكام العرب من الاسلام الى الجاهلية!!

بقلم: محمد بن عمر |
لأنّ ما يجري هذه الايام على الساحة العربية والاسلامية، له اتصال وثيق بالتاريخ، ويتكرر بشكل لافت، وبصور أخرى تتفق في جوهرها، مع تلك الاحداث مصدرا وسببا، حتّم علينا ان نراجعه باهتمام، لنتعرف من أوثق مصادره، على أشدّ وألدّ أعداء أمتنا اليهود، الذين اخترقوا صفوفنا المتراصة، فشتتوا ما تمكنوا منها، ولم تكلّ عزائمهم في استكمال مشاريعهم الفتنوية، في تشويه قيمنا الاسلامية، وحرف شعوبنا عن السبيل الواجب اتباعه.
اليهود كما هو معلوم بالضرورة، أهل مكر وخداع ودهاء، لم تغادرهم صفات التّفتين، والايقاع بغيرهم من بني البشر، منذ انحرافهم عن أنبيائهم توراتهم، ولعل ذلك من طبع رضعوه لبنا، وتوارثوه سجية ودما، وقد حدثنا التاريخ، بدأ مما فضح به سيرتهم، كتاب الله العزيز (القرآن)، فنسبهم الى التآمر على الانبياء وقتلهم إيّاهم، وحذّر منهم المؤمنين، ودعاهم الى تجنبهم، باعتبارهم أشد عداوة للذين آمنوا.
ومن قرأ السيرة النبوية العطرة، أو اطلع على أهم أحداثها، بإمكانه أن يستلهم منها العبرة، ويستخلص من دروسها موعظة، تقيه من الوقوع فيما وقع فيه عصر النبوة من أخطاء قاتلة،  لولا وجود النبي بينهم، لكانت كارثة يصعب التنبّؤ بنتائجها.
يوم بعاث كان آخر حادثة حرب استمرت 120 عاما، تنازع فيه حيّان كبيران في يثرب، تربطهما أواصر قرابة وثيقة، هما الأوس والخزرج، وقعت احداثها خمس سنوات بعد البعثة النبوية، وكان وراءها من أولها الى آخرها اليهود، الذين لم يرق لهم تكاثر الحيّين، واشتداد قوتهم وبأسهم وامكاناتهم، فعملوا على تحريك ضغائنهم وافتتانهم، أملا في أن يستعيدوا سيطرتهم ويسترجعوا هيمنتهم.
اليهود الذين كانوا يسيطرون على المدينة وأطرافها، اقتصاديا وتجاريا، وجدوا أنفسهم بعد دخول الانصار الى الاسلام، قد فقدوا جزءا كبيرا من قدرتهم على التحكم، فيما كانوا يعتبرونه حقا مشاعا لهم، وذلك بتغير العلاقة بين أهل الحيّين وتحوّلها من عداوة وتناحر وبغضاء الى تآلف وتحابب وإخاء، فغاظ مدبّرو الفتن فيهم أن يصبح الحال مغايرا لما أرادوه، فعملوا على الايقاع من جديد بينهما، لتعود السيطرة على المدينة لهم من جديد.
جاء في الرواية كما أوردها ابن اسحاق: (ومرّ شاس بن قيس (اليهودي)، وكان شيخًا قد عَسَا (كبر وأسنّ)، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإِسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال، قد اجتمع ملأ بني قيْلة (أم الأوس والخزرج) بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار، فأمر فتى شابًا من يهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث (يوما داميا في جاهلية تقاتل فيه الحيّان) وما كان قبله، وأنشِدْهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار .. ففعل.
فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيّيْن على الرُّكب، أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس، وجبّار بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إنْ شئتم رَدَدْناها الآن جذعة، فغضب الفريقان جميعًا، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة – والظاهرة: الحرة – السّلاح، السّلاح، فخرجوا إليها.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج إليهم، فيمن معه من أصحابه المهاجرين، حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟).
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس، فانزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم آيات في هذه الحادثة منها: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)) (آل عمران: 100)، إلى قوله تعالى: ((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105)) (الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام للسهيلي (ج4 ص 358 – 360).
هذا شأن اليهود قرآنا وتاريخا، فما الذي دعا بحكامنا أن لا يعتبروا منه، وقد أنبأنا من أخبارهم، ما يقطع الشك في سوء نواياهم خبيث أفعالهم؟
بالأمس كما اليوم، تحرك الصهاينة بأدواتهم الاعرابية، ليوقعوا العداوة والبغضاء بين العرب والايرانيين، ويسخّنوا طبول الحرب، على الجمهورية الاسلامية الايرانية – مع ان الاسلام الجامع بينهم لا يجيز ذلك –  والسبب الحقيقي الدافع الى ذلك واضح، وهي مواقفها المبدئية من اهم قضايا الامة الاسلامية التحررية من الاستكبار الغربي، والتخلّص من الغدة الصهيونية السرطانية الجاثمة على ارض فلسطين.
ان أقذر أداتين استعملهما الكيان الصهيوني في حملته هذه، هما نظام حكم بني سعود ووهابيته، الذين بثقلهم المالي وموقعهم الجيوسياسي، الباسط نفوذه القسري على مكة والمدنية، جعل منهم مطمعا لحكام عرب، خذلتهم سياساتهم عن ايجاد حلول ناجعة، للخروج ببلدانهم من ضائقة الركود الاقتصادي، وتفاقم عوائق النموّ وتشغيل الشباب المعطّل، فبادروا الى التقرّب اليهم طمعا في وعودهم، التي عادة ما يقطعوها على انفسهم، في صورة موافقتهم على مؤامراتهم ضد ايران الاسلامية، أو حتى ضد بعضهم البعض، كما هي حال اليمن والبحرين هذه السنوات.
وحيث انه لابدّ للعقلاء منا نحن العرب أن نتساءل: لماذا بقيت سياسات حكامنا عالقة في شباك التآمر والخيانة وسوء تقدير الامور؟
قطعا هناك سبب جعلها تكون على هذا النّحو وتسفر عن الحال التي وصلنا اليها، اذا بحثنا عنه وجدناه بيسر وسهولة، فغير خافية بصمات التورط اليهودي وادواته الوهابية والسعودية، وأحفاد شاس بن قيس، وكعب الاحبار، وموسى بن ميمون، يختفون عادة وراء أعراب يثرب المنافقين، الذين باعوا آخرتهم بدنيا، لن ترفعهم من مقام الذل والهوان الذي ينتظرهم.
قائمة الدول التي قطعت علاقاتها بإيران الاسلام، قد لا تقف عند من سجلت نفسها، بفضل عقم سياسات رجالها، والمغريات والمحفزات قد كثرت، استدراجا اعرابيا صهيونيا ليوم لا يتوقعون نتيجته، ويوم بعاث اليهودي الذي مضى، ليس كيوم بعاث الذي سيأتي، ومن يدري لعله سينتهي بذهاب ريحهم، وقطع دابرهم، واراحة الفلسطينيين والخلق اجمعين منهم
شارك على :

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023