صفقة طائرات أف-35 الامريكية للإمارات…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

صفقة طائرات أف-35 الامريكية للإمارات…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

علق ولي العهد الامارات محمد بن زايد الاجتماع الذي كان مقررا بين الامارات والولايات المتحدة والكيان الصهيوني بسبب تصريحات نتنياهو حول صفقة طائرات ف-35 الامريكية التي تنوي الامارات شراؤها من الولايات المتحدة والتي قام نتنياهو بوضع فيتو عليها بالرغم من الاتفاقية بين الكيان والامارات على توقيع إتفاقية التطبيع الكامل بينهما والذي يرقى الى نوع من التحالف الاستراتيجي لانه يتضمن عدا عن الانفتاح السياسي تعاونا اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا وأمنيا وهذا بحد ذاته سيتح فرصة ذهبية للكيان الصهيوني للوصول الى البحر الاحمر والقرن الافريقي ولا يستبعد ايضا انشاء قواعد عسكرية في تلك المناطق الحيوية والاستراتيجية وما سيحققه الكيان الصهيوني من مكاسب ونفوذ في تلك المنطقة الحساسة من العالم.
تعليق الاجتماع لا يعني التراجع عن الاتفاقية نتيجة الضغوط والرفض الشعبي لهذه الاتفاقية الخيانية الغير مسبوقة كما يريد ان يفسره البعض. من الواضح ومنذ إختفاء رئيس دولة الامارت العربية خليفة بن زايد منذ عام 2014 نتيجة إصابته بجلطة وتدهور حالته الصحية وهو الاخ الاكبر لمحمد بن زايد الذي عين وليا للعهد لإمارة ابو ظبي عام 2004 أصبح محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الامارات والتي تضم سبعة إمارات وهي ابو ظبي ودبي والشارقة وراس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة. وربما البعض لا يدرك أن رئيس دولة الامارات هو حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم وهو الذي سيقوم في نهاية المطاف الى التوقيع على الاتفاقية وليس محمد بن زايد. وهذه مفارقة غريبة ان يقوم محمد بن زايد الذي يشغل فقط ولي عهد إمارة واحدة من سبعة إمارات الى جانب منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في رسم السياسة الخارجية وإجراء الاتفاقية مع الكيان الصهيوني ومنصبه من الناحية النظرية لا يتعدى ما ذكرناه.
إن محمد بن زايد يسعى الى ان يكون أقوى زعيم في العالم العربي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه ويسعى لان تدعمه الادارة الامريكية لتبوء هذا الموقع في المنطقة ودعمه لان يصبح رئيس دولة الامارت العربية وليس فقط بان يبقى ولي عهد امارة ابو ظبي. وهو في هذا الاطار يريد ان يوظف الامارات برئاسته للعب هذا الدور معتمدا على الثروات المالية والنفطية الى جانب العامل الديمغرافي للامارات. فالإمارات تمتلك ما يقرب من 6% من المخزون الاحتياطي العالمي من النفط ومحمد بن زايد يعتبر من اغنى رجال العالم فهو يسيطر على صندوق سيادي يصل الى 1.3 تريليون دولار وتعداد سكان الامارات الاصليين لا يتعدى المليون فقط هذا بتواجد ما يقرب من 8 ملايين اجنبي يعملون في الامارات. وقد سبق وما زال يدفع بالامارات للعب دورا على الساحة الاقليمية والدولية منذ زمن بعيد. فقد شاركت الطائرات الاماراتية في قصف ليبيا عام 2011 مع طائرات حلف الناتو وما زالت للان تتدخل في ليبيا لصالح حفتر ضد حكومة الوفاق في طرابلس وتشتري السلاح له ولجيشه وتؤيده سياسيا وشاركت القوات الاماراتي القوات الامريكية في كوسفو والصومال وأفغانستان وغيرها. والإمارات قدمت دعما ماليا يصل الى عشرات المليارات الى نظام السيسي والجيش المصري. وقدم اكثر من 3 مليارت الى أثيوبيا لبناء سد النهضة واستثمارات في القطاع الزراعي هناك. وفي حرب الخليج الاولى قام بإقناع والده ان يدفع 4 مليارات دولار للخزينة الامريكية لدعم مجهوداتها الحربية آنذاك.
محمد بن زايد لم يسعى الى الاتفاق مع الكيان الصهيوني لا من أجل الفلسطينيين كما يدعي ووقف “ضم” الأراضي أو ” لإنقاذ حل الدولتين”. ويكفي ان نراجع تصريحات نتنياهو وترامب وماكرون وحتى السيسي بهذا وهو ما اشرنا اليه في تعليق سابق. هذا الاتفاق جاء ليخدم توجه محمد بن زايد لتتويجه كزعيم عربي في المنطقة بدلا من السعودية التي وهن دورها لاسباب يعرفها الجميع بما فيها من سلوك محمد بن سلمان وغوصها في المستنقع اليمني من 2015 للان وما تسببته من نزيف موجع للخزية السعودية هذا بالإضافة الى الحلب المستمر من قبل إدارة ترامب ومجمع الصناعات العسكرية الامريكية وصفقات الاسلحة بمئات المليارات. وهو اي محمد بن زايد يسعى الى الحصول على الدعم الامريكي لهذا الدور ودعمه لمنصب رئاسة دولة الامارات العربية في فرصة قريبة.
ولا شك ان الدور الذي يرتئيه محمد بن زايد للامارات استدعى ويستدعي لشراء الاسلحة الحديث والمتطورة وخير ما انتجته وتنتجه مصانع الاسلحة الامريكية وهذا السبب هو طلبه للحصول على طائرات ف-16 الامريكية والذي وضع عليها نتنياهو الفيتو. ما لا يدركه محمد بن زايد ان الكيان الصهيوني هو الحليف الوحيد المعتمد من قبل الولايات المتحدة من قبل الجمهوريين والديمقراطيين منذ قيامه وهو يعتبر الولاية 51. وبالتالي فإن الولايات المتحدة متعهدة بالتفوق العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي والامني لهذا الكيان وهذا الامر بدأ يتخلخل وخاصة عام 2006 بالانتصار والصمود الذي حققته المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله وهذا الخلل بدأ يميل لصالح محور المقاومة وبشكل متسارع. وهذا ما استدعى قدوم الولايات المتحدة بنفسها الى المنطقة وتكثيف وتعزيز تواجدها القديم في المنطقة. وهذا ما يدحض قول الانظمة الخليجية المنبطحة أنها تريد عقد التحالفات الاستراتيجية والتطبيع مع الكيان الصهيوني للحفاظ على أمنها من السياسة “العدوانية” الايرانية في تلك المنطقة. وهذا سبب أسخف من السخيف لان هذه الدول فتحت موانئها واراضيها للقوات الامريكية التي حولت منطقة الخليج الى اكبر تجمع في العالم للقوات البرية والبحرية والجوية الامريكية. الكيان الصهيوني الذي لا يقوى على حماية نفسه ويطالب البساطير الامريكية والخبراء بالقدوم اليه لن يكون ياستطاعته ان يحميكم من اي إعتداء خارجي كما تصرحون.
والسؤال يبقى هل ستقوم الولايات المتحدة ببيع ف-35 الى الامارات في حالة إصرار محمد بن زايد على شراءها؟ هذا يبقى إحتمال قائم وخاصة ان أمريكا لا تريد أن تضيع فرصة ذهبية للحصول على عشرات المليارات من الدولارات لمجمع الصناعات العسكرية وباستطاعتها تجاوز التحفظات والفيتو للكيان الصهيوني. وهنا نود ان نوضح نقطتين اساسيتين مرتبطة بههذا الموضوع. اولهما ان الويات المتحدة تضع شروطا ملزمة لاي طرف يشتري الاسلحة المتطورة منها وهي عدم استخدامها لاية اغراض تكون معارضة للمصالح الامريكية او حلفائها, وفي حالة الشرق الاوسط ان لا تستخدم ضد الكيان الصهيوني. وقد سبق وأن باعت الولايات المتحدة طائرات الاواكس التجسسية للسعودية لمراقبة الاجواء في الخليج ولكن اشترطت عليها ان تشغل هذه الطائرات بطيارين امريكيين وهو ما طبق فعلا ولم تمرر المعلومات الاستخبارية والامنية التي كانت تقوم بجمعها الى السلطات السعودية الا بحدها الادنى. كان الدور السعودي هو دفع ثمن هذه الطائرات وتشغيلها وصيانتها. الى جانب ذلك فإن التصنيع العسكري الامريكي يملك من التقنية التي باستطاعتها ان تعطل عمل هذه الطائرات فيما لو حاولت الدولة التي اشترتها استخدامها لأغراض لا تتناسب مع السياسة الخارجية الامريكية. وبالاضافة الى ذلك تستطيع الولايات المتحدة ان تقوم ببيع طائرة ف-35 التي حذف منها بعض القطع والأجهزة التي تعطيها بعض الميزات الاستراتيجية بمعنى ان نوعيتها ستكون أقل كفاءة وقدرات من تلك التي تهبها الولايات المتحدة الى الكيان الصهيوني. وهذا في تصوري المتواضع ما ستقوم به أمريكا لسببين أولهما وهو الاهم هو الحصول على صفقة اسلحة تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات في زمن يمر به الاقتصاد الامريكي بوضع صعب للغاية. وعقد مثل هذه الصفقة ربما سيساعد في تحسين الوضع الانتخابي لترامب هذا بالاضافة الى تسريع عملية التطبيع مع باقي دول الخليج إنتهاء المدة الرئاسية لترامب. وكذلك السير بهذا الاتجاه يحفظ ماء وجه محمد بن زايد ويعزز مكانه في منطقة الخليج على وجه التحديد وإعطائه صفة تحدي نتنياهو والادارة الامريكية وبالاضافة فإن هذا المسار يرفع فيتو الكيان الصهيوني الذي يطمئن بانه ما زال يمتلك سلاحا استرتيجيا لا يضاهى في المنطقة.

* كاتب وباحث فلسطيني

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023