“عید الشكر” بین الحقیقة والنفاق

د. أنور العقرباوي:فلسطیني-واشنطن|

يحتفل الأمريكیون ھذه الأيام بعید الشكر (Thanksgiving ،(اللذي يصادف في كل عام الخمیس
الذي يسبق آخر يوم سبت من شھر تشرين الثاني/نوفمبر. يعود تاريخ الاحتفال بعید الشكر لعام 1621 ، عندما دعا مھاجرون بريطانیون السكان المحلیین من الھنود الحمر لاحتفالات وولائم بعد نجاح موسم الحصاد، وذلك عرفانا بجمیل الھنود الذين علموا الإنجلیز الزراعة وصید الطیور والأسماك، بعد أن فشلت كل محاولاتھم في توفیر ما يلزمھم من الغذاء, التي أدت عام 1620 إلى وفاة نصف المھاجرين الإنجلیز جوعا!
وعلى الرغم من حذر الھنود الحمر بأطماع الزائرين الجدد و مكرھم، فقد ظلوا متیقظین لھم وھم
يقاومون طیلة أربعة قرون زحف المھاجرين الأوروبیین نحو بلادھم، حتى خارت مقاومتھم وانتھت تماما بعد مذبحة “الركبة الجريحة” عام 1890 ,التي أنھت عصر المواطنین الأصلیین، ولم يبقى منھم حسب إحصائیة سجلت عام 1900 سوى 250 ألف نسمة، قدر لھم البقاء على قید الحیاة، من أصل 112 ملیون مواطن فقدوا أثناء تلك الحروب، التي استعملت فیھا أبشع
وسائل الإبادة الممنھجة، من القتل ونشر الأوبئة المعدية بوسائل متعمدة، كي يستتب الأمر على
أشلائھم وأطلالھم بلا منازع في حكم الأرض من بعدھم، إلى المستعمرين الأوروبیين اللذين سبق
وأن أسسوا عام 1783 ما يعرف الیوم بالولايات المتحدة الأمريكیة.
صحیح أن أحداث التاريخ قد تختلف من حیث الزمان والمكان والأناس اللذين صنعوھا، إلا أنھا في المحصلة النھائیة لا تختلف كثیرا فیما بینھا، من حیث الأسباب التي أدت إلى وقوعھا أو النتائج
التي ترتبت علیھا، خاصة عندما تكون الحروب ھي الوسیلة في الوصول إلى أھدافھا، وما ينجم
عنھا من فواجع وأھوال ومحن، أو مكاسب على غیر وجه حق، يدفع ثمنھا الضعیف أو من لا يحترم ماضي وحاضر أمته.
فإذا كان ما يدور في عالمنا العربي من حروب بالأصالة والوكالة، لم يرقى بنا بعد إلى أخذ العبرة
مما حل من مصائب لدى الآخرين، قبل أن تأتي الأحداث علینا وتدوس فیه على ما تبقى لدينا، من
بعض إرث لا يزال يشكل في داخلنا، الدافع نحو غد مشرق أفضل عما ھو الیوم علیه حالنا، فلعله
من الأولى بنا أن نصدق الرئیس الأمريكي وھو يعفو الیوم عن ديك رومي من الذبح، ضمن تقلید
في إحتفال رسمي يقام كل عام، بمناسبة العید اللذي عرفانا بجمیل الھنود الحمر كانوا قد
ابتدعوه، قبل أن يحصدوا أرواحھم لاحقا، ولم يبقى منھم غیر القلیل اللذين لا يسر أي إنسان حالھم وبؤسھم.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023