سفينة الحياة والتصدي…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

سفينة الحياة والتصدي…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

لم تمضي بضعة ساعات على إعلان السيد حسن نصرالله بأن السفينة الاولى المحملة بالديزل ستنطلق من الموانىء الايرانية بعد ثلاثة ساعات وبأنها متى إنطلقت ستصبح أرضا لبنانية في تحدى واضح للامريكيين والاسرائيليين حتى بدأ المطبخ الامريكي في لبنان وغرفة إدارة العدوان عليه بالاتصالات في محاولة يائسة وبائسة هدفها منع تحقيق نقطة لصالح المقاومة اللبنانية وقطع الطريق عن تنامي شعبيتها في اوساط خارج بيئتها ومؤيديها ممن وجدوا ان الخطوة التي إتخذها الحزب تشكل طوق النجاة للعديد منهم كما هي طوق النجاة للبنان الدولة. هذا بعد ان ادلت بعض القوى السياسية في لبنان المعروفة بإرتباطها وعمالتها للاجنبي والاستقواء به بكل مظاهر الذل والخنوع للمطبخ الامريكي ووكر التآمر عليه والتي تترأسه سفيرة الولايات المتحدة في لبنان.

فقد تلقى الرئيس عون إتصالا هاتفيا من السفيرة الامريكية في لبنان دوروثي شيا أبلغت فيه قرار الادارة الامريكية “بمساعدة” لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الاردن وعبر سوريا  عن طريق الغاز المصري وعلى ان الادارة تجري الاتصالات مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء والصيان المطلوبة لانابيب الغاز.  هكذا وكأن “الرحمة” و”الانسانية” دبت في أوصال الولايات المتحدة وإدارتها المتعجرفة والتي تمارس كل انواع الارهاب العسكري والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي لخنق كل شعب وكل دولة ترفض الانصياع لاوامر قاطن البيت الابيض الذي بدوره يقوم بتنفيذ آوامر الدولة العميقة في أمريكا.

 لم يعد خافيا السبب الرئيس الكامن من وراء هذه الخطوة التي إتخذتها الولايات المتحدة وهو بالتاكيد ليس صحوة الضمير الميت لامريكا ولا استجابة لنداءات الشعب اللبناني بطلب اية مساعدة من اي مكان طالما انها ليست مشروطة ومذلة. ولننتظر ماذا سيقول الاذناب والادوات تعليقا على الاسباب التي أجبرت أمريكا في الواقع على إتخاذ هذه الخطوة.

بجملة واحدة إستطاع حزب الله وامينه العام أن يقلب الطاولة على كل من تآمر على لبنان وأراد خنقه إقتصاديا كوسيلة للضغط عليه وتجويعه الى ان يستسلم للاوامر الامريكية وهذا ما كان قد صرح به ضمنا وزير الخارجية الامريكية وما كانت تهدد به السفيرة الامريكية الشمطاء في لبنان التي كانت وما زالت تتراس غرفة العمليات لادارة الامور في لبنان لتعميق أزمته السايسية والاجتماعية والاقتصادية لتخرج جموع الشعب اللبناني الى الشوارع منددة بالمقاومة ونزع سلاحها وتحميلها المصائب والمصاعب التي تجابهها لبنان على غرار الثورات الملونة التي رتبتها ونفذتها الوكالة الاستخبارات الامريكية سي أي ايه في العديد من الدول عن طريق المطابخ السياسية والغرف السوداء في سفاراتها كما كان الحال في اوكرانيا وجورجا وأرمينيا وغيرها من الدول.

 فشلت هذه المحاولات فشلا ذريعا وكسبت المقاومة وجماهيرها والشعب اللبناني الجولة. ولكن هذا لا يعني على الاطلاق ان المخطط الدنيء واللاخلاقي واللانساني سيوضع على الرف من قبل الادارة الامريكية والكيان الصهيوني, بل سيزداد الضغط على لبنان وعلى طبقته السياسية الوطنية على وجه التحديد بطرق أخرى.

نقطة مهمة يجدر الاشارة لها هنا وهي على انه ومنذ بدء الازمة ودخول حزب الله على خط تفكيك الازمة والعمل على كسر هذا الحصار وبأسلوب هادىء حتى لا يعطي الفرصة للقوى الظلامية اللبنانية وعملاء امريكا في  رفع الاحتقان الداخلي وأخذ الشارع اللبناني الى المنحى الذي تريده الادارة الامريكية, كانت الادارة الامريكية تتصرف بالشكل الذي من خلاله تسعى الى عدم إعطاء نقطة إيجابية لصالح حزب الله ومع كل تهديد منه كانت تتصرف على هذا الاساس. فقد أصدرت الاوامر للعراق بإرسال شحنة من البترول الى لبنان وأتبعت الان بهذه الخطوة واعطت اوامرها لعميلها الذي يتراس البنك المركزي اللبناني لدعم المحروقات وبيعها بسعر 3900 ليرة لبنانية للتر هذا بعد ان كان قد ابدى رفضه للاستمرار بدعم البنك لشراء المحروقات وبيعها بهذا السعر وكان ان تحدى الحكومة والرئاسة اللبنانية بهذا الخصوص, وتاتي الخطوة الجديدة الان في هذا الاطار. الى جانب ذلك اعطيت الاوامر الان لأربعة سفن لشركة توتال المحملة بالمحروقات والتي كانت راسية في عرض البحر امام السواحل اللبنانية البدء بتفرغ حمولاتها.

 كل هذه الاجراءات والخطوات لم تكن لتكون لولا الاصرار على التحدي من قبل حزب الله وهذه حقيقة يجب على الجميع أن يدركها سواء المؤيد او المعارض لهذا الحزب. وثاني حقيقة يجب ان يدركها وخاصة أذناب الولايات المتحدة والمترددين في الساحة اللبنانية أن الخنوع والقبول بالذل والمهانة وسياسة الاستجداء لن تاتي الا بمزيد من الضغوط ومحاول الاذلال من الغرب وخاصة من الولايات المتحدة. وحده التحدي والتصدي لهذه العربدة والغطرسة الامريكية هو المجدي للحصول على حقوق الشعوب والمحافظة على سيادتها وكرامتها وعزتها.

بهذا التحدي تكون المقاومة قد ثبتت قواعد الاشتباك التي رسمتها والجديد هم تمديد هذه القواعد لتشمل البحار ايضا وهذا ما اصبح يقلق الامريكي والاسرائيلي معا فكلاهما يدرك ان ما يقوله حزب الله ليس للاستهلاك المحلي والشعارات الجوفا كما يفعل الكثيرين  وعلى أنه قادر على تنفيذ تهديده ولولا ذلك لما نطق امينه العام بأن السفينة متى تبحر تصبح ارضا لبنانية.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023