عندما تتهاوى أوهام الغرب في سوريا… بقلم: محمد الرصافي المقداد

اذا أجزمت أن للعرب خيال خصب، يدفعهم عن الواقع مسافات بعيدة، ترهقهم عن العودة على أدراجهم الى واقعهم، فيقنعوا به عن مغالبة الوهم المتطلّعين اليه، فأنت محقّ في جزمك.

وكأني بالعرب مشرقا ومغربا – في هذا الخريف القحط – قد أعاروا خيالهم إلى أسياد حكمهم في الغرب، بأوهامه البعيدة عن الواقع، في السيطرة على شعوب العالم المستضعف، وإذا الغرب في نسجه على منوال ذلك الخيال قد تجاوز المدى، رغم الحقيقة التي مثلت أمامه فيما تعلّق بسوريا، والتي قشّعت بأسرارها كل سحب الريب والشك، وأبعدت عن العقول كل توهّم أعرابي – والأعراب أشد كفرا ونفاقا- لتمثل واضحة جليّة، قد نفضت عنها غبار توهّم الإرهاب ومشغّليه.

ولئن كان سوق عكاظ، أعطى للعرب مجالا لتنمية خيالهم وبسطه، وإخصاب ساحاته الرحبة، فإن الغرب باستعارته لهذا المجال، يريد البلوغ به القدرة على غرس عقلية في العرب، ترى ذلك الخيال حقيقة، طالما أن هذا الغرب أخرجها من أدمغة ساسته، وألقاها إلى أبواقه الإعلامية، بأدواتها المضللة، ووصلنا صداها المزعج إلى أعلامنا، المريض نفسيّا وفكريّا، فروّج لها دون نظر، على اعتبار أنها واقع لا محالة.

إدلب السورية بما يعرفه الغرب عنها، من خليط إرهابي غير متجانس أبدا، جمع في تلك المدينة، من أجل تحقيق أهدافه، التي باءت محاولاته الأولى في نشر الإرهاب التكفيري في سوريا بالفشل، جنوبا ووسطا وشرقا وغربا، وها أن موعد الشمال قد اقترب، لينفضّ عن هزيمة نكراء للإرهاب المجمّع بمحافظة إدلب وريفها، على مساحة 4000 كلم2 المتبقية.

نفد كلام الغرب وأعرابه فيما يخصّ المؤامرة على سوريا، فلم يعد له ما يصرّح به غير القلق مما يجري هناك، منذ اربع سنوات تقريبا، وجاءت تعابير( أمريكا بريطانيا فرنسا) متطابقة فيه معبّرة عن قلق هذه الدّول- وهي التي لا يهمها من أمرنا شيئا- من احتمال استعمال السلاح الكيماوي في إدلب، مهددة بأنها ستتصرف حياله بحزم هذه المرّة، كأنها لم تتصرف من قبل بالعدوان، في إشعار سافر جديد، يكشف مدى تورط هذه الدول، في التخطيط ضد النظام السوري بهدف إسقاطه.

وما وقع من قبل بشأن الادعاءات السابقة، الملفّقة ضد الجيش السوري ونظامه الشرعي، سيتكرر هذه المرة أيضا، لكن بأي حجم يا ترى؟ خصوصا وأن دابة الغرب – الإرهاب الوهابي التكفيري- التي اطلقها على سوريا، وصلت إلى مرحلة لفظ أنفاسها في إدلب، وقمع آخر تجمعاتها فيها.

فهل سيجرؤ هذا الغرب بطامّة عملائه من أعراب الخليج، على الدخول في الحرب مباشرة لإنقاذ ما بقي من فلول إرهابه، وإعادة الروح اليهم للتوسع من جديد، انطلاقا من آخر معاقلهم إدلب، والعربدة على أرض الشام بأشد من العنف الأول، الذي مارسوه بحق الشعب السوري المظلوم؟

الخيال الدبلوماسي الغربي، بشأن القلق من احتمال استعمال الكيماوي في إدلب، ردّ عليها النظام السوري، بأنه مجرّد دعاية تضليلية، تتكرر كل مرّة، يتعالى فيها صراخ الإرهاب، وهو مطبق عليه من طرف الجيش السوري وحلفاؤه، قد انقطعت به سبل الرجاء ولم يعد له بصيص أمل في فك الحصار المضروب عليه، وإنقاذ عناصره المرتبكة واليائسة، وهي ترى أمامها استعدادات عسكرية حثيثة، تستهدفها في معقلها الأخير على الأراضي السورية.

قلق أمريكا وفرنسا وبريطانيا العازف على وتر الإنسانية، وحماية المدنيين، ومساعدة الشعب السوري، يأتي دائما استباقا لعمل إجرامي، تقوم به أدواتهم على الأراضي السورية، من أجل إفشال تحرير إدلب من براثن الإرهاب، يرى فيه المراقبون، ذريعة جديدة لشن ضربات جوية، تستهدف نقاطا استراتيجية مهمة في سوريا، من شأنها أن تضعف قدرات جيشه الدفاعية، وهو أسلوب دأبت عليه هذه القوى، تنفيذا لما تريد الوصول إليه، من مخطط إنهاء دور وسوريا في محور المقاومة، وهي البلد العربي المتبقي، في مواجهة التمدد الصهيوني، ترغيبا وترهيبا في المنطقة.

وما وراء أكمة الادعاءات الأمريكية والغربية، يكمن الهدف في أمن الكيان الصهيوني، والعمل على توسيعه إلى أبعد نطاق ممكن، بكافة الوسائل المتاحة، ولو تطلب ذلك خوض حرب إقليمية، والقضية ليست متعلقة بسوريا وشعبها – فآخر ما يهمّ الغرب مصالح الشعوب – بقدر ارتباط المخطط بوجود هذا الكيان الغاصب، والعمل على فرضه على العرب والمسلمين، في صفقة قرن، جاء ترامب ليكون زعيم الدعوة اليها وتنفيذها، من أجل إنهاء محور مقاومة العدوّ الصهيوني، وشل حركة إيران الإسلامية، واضعاف دورها المحوري، وقطع شرايين ضخها لعناصر القوة فيه، وكانت النتيجة عكس ما أراد أعداؤها، ما زاد من غيظهم وارتباكهم.

المؤامرة على سوريا بعد تجاوزها العام السابع، ستفضي على الأرجح إلى حرب، قد يتوسع مداها إلى دول أخرى مستهدفة، كإيران الإسلامية ولبنان، بعد فشل مشروع الغرب المسلط على المنطقة، ولا مناص من محاولة تثبيته مباشرة، وهو مشروعه المصيري في الحفاظ على أياديه القذرة، المتحكمة في الشرق الأوسط، شعوبا ومقدرات وسياسات، وذريعة أمريكا وحلفاؤها بعنوانها التحذيري الجديد، بمعاقبة أي استعمال للسلاح الكيماوي في إدلب، يرتقب تنفيذ آخر فصولها، بواسطة فريق الخوذ البيضاء الإرهابي، المؤسس والمدعوم غربيّا.

أمريكا والغرب يعلمون جيّدا، أن الجيش السوري لم يعد لديه سلاح كيماوي، وهو ليس في وضع حرج بعد انتصاراته التي حققها، حتى نفترض لجوئه إليه، ووجود روسيا، وايران الإسلامية، وحزب الله إلى جانبه، يفرضان عليه تعاونا ميدانيا كاملا، يستبعد هذا الاستعمال نهائيا، فمن الغباء ادّعاء كهذا، وحلفاء سوريا في منتهى الانضباط، بالنسبة لقانون حضر الأسلحة الكيماوية ومنع استعمالها.

ونحن اليوم، على مشارف البدء في تحرير أكبر معاقل الإرهاب في سوريا، يجد النظام السوري وحلفاؤه أنفسهم، في مواجهة حملة دعائية وإعلامية شرسة، وتصريحات من كبار ساسة الغرب، تضمنت اطلاق تهديدات، بالرد على أي استعمال للسلاح الكيماوي في إدلب، وهي الورقة الأخيرة التي بقيت في أيدي أمريكا والصهاينة وحلفائهما، هذا الغرب الذي فقد استقلالية قراره، وأصبح تابعا ومباركا لدعوات الباطل التي عرفت بها أمريكا، منذ وجد كيانها الشيطاني.

اعتقد أن التورّط الغربي حاصل مسبقا، بظهور ارهاصاته الخبيثة، وستبدأ الحرب على أية حال، أما يكف ستبدأ؟ والى أي مدى ستصل؟ وكيف ستنتهي؟ فهذا محض غيب، نستشرف منه فقط ، أن جبهة المقاومة أصبحت قوية، وقدرتها على أي موجهة وعدو باتت كبيرة، ويحدونا أمل هذا النموّ المبارك في تحقيق نصر مؤزر، ستكون معركة إدلب المحرار الذي سيعطي للعالم عيّنة منه، وسيفتح صفحة جديدة من استعادة زمام المبادرة بشأن تحرير فلسطين .

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023