“شغل حرية كرامة وطنية”: قبل عشرين سنة وبعد عشرين سنة…بقلم صلاح الداودي

“شغل حرية كرامة وطنية”: قبل عشرين سنة وبعد عشرين سنة…بقلم صلاح الداودي

باختصار، كيف تم استحضار اطروحة شغل حرية كرامة وطنية ولماذا؟ وكيف أصبح الوضع العام اليوم وما تأثير ذلك على الانتخابات؟

هو جانب من سيرة جماعية ولكنه خيط الواقع الناظم وان روي بشكل شخصي.

كنا في بداية الألفية الثانية في اوج دراستنا لفلسفة ميشيل فوكو واكتشفنا الكتاب الجديد لطوني ناغري في تلك السنة اي كتاب الإمبراطورية ثم اكتشفنا كتابه السلطة المؤسسة (بكسر السين الأولى). ولاحظنا تطور مفهوم البيوسياسة من فوكو إلى دولوز ثم طوني ناغري ومايكل هارت. كنا وقتها نعد في نفس الوقت ثلاثة بحوث خاصة بشهادة الدراسات المعمقة. كان الأول عن العلاقات الإبداعية من خلال باشلار والثاني عن السياسة والفن عند فوكو والثالث حول نظرية الحاجة في مدرسة بوداباست ذات التوجه الماركسي المجدد (بكسر الدال الأولى).

النتيجة البحثية الاولى كانت انعكاسا ميدانيا مباشرا على نشاطنا باعتبار ان هؤلاء الفلاسفة أيضا كانوا نماذج للنضال الميداني ولهم تجارب شتى في هذه الشؤون. وكانت ربطا بين النظري والعملي بشكل دقيق ومكثف.

عندما كنا نرفع اطروحة شغل حرية كرامة وطنية المرتبطة بتاريخ المقاومة الوطنية الشعبية للاستعمار وما بعده في الأربعينات والخمسينيات من القرن الماضي، مقابل شعارات أخرى، كانت كل الفصائل النقابية في الجامعة في البداية تنزعج منا لأنها تعوض شعاراتهم الخطية، كنا قررنا منذ اليوم الأول أن نخرج بتلك الحركة (حركة الباحثين المعطلين) إلى الشارع حتى نختبر التأييد الشعبي لها وحتى نكسر طوق الصراخ العبثي داخل أسوار الجامعة وحتى يصبح الاشتباك أكثر جدية مع النظام الحاكم. لما كنا نخرج في مظاهرات بالالاف تبدأ من 9 افريل لتمتد حتى محيط جامعة الزيتونة وتفوت مستشفى شارل نيكول، كنا نلمس التعاطف الشعبي العلني وانخراطهم في ذلك الطرح وهتافهم بذلك الشعار.

كنا نغطي إقناع غالبية من هم في المرحلة الثالثة ممن كانوا معنا وممن كانوا مع النظام، غالبية الأساتذة أيضا كانوا معنا وكذلك العملة والعاملات وحتى الجوار من المتساكنين وأصحاب الحرف ما أبعد من الجوار وعموم الذين خبرونا بمروره اليومي من محيط كلية 9 افريل الذي أصبح ممتدا أكثر من مجرد المربع الجامعي المعروف. حتى غالبية رجال أجهزة الأمن رغم شراستها في الدفاع عن النظام، لم تكن في المواجهات المباشرة مقتنعة بما تفعله بل كانت تخجل بما تقوم به وأحيانا تعترف بأننا على حق.

كما ندرك عميقا ونردد انه لا يمكن لشعبنا ان ينتفض وان يتحرر وتكون له حقوق وخيار حر بمحض ارادته الا بعد التحرر من عبودية الحاجة البيولوجية بشكل خاص والحياتية بشكل عام بما يتجاوز كثيرا بيو البيولوجيا إلى بيو السياسة والحياة كمقاومة شاملة.

بعد عشرين سنة لا نرى ان شيئا تغير رغم كل ما وقع وما يقال. في كل الانتخابات الفارطة كانت كذبة وعود التشغيل تخيم على المشهد وكانت غالبية الاحتجاجات على مدار السنوات الفارطة بما فيها سنة 2011 موسومة بشكل رئيسي بهذا الشعار المركزي. في الرئاسية الأخيرة اشترك سعيد والقروي في رجاء التخلص من الحاجة الإنسانية السوداء. ففي حين وعد الأول باستقدام اموال رجال الأعمال الفاسدين إلى المحليات والجهات (وهو أمر انقضى مفعوله الواقعي) لحل مشاكل الشباب، ذهب الثاني إلى البيوت ليقدم الحاجيات العينية إلى الناس (وهي ملوثة المصادر).

سيستمر الأمر على هذه الحال. لن تكون الرئاسية مهمة بهذا الثنائي في مطلق الاحوال. واما التشريعية فسيحظى القروي باغلبية متقدما على الجميع.

الجديد في الامر ان الوضع الأمني المقبل سيترواح بشكل أكثر خطورة بين الإرهاب والجريمة المنظمة. وان الشارع يجب أن يكون الفيصل لافتكاك الوطن والشعب من الاطروحات الدموية وافتكاك الدولة من كل هذا وتحويلها إلى دولة حياة ومقاومة لشتى انواع الخراب الداخلي والخارجي.

هاهنا لا حل الا بتنظيم المعارضة لنفسها من جديد بين صفوف الشعب وباساليب جديدة والاستعداد التام للتضحية حتى الإنقاذ وتحقيق انتصار الوطن والشعب.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023