في استكمال الرد على الدكتور محي الدين عميمور: حول معاناتنا في قطاع الثقافة بالجزائر..”بشاعة الحقيقة، ووحشية الأمر الواقع”

في استكمال الرد على الدكتور محي الدين عميمور: حول معاناتنا في قطاع الثقافة بالجزائر..”بشاعة الحقيقة، ووحشية الأمر الواقع”

بقلم فوزي حساينية ا

هذا الرد تكملة لرد سبق نشره يوم 06 ديسمبر 2022 بيومية ” رأي اليوم “. يقول الدكتور عميمور :» ..ومحي الدين عميمور لم تُتح له فرصة مراجعة كل المعطيات المتعلقة بالثقافة لأن الرئيس لم يُعطه فرصة العمل حيث لم يستقبله مرة واحدة ولم يدعمه لمواجهة الهجومات الضارية من الصحف الفرنسية في الجزائر بما فيها تلك التي تصدر بالعربية.. « وأعترف أنني شعرت بالدهشة وأنا أقرأ هذه الفقرة ، فمن جهة قام الرئيس بوتفليقة بتعيين السيد محي الدين عميمور وزيرا للثقافة والإعلام ، ومن جهة أخرى” لم يعطه فرصة العمل ” فهل هذا كلام معقول ؟ أليس صدور مرسوم التعيين على رأس الوزارة هو في ذاته فرصة نوعية للعمل بما يضمنه للسيد عميمور من صلاحيات وقدرة على التحرك واتخاذ القرارات في مجال قطاعه ؟ أم ما هي طبيعة فرصة العمل التي كان السيد عميمور ينتظر الحصول عليها من الرئيس، فوق صلاحياته كوزير للثقافة والإعلام ؟ وهل كان السيد عميمور غريبا عن كواليس الحكم والسياسة في الجزائر، حتى يحتاج إلى فرصة رئآسية خاصة للعمل فضلا عن، أو دعما لإستوزاره ؟

 ويقول الدكتور: » أن الرئيس لم يستقبله ولو مرة واحدة، ولم يدعمه لمواجهة  الهجومات الضارية  « ! والسؤال هنا: هل كان على رئيس الجمهورية أن يقوم باستقبال كل وزير يعينه، ويقوم بإعلان دعمه له ضد خصومه الحقيقيين أو المفترضين، وأن يُمهد الأمور له تمهيدا ؟ والسؤال أيضا ، كيف رضي السيد عميمور بأن يضع نفسه في هذا الموقف، أعني وزيرا يرفض الرئيس استقباله والإصغاء إليه وإلى معاناته من هجومات الخصوم ؟ وهذا سؤال مشروع لأنني كوزير عندما أجد نفسي عاجزا عن القيام بأي عمل في قطاعي ، فالحل واضح ، وهو تقديم الاستقالة ، أو رمي المنشفة بالتعبير الشائع، كما فعل البعض دون تردد.

قال الدكتور أيضا في معرض شرح معاناته كوزير للثقافة والإعلام: »  وهكذا لم يقض عميمور في الوزارة إلا عدة شهور ضاع معظمها في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه مثل إقامة مهرجان الموسيقى العربية الذي أثار المجموعات الكارهة لكل ما هوعربي والذي تخلي الرئيس بوتفليقة عن رعايته ، ربما ترضية للكاردينال ومن معه  « والواقع أن ” عدة شهور” التي قضاها الدكتور عميمور على رأس وزارة الثقافة والإعلام تُقدر بـثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وهي المدة التي عدها قصيرة وغير كافية زمنيا ! في حين نعرف جميعا أن مدة مائة يوم كافية كمعدل زمني متوسط لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وضبط الأمور الأساسية على الأقل، وبلورة الخطوط الكبرى للسياسة المُراد تجسيدها، فالأمر يتعلق بالمسؤولية عن وزارة الثقافة والإعلام وليس عن الجمهورية الجزائرية برمتها .

 ومرة أخرى أتساءل هنا ، إذا كان الرئيس بوتفليقة قد ” تخلى عن رعاية مهرجان الموسيقى العربية تضامنا مع المجموعات الكارهة لكل ما هو عربي وترضية للكاردينال ومن معه ” ألا يعني هذا حرفيا معاكسة كل توجُهات الوزير عميمور وقناعاته ، فلماذا واصل الدكتور مهامه على رأس وزارة الثقافة والإعلام في مثل هذا الجو المعادي والموبوء بالعنصرية ( كراهية كل ما هو عربي بتعبيره ) والذي كان رئيس الجمهورية بنفسه جزء منه ؟ لماذا لم ينتفض ويرمي المنشفة في موقف تاريخي كان سيُسجل له ؟.

 وقد غضب الدكتور عميمور كثيرا لأنني ذكرتُ اسمه ولم أذكر السيدة خليدة تومي، لذلك من المهم أن أشير هنا  إلى حقيقة أن خليدة تومي وبمجرد تعيينها على رأس وزارة الثقافة لم تحتج إلى أكثر من ثلاثة أشهر لتُحدث تغييرات جذرية عاصفة على مستوى وزارة الثقافة بأكملها، مخصصة غالبية المناصب المركزية الهامة بالوزارة لمن رأت أنهم يخدمون توجهاتها وأفكارها، في حين أن الدكتور عميمور لم تكفه مدة ثمانية أشهر ليفعل الأمر نفسه ! والسؤال : هل بادر الوزير محي الدين عميمور بإعطاء فرصة لعدد من الإطارات الذين يحملون أفكاره وتوجهاته، هل فتح المجال أمام بعض يتامى القطاع ليتولوا مناصب مركزية على مستوى الوزارة أو مصالحها الخارجية، كما فعلت خليدة تومي مع من يخدمون أفكارها وتوجهاتها ؟ لو فعل الوزير عميمور ذلك لكان من حقه أن يلومنا أو أن يأخذ علينا أننا لم نسانده ولم نقف إلى جانبه.

 ومالم يقله السيد عميمور أن عناصر التيار الذي يشتكي منه يملكون روح القطيع ويتضامنون كالذئآب الشرسة، ويعتقدون أن الجزائر ملكية حصرية لهم ، ولا يفوتون أدنى فرصة لفتح المجال لبعضهم بعضا ، في حين يتسم عناصر “التيار العربي” بالنزعة الفردية والأنانية، وبالانتقائية المُتحيزة عندما يكونون على رأس المسؤوليات، لذلك يخسرون مواقعهم ولا يتركون أثرا بعد مغادرتهم ، وقد يتعلل الدكتور هنا ، بأن خليد تومي كانت مدعومة من تيار قوي ونافذ في السلطة آنذاك عكسه هو الذي كان محاصرا ومحاربا ومغضوبا عليه من ذات التيار كما جاء في رده، ولكن مثل هذا التعليل أو التبرير لا يمكن أن يجد له شفيعا من حقائق الواقع ، أو من منطق السياسة الذي لم يكن الدكتور طارئا عليه أو غريبا عنه، فهو لحظة تعيينه على رأس وزارة الثقافة والإعلام كان يتوفر على مسار سياسي وإداري حافل، وكان على معرفة تامة بطبيعة ومكونات الساحة الثقافية والسياسية الوطنية، وكل ذلك كان من المُتوقع أو المُفترض أن يساعده على فرض نفسه واتخاذ القرارات اللازمة لصالح قطاع كان آنذاك، ولايزال إلى الآن في حاجة إلى قرارات أساسية لتقويمه وتصويب أدائه عبر تحريره من قبضة الاحتكار المُقدس، وهو مالم يحدث للأسف، بل إن الدكتور فقد السيطرة على الأوضاع في الوزارة إلى درجة أن تجرأ البعض يومها على تسريب نسخة من مشروع قانون الإعلام من أروقة الوزارة إلى الصحافة قبل الأوان، وربما تكون هذه الحادثة هي التي عجلت برحيله من على رأس الوزارة، في حين أن خليدة تومي جاءت إلى الوزارة بدون رصيد إداري أو خبرة سياسية حقيقية، ومع ذلك لم تتأخر لحظة واحدة، ولم تتردد أبدا في وضع رؤيتها موضع التطبيق الشامل، ولم تشتك لا من التيارالعربي، ولا من الجماعات الإسلامية، ولا حتى من المتطرفين الفرنكوفيليين.

أشار الدكتور إلى  أنني    »لم أذكر أسماء وزراء سابقين لسبب أعرفه «  والله العلي  وحده يعلم أنني لا أعرف هذا السبب وهو سبب لاوجود له أصلا ، إنما هو افتراض من لدنه لا أكثر، وأضاف » أن منهم- وزراء الثقافة- من دخل السجن بأحكام قضائية تتعلق بالفساد  «والسؤال هنا ، ماذا بعد الدخول إلى السجن بتهمة الفساد ؟ أليس هذا أمرا من صلاحيات العدالة، وأن المتهم حتى بعد دخوله الحبس يبقى بريئا حتى تثبت إدانته ؟ وهل يعتقد الدكتور أنني كنتُ من المقربين من خليدة تومي أو من أصفيائها ؟ لو كنت كذلك ، لما اعتبرني هو نفسه ممثلا ليتامى قطاع الثقافة، ولما كنت واحدا من ضحايا سياسات التمييز العنصري والاضطهاد والحقرة في القطاع الثقافي بالجزائر.

 علما وأنني في سياق الاحتجاج على الظلم والتمييز راسلتها وراسلها من هم في مثل وضعي- أي خليدة تومي – عشرات المرات طالبا مقابلتها دون جدوى، لكنها على الأقل كانت تقوم بإرسال لجان التفتيش، وكانت عند الاقتضاء تتخذ القرارات اللازمة، وهذا خلافا للسيد مهيوبي عزالدين مثلا الذي كان ينتهج بهدوء سياسة تمييع الأوضاع والمواقف من باب الاستعلاء البيروقراطي، وللتستر على أصفيائه ومعارفه، فهو يتجاهل التظلمات تجاهلا مطلقا، ولا يتخذ القرارات إلا بناء على تدخلات خاصة من قبل برلمانيين أو إرضاء لمسؤولين كبار، ولا يقيم وزنا لمن لا يملك من موظفي قطاع الثقافة مسؤولا قويا يدعمه، أو ينتمي لجهة جغرافية أو عائلية نافذة، وأيضا خلافا لدكتورة الفلسفة السيدة مليكة بن دودة التي كانت تتظاهر أنها بصدد الاستجابة للتظلمات ودراستها، لكنها تفعل ذلك فقط من باب التلهية والاستغفال دون متابعة أو استجابة جادة ومسؤولة، لكي لا تحتكم في النهاية إلا لقوة المحسوبية والجهوية تماما كمهيوبي عزالدين، وما كان لمثل هذه الممارسات والإفرازات الذهنية والسلوكية البغيضة المتخلفة لتكون لو كانت ثمة مؤسسات حقيقية تتولى المراقبة والمتابعة، أو لو كانت وزارة الثقافة والفنون تتوفر على هيئة فعالة ومقتدرة للتفتيش والمراقبة. وليس مفاجئا أن 99% من الأشخاص الذين وضعهم الوزيرعزالدين مهيوبي أو الوزيرة مليكة بن دودة على رأس دور الثقافة والمسارح الجهوية ومديريات الثقافة والمتاحف والمناصب المركزية قد أخفقوا إخفاقا ذريعا في مهامهم، وشكلوا عبئا بلا طائل على كاهل القطاع المُرهق والمتعب أصلا، وبالنتيجة فإن تقويم الأوضاع الناتجة عن المراحل السابقة يشكل تحديا ضخما وثقيلا، ويتطلبُ رؤية اقتحاميه شجاعة تتجاوز وهم الرضى عن الذات وتزلزل الاستقرار المُرواغ والمبطن بالتواطئ والكسل واللامبالاة.

يقول الدكتور :»  هل التعيين في قطاع ما يجب أن يستثني إطارات من قطاعات أخرى لها قيمتها ووزنها، وهل الثقافة مقصورة على موظفي وزارة الثقافة «  ؟ والجواب ، ليس حتميا أن يستثني التعيين في قطاع ما إطارات القطاعات الأخرى، لكن بشرطين : الأول، أن نضمن المعاملة العدالة والفرص المتساوية للإطارات الذين يأتون من القطاعات الأخرى في مُكنة الوصول إلى قطاع الثقافة ، والشرط الثاني، وهو الأهم : أن لا تؤثر سياسة التعيين من القطاعات الأخرى على حقوق وفرص إطارات الثقافة، ولست بحاجة إلى القول أن هذين الشرطين لم يتحققا أبدا في عهد أي من وزراء الثقافة من محي الدين عميمور إلى مليكة بن دودة مرورا بخليدة تومي وميهوبي عزالدين ، أما قول الدكتور ” إطارات لها وزنها وقيمتها ” فهو كلام إنشائي محض ، وإلا فما معنى القيمة والوزن هنا ؟ ومن يضع معايير التقدير والقياس لهذه القيمة، وهذا الوزن ؟ خاصة في ظل بيروقراطية الإدارة التي تشتهر بذهنية الكولسة والانحياز والاحتكام المطلق لهيمنة شبكة العلاقات العائلية والدوافع المصلحية والنفعية الشخصية للمسؤولين ومحيطهم المباشر، ثم إنني لم أقل أبدا ” أن الثقافة مقصورة على موظفي وزارة الثقافة ..” فالجميع يعرف أن الثقافة حق للجميع ، ولكن موظفي القطاع من حقهم أن ينالوا نصيبهم من الترقيات في قطاعهم قبل موظفي القطاعات الأخرى ، ومن واجب وزراء الثقافة أن يحرصوا على ذلك خاصة وأن إطارات قطاع الثقافة ليس بإمكانهم أن يكونوا مسؤولين في القطاعات الأخرى التي لاتسمح عادة بذلك، لأنها تحصر الأمر- بحق- في موظفيها وإطاراتها، في حين كان متاحا لكل الفاشلين في قطاعاتهم الأصلية أن يترقوا في هذا القطاع  – الثقافي- المُستباح، فأنا أتحدث تحديدا عن حماية المسار المهني وعن التسيير الإداري للحياة المهنية لموظفي القطاع، وليس عن حصر الثقافة كقيمة وكحاجة اجتماعية إنسانية في موظفي وزارة الثقافة، ولا أدري ما هو هدف الدكتور عميمور من محاولته افتعال هذا اللبس أو الغموض.

أما قول الدكتور:  » وهل التعيين في سلك السفراء يجب أن يكون مقصورا على موظفي وزارة الخارجية في حين أن السفير يمثل الدولة وليس الوزارة «  فهذا استشهاد في غير موضعه لأن الأمر يتعلق بقطاع آخر تماما له خصوصياته السياسية والطبقية، كما أن هذا السلك في الجزائر بعيد كل البعد عن أن يكون متاحا أو ممكنا للغالبية الساحقة من الموظفين، الأمر أشبه ما يكون بفقير معدم يحلم بأن يقضي عطلته الصيفية في إحدى جزر المحيط الهادي، سيظل يحلم إلى مالا نهاية ، وأتذكر هنا جيدا أنني قرأتُ في كتاب الدكتور عميمور ” سفيرا زادهُ الخيال ” كيف أراد البعض أن يحرموه من تولي مهمة سفير بدولة باكستان لولا إصرار الرئيس الشاذلي بن جديد على اختياره للدكتورعميمور الذي كان محظوظا بأن يجد رئيسا إلى جانبه، أما نحن يتامى قطاع الثقافة، وعبر السنوات فلم نجد في طريقنا إلا العنصريين و البيروقراطيين الفاسدين الطغاة .

ويسألني الدكتور:» هل وقفت يوما بجانبي أنت و من تتحدث باسمهم لنستطيع معا تطهير الوزارة ؟ « وقد أوضحتُ في ردي السابق أنه لم يكن بمقدورنا موضوعيا أن نقف إلى جانبك، كما أنك لم تطلب منا المساعدة على فرض أننا كنا قادرين عليها، وأنا بدوري أتساءل : هل عندما كنت على رأس وزارة الثقافة والإعلام أعطيتنا فرصة ممارسة بعض المهام المركزية أو الخارجية في القطاع ، هل وضعت قنوات للتواصل معنا كإطارات عبر مختلف الولايات ؟ كلا ، ولو فعلت ذلك لكنا أصبحنا قادرين على تقديم الإضافة للقطاع أو على الأقل الحد من  التدهور والانحدار ورد الجميل لشخصكم سواء كنت على رأس الوزارة أو خارجها ، واللوم يقع أكثر عليك أنت دكتور عميمور في هذه المقابلة لأنك كنت وزيرا للقطاع ، ولو لفترة غير طويلة ، في حين حرمتنا سياسات التمييز العنصري في قطاع الثقافة من أدنى فرصة أو بارقة أمل.

ويقول الدكتور مخاطبا العبد الضعيف: »أنت تشير هنا إلى عنصرية بعض الوزراء ومستشاريهم ، لكن لم تذكر اسما واحدا من هؤلاء بل ذكرت محي الدين عميمور بما يمكن أن يُفهم منه أنني أساس البلاء وسبب المصائب «  نعم أنا أشرتُ إلى عنصرية بعض وزراء الثقافة، ومستشاريهم، وأشير هنا أيضا إلى عنصرية بعض المديرين المركزيين الذين طالما عانينا من عنصريتهم وعقليتهم الجهوية الكريهة المؤذية والتي تظهر على أكثر من صعيد إداري كان أو ثقافي، لكن ما أستغربه هنا هو عدم التزام الدكتور بالموضوعية ، لأنني لم أُورد اسمه في سياق الحديث عن عنصرية بعض وزراء الثقافة في الجزائر ، بل في سياق آخر تماما، إذ أنني قلت في مقالي عن يتامى قطاع الثقافة في الجزائر : ” كيف أمكن تنفيذ سياسة خاطئة مثل هذه عبر السنوات من محي الدين عميمور إلى مليكة بن دودة ” ؟ وذلك في معرض انتقادي لسياسات التعيين في قطاع الثقافة كما انتهجها وزراء القطاع، وذِكْر عميمور هنا يأتي كأمر منطقي تماما باعتبار أنه عُين مع بداية العشرية الأولى من القرن الجديد وصولا إلى السيدة مليكة بن دودة التي هي آخر وزيرة في هذا السياق، أما إشارتي إلى عنصرية بعض الوزراء فقد جاءت في المقال الثاني الذي تضمن ردي على تعليق الدكتور، وبالتالي لامجال هنا للقول أنني قصدت إلى أن يفهم القارئ أن الوزير عميمور هو ” أساس البلاء وسبب المصائب “، رغم أن الدكتور جمع كلامي من سياقين مختلفين ليصل تعسفيا إلى النتيجة التي يريدها، ويطالبني الدكتور بإلحاح بأن أذكر أسماء بعض هؤلاء الوزراء العنصريين، ولكن ما الفائدة من ذكر أسماء بلا مجد والسياق ينطق بأسمائهم، وتعفن ضمائرهم، وسوء أفعالهم؟ ولا مُشاحة في أن هؤلاء العنصريين نجحوا نجاحا باهرا في أن يجعلوا من التمييز العنصري- حسب تعريف الأمم المتحدة- قوة وسلطة نافذة في قلب القطاع الثقافي في تحد سافر لدستور الجمهورية الجزائرية وقوانينها.

أما القول بأن هناك » قضايا بالغة الأهمية خسرتُ معركتها لسوء الدفاع عنها «  فلا أستطيع مناقشة ذلك ، لأن الدكتور لم يحدد ماهية هذه القضايا التي أخفقتُ على حد قوله في الدفاع عنها، ويترك لي السيد عميمور مشكورا الحرية في ” أن أستنتج من العبارة السالفة ما أريد ” ومرة أخرى لا يمكنني أن أستنتج أي شيء، من عبارة غير واضحة ، وقضايا غير محددة.

  ويختم الدكتور المحترم بالقول: » أنني أستطيع الآن أن أتخيل بعض أسباب معاناتك «  ! وأنا لم أتحدث عن معاناتي فقط ، بل عن معاناة شريحة واسعة من إطارات قطاع الثقافة والفنون، تواطأ البيروقراطيون العنصريون أعداء الثقافة والشفافية والأمل على طمس معاناتها، وفعلتُ ذلك من منطلق مسؤولياتي ككاتب، ولو كان الأمر يخصني وحدي لأتبعتُ الطرق الإدارية في التظلم- مع اليقين بعدم جدواها- ولما جعلته موضوعا للنشر، أما أن الدكتور “يستطيع أن يتخيل بعض أسباب معاناتي” فهذا مستحيل لأن ذلك يتطلب التعرض لتجربة مماثلة بكل تفاصيلها البسيكولوجية والإدارية والاجتماعية ، وعندها سيجد السيد عميمور نفسه إزاء  قصة من الجحيم – كأنها انبثقت عن عشرية الدم والنار والدموع- وسببها العنصرية والجهوية وسطوة الفساد في بلد عانى كثيرا من غياب ثقافة رجال الدولة.

في رده كذلك أورد الدكتور اسم رئيس الجمهورية الحالي السيد عبد المجيد تبون، والذي سبق الدكتور عميمور على رأس وزارة الثقافة والإعلام في الفترة الواقعة مابين 23 ديسمبر1999إلى 26أوت2000 أي لمدة ثمانية أشهر وثلاثة أيام، وعليه سأروي هذه القصة التي لم أكن لأرويها لولا أن السيد عميمور أقحم اسم الرئيس في سياق رده، ومضمون هذه القصة أن الكاتب والروائي الجزائري  والموظف بوزارة الثقافة إسماعيل غموقات، وصاحب رواية ” الشمس تشرق على الجميع ” كان على مدى سنوات مكلفا من طرف الوزارة بمتابعة مشروع إنجاز دار الثقافة بولاية قالمة ولكن مع اقتراب المشروع من الاكتمال، بدأت محاولات من هنا وهناك لإزاحته والظفر بمنصب مدير دار الثقافة، فتوجه الكاتب إلى مكتب وزير الثقافة والاتصال آنذاك السيد عبد المجيد تبون شاكيا ومتظلما من محاولات إبعاده، فأستقبله الوزير وطمأنه قائلا : ” عُدْ إلى ولاية قالمة وكن مطمئنا بأنه لا أحد سيظفر بالمنصب مكانك مادمتُ على رأس هذه الوزارة ” لكن بمجرد مغادرة السيد عبد المجيد تبون، ومجيئ السيد عميمور على رأس وزارة الثقافة والاتصال تمت الإطاحة فورا بالكاتب إسماعيل غموقات وحرمانه من الإشراف على هذه المؤسسة الثقافية واستبداله بأسماء أخرى لاعلاقة وظيفية لها بقطاع الثقافة ، وأتحفظ هنا عن ذكر الأسماء التي يريدني الدكتور أن أسردها ليس خوفا من أحد ولكن احتراما للقانون ولحرمة الأشخاص، أما أسماء الوزراء كشخصيات عمومية فالقانون يتيح نقدها انطلاقا من الاعتبار العمومي.

 والدكتور عميمور يعرف هذه القصة جيدا ، وقد كانت بينه وبين الكاتب المذكور مساجلات صحفية مشهورة حول حادثة الإطاحة والاستبدال التعسفي، وكنت من موقعي في مديرية الثقافة شاهدا كذلك، أما عن تفاصيل اللقاء مع عبد المجيد تبون فقد رواها لي الكاتب شخصيا وهو لايزال حيا يُرزق، وتتضح الأبعاد الكاملة لهذه المأساة عندما نعلم أن الكاتب إسماعيل غموقات يُعد فوق كون إطارا بقطاع الثقافة شخصية أدبية وطنية قوية الحضور في الساحة الأدبية والثقافية والإعلامية، كما أن مدير الثقافة بالولاية يومها الشاعر والأديب محمد بن رقطان كان قد رفع اقتراحا يدعم فيه ترشيح الروائي إسماعيل غموقات لمنصب مدير دار الثقافة المعنية بالنظر لما يتوفر عليه من أولوية واستحقاق، لكن ذلك كله ذهب أدراج الرياح ، لأن الوزير الجديد للوزارة السيد عميمور كانت له أولوية أخرى، وهكذا تمضي الأيام وتبقى الوقائع شاهدا.

وسأختم هذا الرد بقصة واقعية أخرى ، ففي سنة 2000 تم استدعاؤنا- أنا وموظف أخر- إلى مقر وزارة الثقافة كممثلين عن موظفي مديرية الثقافة لولاية قالمة ، وذلك بعد سلسلة من الاحتجاجات على الشروع في انتداب شخص من خارج قطاع الثقافة ليتولى منصبا نوعيا يتحكم في مصير الموظفين على مستوى المديرية، وذلك رغم أن الشخص المُراد انتدابه لا يتوفر على أدنى الشروط ، ورغم أن المديرية تتوفر على أكثر من خمسة إطارات جامعيين يمكنهم شغل المنصب المذكور، ولدى دخولنا إلى مكتب الأمين العام لوزارة الثقافة آنذاك  السيد أرزقي صحراوي الذي قال لنا في معرض شرح موقفه : » الشخص الذي ترفضونه أنا لا أعرفه ولا أريد أن أعرفه ، إنما زكاه لهذا المنصب شخص أحترمه وأقدره «  وعندما تساءلنا عمن يكون هذا الشخص ذكر لنا » أنه الأمين العام لاتحاد الشبيبة الجزائرية ! « ثم واصل الأمين العام حديثه  » هل تعتقدون أن كل شيء بيدي ؟ البارحة وبمجرد أن أذاع التلفزيون نبأ تعيين السيد عميمور على رأس الوزارة ، وحتى قبل أن يدخل مكتبه هاتفني وقال لي : أترك  ذلك المنصب – دار الثقافة في إحدى ولايات الشرق الجزائري- شاغرا فلدي اسم أريد تعيينه على رأس تلك المؤسسة «  وهكذا كان ، فقد قام الأمين العام لوزارة الثقافة بفرض شخص من خارج القطاع وبدون مؤهلات مسؤولا بمديرية الثقافة، وقام الوزير بدوره بتخصيص منصب لشخص يعرفه وهو الآخر من خارج القطاع ، ولاحظ معي هنا كيف أن أقوى شخصيتين بالوزارة ، الوزير والأمين العام كلاهما يتجه بتفكيره للتعيين من خارج القطاع ،وكل ذلك في تجاهل تام لإطارات قطاع الثقافة الذين هم أحق وأولى بالمنصبين ! أما ما حدث بعد ذلك فقصة أخرى ليس فيها من الجمال إلا بشاعة الحقيقة، ووحشية الأمر الواقع، أو بتعبير أدق قصة رهيبة تتضمن فصولا كافكوية من سياسة الإبادة المعنوية للمستضعفين والنزهاء من  أبناء القطاع الثقافي.

وللتاريخ فإن مسؤولي وزارة الثقافة يومها لم يتحركوا لمحاولة احتواء الموقف إلا بعد أن اتصل بهم رئيس الحكومة آنذاك السيد علي بن فليس الذي كان موظفو المديرية قد رفعوا إليه رسالة مفتوحة عبر يومية وطنية يشتكون إليه ويطلبون تدخله، وبهذا ينتهي ردي على الدكتور المحترم ، لكن تراجيديا يتامى قطاع الثقافة في الجزائر تبقى مستمرة وبدون أدنى أفق للحل،تتواصل معه سياسة التمييز العنصري الممقوت ،ولذلك فان تحرير قطاع الثقافة من الميز العنصري ومن مخلفات وممارسات وزراء سابقين تعاملوا مع قطاع الثقافة كملكية خاصة هي أولوية مطلقة ، لكنها أولوية تتطلب الجرأة والايمان بالوطن الذي يسع الجميع ثقافيا وجغرافيا و بمستقبل ومصلحة الاجيال الصاعدة .

  ولله الأمر من قبل ومن بعد.

– كاتب من الجزائر.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023