عندما يتناغم الكيان الصهيوني مع دويلات الخليج

بقلم: محمد بن عمر  |
في خطابه الاخير بمناسبة يوم القدس العالمي، حذّر سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من تحدّ جديدً، في مواجهة قضية القدس وفلسطين، لم نشهده من قبل، متمثّلا في تنظير ديني وعقائدي وفلسفي وتاريخي للهزيمة أمام الكيان الصهيوني، نابع من عقيدة وهابية فاسدة حملت أوزاره، ويتحمّل نظام آل سعود (السعودية) تبعاتها بالدرجة الأولى، وحذت حذوها فيه كل من وصيفتيها الإمارات والبحرين. لقد أصبح التمهيد لإسقاط القضية الفلسطينية، بالتطبيل لصفقة القرن، التي تعمل على انجاحها الإدارة الأمريكية، حليفة الكيان الصهيوني، وشريكته في الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط – الأكثر حيوية في العالم – بإضفاء صبغة دينية اسلامية، على التفويت في القدس، بدعوى أنها حق ديني وتاريخي للصهاينة، ومع أنه إدّعاء باطل، فقد وجد من يدعو اليه. دعوى شرعنة القدس عاصمة للكيان الصهيوني بدأت أمريكيا، وتتواصل اليوم في شكل فتاوى وهابية، واصوات سياسية واعلامية، تعطي الحقّ لإسرائيل في ضم مدينة القدس عاصمة لها، وما سيعنيه ذلك من فرضيّة الاجهاز على القضية الفلسطينية، وبمشاركة انظمة خليجية، لم يشهد العالم مثلها في العمالة والخيانة. ويبدو أن تهديدات الرئيس الامريكي (ترامب) الى هؤلاء الحكام الأذلّاء، قد أعطى أكله، ودفع بهم الى تقديم كل ما يريده من أموال وامتيازات، ولم يترددوا لحظة في تنفيذ كل ما دعاهم اليه، وتلك عادة حريم الغرب، عندما تصمّ آذانها عن سماع صوت الحق، وتعمى أعينها عن رؤية الواقع استشراف المستقبل منه.
محميّات امريكا والغرب الخليجية، خرجت علينا في ثوب الناصح الديني، مع أنه لا دين لهم واقعا، فمن عرف بالتبعيّة أوّلا، لن يكون مستقلا آخرا، ومن كان في بداية وجوده عميلا، ليس بمقدوره تغيير صفته التي ولد بها لقيطا. ومع هذه الدعاية المحرّفة في أحقية وشرعية القدس للكيان الصهيوني، خرج مسؤولون في الكيان الصهيوني بنغمة، رأوا أنها مناسبة لشدّ إزر دعاة (السعودية)، في حملتهم تبرير التفويت في القدس، فعبّر المتحدث بلسان جيش الدفاع الصهيوني للإعلام العربي‎ (أفخاي أدرعي Avichay Adraee) عن رؤية صهيونية واضحة “لإسلامين”، إسلام كان أطلق عليه الامام الخميني بأنه إسلام أمريكي، ونزيد عليه اليوم صفة (آخر ما استجدّ على الساحة الاسلامية من اسرائيليات معاصرة)، رضيت عنه أمريكا، ودعت الى اعادة صياغته سياسيا من جديد، بما يتماشى ومصالحها، إسلام لا يتردد في قتل نساء وأطفال المسلمين في اليمن، ويعمل على تنفيذ مؤامرات أعداء الامة الاسلامية، ويحرّض على محور مقاومته، في ايران ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين، في مقابل اسلام رفع شعار البراءة من أعدائه، مهما كبر حجمهم، فهو لا يساوم في قضاياه المصيرية، ومركزيّتها الأولى القضية الفلسطينية، وترى مقاومته بالعين الصهيوأمريكية إرهابا. تهيئة النظم الخليجية لدور الداعم للكيان الصهيوني، في بقائه محتلا لأرض فلسطين – ومتمدّد الى تحقيق حلمه في كيان قائم ( من النيل الى الفرات) – نابع من كونها هي أيضا انظمة غير شرعية، ولا تملك شعبية تحميها من السقوط، لذلك فهي تعتمد على أمريكا والغرب، ومعهم الكيان الصهيوني في حمايتها، وقد ربطت مصيرها بهؤلاء على حساب شعوبها، وتقدّم لهم خدماتها الخطيرة هذه، شعورا منها بما أصبح يتهدد عروشها – التي تأسست على الظلم والاستبداد- بعد موجة الوعي التي وصلت ردّاتها الى شعوب المنطقة. المسألة تجاوزت حدود التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتصل الى اضفاء شرعية دينية إسلامية مزيّفة على وجوده، وبقائه مسيطرا على فلسطين، ومؤملا مضاعفة ذلك الى حيث ينتهي حلمه الذي يعمل على تحقيقه بكل الخبث والدهاء الصهيوني.
“النصائح” الموجّهة من الكيان الصهيوني الى إخواننا من أهل السّنّة قد تجد آذانا وهابية تعيرها أهمّية، لكن في المقابل، فإن أغلبهم سوف لن يلتفت الى هذه الدعاية السخيفة، لأنها وبكل بساطة تتعارض مع كتاب الله وأحكامه، في دعوته الى عدم تولّي أعداء الله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (سورة المائدة الآية 51) والعجب هنا ليس من الكيان الصهيوني ومؤامراته، بل من هؤلاء الذين يدّعون أنهم أبناء عقيدتنا، ويتآمرون على حقوق شعوبنا في الحرّية والأمن والتقدّم مع أعداء، لا يرون لنا حقا فيها، وأعتقد انه آن الأوان لكي تنهض أمّتنا، من وضع الرداءة والرتابة وقلة الوعي، وعدم تحمل مسؤولياتنا كاملة إزاء المخاطر المحدقة بها، ومخططات اعدائها، التي تصاعدت حدّتها وارتفع مقدارها، وتحالفت جمرة نفاق حكامها، بالجمرة الصهيونية الخبيثة، على صفيح الاستكبار الامريكي، في محاولة الايقاع بفريقين أساسيين من المسلمين، وجرهم الى حرب طائفية طاحنة، قد تكون الحل الأمثل لقيام ما يسمى ب(إسرائيل الكبرى)، خصوصا بعد هزيمة الشروع الارهابي التكفيري في كل من سوريا والعراق ولبنان. ويبدو أن كل حسابات أعداء الامة الاسلامية آيلة الى السقوط، بفضل  مناصرة شرفاء الامة القضية الفلسطينية، باعتبار أنّ حلّها مفتاح حل جميع القضايا العالقة، وتحرير فلسطين بهمة هؤلاء الرجال الابرار، سيتيح فرصة فتح بقيتها.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023