دور الصحافة والإعلام في بناء الأمم أو تدميرها…بقلم حازم العواضي

دور الصحافة والإعلام في بناء الأمم أو تدميرها…بقلم حازم العواضي

إستطرادا لأدوار المؤسسات والمراكز والواجهات الفاعلة في بناء المجتمعات وتلوين معالم التوجيه والتربية فيه وضخ معاني الوعي ومقومات النضج في عقول أفراده، أفرد جل المصلحين والمفكرين الثائرين فصلا خاصا في أبحاثهم وإهتماماتهم إلى دور الإعلام والنشاط الثقافي بكافة مصنفاته، إذاعة وتلفزيون، صحافة وعلوم أخبار، مسرح وسينما، وأكدوا أن هذه المؤسسات يمكن إستعمالها كسيف ذو حدين . فهي من جهة يمكن أن تكون أداوات تخريب وتدمير لكيان الأمة وأجيالها إذا ما وجهت وفق رؤى خارجية بعيدة عن هموم الناس ومتطلبات المرحلة التي يعيشونها؛ ومن جهة أخرى يمكن إستخدامها كوسيلة تربية وتوجيه وتوعية، لتكوين إنسان رسالي يتحمل شرف الرسالة التي من أجلها خلق وعلى أساسها يكدح إلى ربه كدحا فملاقيه.

إن الناقد والمتتبع لمسيرة الإعلام في بلدان “العالم الثالث“ يلحظ أن هذه المؤسسة كانت غائبة في البعض أو حاضرة سلبا في البعض الآخر، وفي هذا السياق لعب الإعلام التونسي عقودا من الزمن ما قبل 2011 دورا سلبيا لم يتجاوز كونه بوقا للسلطة الحاكمة، ورداء ا لعيوب السياسيين وغطاء  على جرائم الرأسماليين الفاعلين في البلاد . ونظرا لتعرض هذا البلد الآمن المسلم إلى هجمة إستعمارية بغيضة تركت وراءها سموما جارية في عروق مجتمعنا توارثتها الأجيال وقد قام الإعلام بكل أصنافه على تمريرها وتبريرها تارة بالإسم الحداثة والتقدم وطورا بالإسم الإنفتاح ومواكبة العصر. فسعى محركوه والقائمون عليه (الإعلام، المؤسسات الثقافية) إلى تمييع شخصية الفرد المسلم وإشغاله بالترهات والسفاسف والكماليات إضافة إلى إستحمار عقله وإستبلاهه بترويج الكذب والنفاق والأخبار المغلوطة وتم لهم إبعاد هذه المؤسسة على نقل هموم الناس والعمل على خدمتهم، الأمر الذي حول هذا الفرد إلى طاقة سلبية في المجتمع لا يفكر إلا في نفسه فاقدا لحسه الإجتماعي. ولقد إستمر هذا التآكل في شخصية الفرد المسلم وإستفحل في نخر كيانه وقلب كل الموازين العقلية وتجريد كل المفاهيم الأخلاقية، فأصبح الثراء فخرا والفقر عارا، وصار البذخ والتبذير كرما والزهد والتدبير تخلفا وتحول تقليد الأجنبي هواية محبوبة للناقصين والفارغين يملؤون من خلالها شعورهم بالنقص عبر المحاكات الملهوفة والتقليد الأعمى. وكلنا يتذكر غزو الأفلام الغربية المنحطة لدور السنما وإكتساح المسلسلات الغرامية العديمة شاشات التلفاز إضافة إلى المستوى الهزيل لإنتاجنا، مقابل كساد في العلم وجفاف في إنتاج العقول والنوابغ .(بالإستثناء إنتاج الفنانين والفنانات وكلنا على بينة من رطانة ما ينتجون!!!).

إن المتعمق في التاريخ والدارس لأحداثه يعلل أن ما قاد الحضارات إلى السقوط وقاد الأمم والشعوب إلى الإنهيار هو حين يتحول تفكير الفرد بالأخذ لا بالعطاء، وبالربح لا بالتضحية، وبالتنافس على إشباع اللذات وليس التنافس على الخيرات ،و بالإنكفاء على الذات وإهمال الآخر وليس التعاون والإيثار، وهو عين ما نحذر منه . من هنا كان جليا وواضحا دور الإعلام كسلطة رابعة ودور المؤسسات الثقافية في إحياء العقول وتنشيط الخلايا النائمة في الأذهان والسعي إلى إعادة بناء شخصية إجتماعية للفرد متجذرة في أعماق تاريخها، مستيقظة لمتطلبات عصرها، متبصرة لمسيرة مستقبلها. هذا السعي يؤسس إلى بث الوعي الإجتماعي في عقول الأفراد وإنشاء لحمة إجتماعية واسعة تنخرط فيها كل الفئات وكل الأصناف والألوان المكونة للمجتمع تكون حركة الفرد فيها تحت قاعدة “ آخر من أنام وأول من يستيقظ، أول من يضحي وآخر من يستفيد.“ لذلك وجب على الإعلام أن يكون صادقا في نقل الأحداث مواكبا لتسارعها وتواترها، هادفا في برامجه مستنهضا في أفكاره، يسافر بالرأي العام إلى النباهة ويبعده عن الإستخفاف والرتابة والإستحمار، ويربي الناشئة على تحريك الذات العليا في الإنسان وشدها إلى القيم النبيلة والمبادئ السامية التي تحرك ضمير الأمة وترتفع بإرادتها إلى مستوى الرسالة التي بسببها خلق الإنسان ولأجلها صار خليفة في الأرض.

إن الإعلام التونسي ما بعد 2011 بمختلف أصنافه المكتوبة والمرئية والمسموعة، إضافة إلى المؤسسات الثقافية على إختلاف أنواعها، أمام مفصل تاريخي يملي عليهم ضرورة الشعور بالمسؤولية في بناء الأمة وإستثمار أداواتهم الإعلامية في إستنهاضها وإنارة دربها وكشف المختبئين في الأنفاق المظلمة والمتربصين بها، وحث همم الشباب على تسلق جبال الفكر والسباحة في بحور العلم وأن لا ينخرطوا في صناعة رأي عام مزيف فما صدر عن بعض القنوات الخاصة في كيفية تناولهم لنتائج الانتخابات والكم الهائل من التجني على خيارات نسبة كبيرة من أبناء الشعب وإعطاء انطباعات سيئة تروج إلى أن ما صدح به الصندوق لا يطمئن محاولين بذلك توجيه الرأي العام ولخبطة وجهات النظر والخلط بين التجني والتقييم. …حيث أن أحد المنشطين التابعين إلى احدى القنوات الخاصة يقول إن خيارات الشعب غير مقدسة قاصدا بذلك نتائج الانتخابات الأخيرة وما افرزته لا تخدم مصلحة البلاد حسب رأيه …لاحظ معي هو في الظاهر يقول رأيا أو قراءة. ..لكنه في حقيقة الأمر يقول طالما هذا الصندوق لم يفرز رموز من السياسيين الذين ترتبط مصلحته الخاصة بهم ..فهو باطل ومنعوت بأشنع الأوصاف. ..و في قناة أخرى هاجوا وماجوا وتعالت أصواتهم لا لشيء إلا لأن الفائز في الدور الاول من الانتخابات الرئاسية ليس من هواهم ولا هو من دائرة اللوبي المالي الذي يشغلهم. ..فبدؤوا بتصنيف الرجل تارة سلفي خطير وتارة يساري متشدد. ..و هلم جرا من هذه الأصناف. ..و لكن نفهم أن كل ما في الأمر أن هؤلاء ليسوا إعلاميين بل هم أبواق مؤجورة باعت شرف المهنة وأسقطت حرفيتها لأجل المال… هم بائعوا الحقيقة في شاشات المصلحة.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023