رشوة القرن….بقلم الأستاذ محمد عصمت

رشوة القرن….بقلم الأستاذ محمد عصمت

كل ما يمكن استنتاجه من التسريبات المنشورة عن أسرار وخفايا «صفقة القرن» لا يدعو للتفاؤل بنجاحها فى تحقيق السلام العادل فى المنطقة، كما يراهن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وحلفاؤه سواء فى الجانب العربى أو الجانب الإسرائيلى.

طبقا لهذه التسريبات، التى نشرت جزءا منها صحيفة النيويورك تايمز، سيتم ضخ 25 مليار دولا فى الضفة الغربية وغزة و40 مليارا أخرى فى مصر والأردن وربما لبنان، سيدفع الجزء الأكبر منها الدول البترولية الغنية فى المنطقة على أن تساهم الولايات المتحدة بالجزء الباقى، فى نفس الوقت الذى أكد فيه جاريد كوشنر مستشار ترامب وزوج ابنته أن الصفقة تستهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية فى المنطقة لتسهيل قبول شعوبها لإعادة رسم الحدود وحل قضايا الوضع النهائى، دون أن يفصح عن أى تفاصيل اخرى سوى انه سيتم الإعلان عن كل بنود الصفقة عقب الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية فى إبريل المقبل.
اجتهادات دبلوماسية أخرى ذكرت أن الصفقة تتضمن إقامة دولة فلسطينية على كامل قطاع غزة بالإضافة إلى 90% من الضفة يستثنى منها الكتل الاستيطانية اليهودية، وتوفير وسيلة اتصال ما بين الضفة والقطاع، على أن تخضع هذه الدولة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، فى حين تبقى القدس تحت سيطرة إسرائيل مع ضمانها حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود طبعا، على أن يبقى الفلسطينيون الذين يعيشون فى المهاجر كما هم ودفع تعويضات مجزية لهم، بالإضافة إلى التطبيع الكامل بين كل الدول العربية وإسرائيل وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية بينها، ورسم خريطة استراتيجية واحدة تحدد أعداءهم المشتركين، وبالقطع ستكون إيران على رأس قائمة هؤلاء الأعداء!
أزمة هذه الصفقة هى أنها تستند إلى تصورات بائسة بإمكانية شراء قيم التمسك بالأرض والتاريخ والثوابت الدينية بالمال، مهندسو هذه الصفقة يعتقدون أن عشرات المليارات من الدولارات ستسيل لعاب الفلسطينيين وتجعلهم يبيعون وطنهم مقابلها، أو ستجعل العرب ينسون شهداءهم والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحقهم، ويقتنعون بأن إسرائيل ليست دولة عدوانية بطبيعتها، عقلية البيزنس أو «السلام الاقتصادى»، كما يسميه كوشنر لن تكون أكثر من عملية رشوة لشراء الاعتراف العربى ليس فقط بوجود إسرائيل ولكن بهيمنتها المطلقة على المنطقة وكيفية واتجاهات صنع القرار فيها، وعلى تحديد مصائر شعوبها وأجيالهم المقبلة الذين سيعيشون كلهم وكأنهم ضيوف شرف على أرضهم.
داخل الفصائل الصهيونية المتطرفة فى إسرائيل ادراك واضح بالفشل الحتمى لهذه الصفقة ويقولون إن اقامة دولة فلسطينية فى الضفة ستؤدى إلى استنساخ حماس ثانية، ستهدد إسرائيل بالصواريخ، لأن هذه الفصائل تدرك جيدا أن العرب لن يتخلون عن أرضهم مقابل المال كما ترى إدارة ترامب.
الصفقة تجاهلت باستهانة بالغة كل قرارات الأمم المتحدة بخصوص حل الصراع العربى ــ الإسرائيلى، سواء بانسحاب إسرائيل لحدود يونيو 67 بما فيها القدس، أو الإقرار بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، واعتمدت على مرجعية تسلب العرب كل حقوقهم، وتجعل كل دولهم مجرد حديقة خلفية لدولة إسرائيل العظمى.
قد تجبر إدارة ترامب العديد من الحكومات العربية على قبول هذه الصفقة المشبوهة وتسويقها بين شعوبها بل وحتى فرضها كواقع قانونى وسياسى عليهم، لكنها ستفشل بالتأكيد فى تحقيق السلام العادل أو الاستقرار فى المنطقة، بل وهو الأمر المرجح قد تزيد من الاضطرابات وحركات العنف داخل العديد من دول المنطقة.
الطريق الوحيد لتحقيق السلام العادل فى المنطقة يمر عبر إعطاء العرب حقوقهم المشروعة، وإقامة دولة عربية ديمقراطية فى فلسطين يعيش فيها اليهود بنفس الحقوق والواجبات مع العرب، ونشر قيم الحرية وثقافة التعدد فى ربوع المنطقة، وهو هدف سوف يتحقق مع سقوط سياسات الاستغلال والاستبداد التى تقودها أمريكا فى عصرنا الراهن ضد شعوب العالم أجمع.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023