في العاجل: لماذا تونس خجِلة من التوجه شرقًا؟ ولماذا لا تقترب من الصين؟…بقلم د.عادل بن خليفة بالكَحْلة

في العاجل: لماذا تونس خجِلة من التوجه شرقًا؟  ولماذا لا تقترب من الصين؟…بقلم د.عادل بن خليفة بالكَحْلة

مقدمــــة:

منذ سنة «الاستقلال»، اعتادت الدولة التونسية أن تجعل أكثر من 80% من تبادلاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والصحية نحو المحور الغربي (أوروبا الغربية + أمريكا الشمالية). فمبادلاتها مع أوروبا الشمالية والشرقية، وأمريكا الجنوبية، والشرق (روسيا، الصين، إيران، الهند، ماليزيا، إندونيسيا…) ضعيفة جدًّا.

وذلك رغم أن التوجّه غربًا مُكلف، من حيث شروطه الإمبريالية، الابتزازية، غير الخافية، ومحدودية مَنافعه إلى حدّ الخسارة الفادحة.

ماهي أهم ملامح الخطإ التونسية في عدم التوجّه شرقًا، وخاصة صِينًا؟

  1. إفريقيا التابعة للإمبريالية الأوروبية تقترض من الصين:

أقرضت الصين الدول الإفريقية 143 مليار دولار بين عامي 2000 و2017، أي ما يعادل ثلث الديون الإفريقية. وهاهي جيبوتي، التي لا تستطيع الفكاك من التّبعية لفرنسا ذات الحضور العسكري فيها، وليس لها الوزن الاقتصادي التونسي على هشاشته، تقترض 70%من ديونها الخارجية من الصين.

وقد أعلن الرئيس الصيني أواسط عام 2020 إن دولته ستلغي ديون الدول الإفريقية التي في حالة ضعف، بواسطة قروض حكومية معفاة من الفوائد بنهاية العام نفسه.

تستثمر الصين في إفريقيا بمجالات البنية التحتية (الطرق، السكك الحديدية، والموانئ والسدود ومصافي التكرير…)، وكذلك في مجالات التصنيع والأغذية والاتصالات والمنسوجات…

«لا تقترن قروض الصين بشروط»، سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، ولا تفرض ضغوطا لسداد الديون. وقد أسقطت الآن معظم ديون الدول الإفريقية الأقل نموّا، إنها شريك تنمية غير ملطخ بتاريخ استعماري، قديم أو راهن.

في جويلية 2018، كان تعزيز مساهمة الصين في النجاح الروندي الراهن، إذ وقعت فيه 15 اتفاقية ومنحة بملايين الدولارات.

  1. العلاقات الاقتصادية التونسية-الصينية:

حجم العلاقات الاقتصادية التونسية – الصينية ضعيف. إنه لا يتجاوز استكمال تشييد الأكاديمية الدبلوماسية (الذي بدأ عام 2019)، والمركز الرياضي والشبابي جنوب العاصمة،والمستشفى الجديد بصفاقس بهبة صينية،وبعض الإمدادات الطبية لمساعدة تونس على مجابهة جائحة الكورونا.

بقيت تونس بين غَباء التعاون التابع للاتحاد الأوروبي ودوله، وخاصة فرنسا، إلى حدّ الابتداء في المصادقة على اتفاقية التبادل الحرّ و خاصة تنفيذه عَبْر بوابة خلفية هي المحليات (بلديات، مؤسسات عمومية وخاصة…)، وبين الانتهازية التركيّة عبْر العرَابة الإخوانية.

ورغم انضمام تونس رسميا إلى مبادرة «الحزام والطريق الجديدان» الصينية في يوليو 2018. لم يفعل وزراء الخارجية والتنمية شيئا، حتى في ظل قيس سعيد، لتفعيل ذلك التوقيع.

  1. الهُوَامات التونسية وعقلانية التعامل مع الصين:

على عكس المنطق، مازالت هناك محاولاتتونسية واهمة لإيجاد يد إنقاذ أوروبية (فرنسية أساسًا) أو خليجية (سعودية أو إماراتية أساسًا).

الرئيس قيس سعيد لا يلمح مجرد التلميح لمشروعه الاجتماعي- الاقتصادي، فكل وضوحه في إصراره على «النظام الرئاسي» و«الديمقراطية القاعدية»، ولو أنه وضوح «غامض»، وغير واقعي، ومخيف، بالنسبة إلى هذه المرحلة الدقيقة. فالأهم قبل المهم منطقيّا.

ونجد الكثير من أنصاره ومن أعدائه يتفقون (يا للعجب!) في ضرورة الاستدانة من صندوق النقد الدولي وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، «لأن اقتصادنا مندمج (!!) في الاقتصاد الغربي». أمّا التعاون الاقتصادي والاستدانة من الصين وروسيا والشرق، فهو «خطر، لأن أصدقاءنا (!) الغربيين والخليجيين سيغضبون علينا ويسحبون مشاريعهم ومساعداتهم المالية والعينيّة».

وهنا أستغرب. فكيف يمكن لفرنسا أن تغضب إذا استدنَّا من الصين وهي مَدِينة للصين بـ530 مليار يورو؟! وكيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تغضب، وهي مَدِينة للصين بـ1100 مليار دولار؟!

وكيف لا تخاف إفريقيا التابعة لفرنسا والولايات المتحدة من الاستدانة من الصين والتعاون معها، بينما نحن نخاف؟! إننا نخاف من غول وهمي لا وُجود له! يا لعار التونسيين!!!

من أوهام النخبة(حتى من بعض المختصين في علم الاقتصاد) والعامة في تونس، أن تعاملنا مع الكيان الصينيّ، «سيجعلنا نفقد حجما من العملة الصعبة الأوربية- الغربية والأمريكية- الشمالية». وهي أوهام مَرضية، لا تقوم على قاعدة علمية.

فالأمر عكس ذلك تمامًا. فتعاملنا مع عملة صعبة على صدارة سلم النقود العالمية، سيجعل سَلَّتنا من العُملات الصعبة متنوعة وأغنى. كما يجعل قدرتنا الشرائية للعملات الصعبة أفضل.

واليان قوي، في حالة صعود، غير قابل للتراجع والاهتزاز، عكس اليورو والدولار الأمريكي، لأنه نتيجة اقتصاد قوي صاعد، مرشح لأن يكون الاقتصاد الأول عالميًّا، قريبًا. كما أن للصين مدَّخَرات كبيرة جدًّا من اليان، على عكس الكثير من عملات المركز الإمبريالي.

من ناحية أخرى، سيخلق تعاملنا الكبير مع الصين منافسة أوروبية – غربية وأمريكية- شمالية علينا، فتقل إملاءات المركز الغربي وشروطه وابتزازيته، ويحسّن عروضه للتعامل معنا. وبذلك يتحسن وضعنا السيادي مع دُوله.

خاتمــــــــــــــة في مرايا الأمراء:

مرة أخرى… أقول للرئيس، باعتباره آخر فرصة لإنقاذ مشروع الحراك الثوري التونسي في السيادة والكرامة… حاول أن تستمع لأهل الإيجابية النقدية! لا تفكر وحدك! فمن فكر وحده زل، ومن «شارك الناس عقولهم أضاف عمرًا إلى عمره».

إنقاذ تونس ماليّا وإنقاذ الطبقات المهددة اقتصاديّا، يجب أن يحتل أولوية قُصوى، قبل تأسيس «النظام الرئاسي» وقبل تأسيس «الديمقراطية القاعدية» بمائات الكيلومترات، رغم أهميتهما.

وإنك لن تكون قويًّا دون الجِوار المغاربي السليم (= الجزائر أساسًا وخدمة السلام في ليبيا) ودون السّند الشرقي (الصين، روسيا…)، ودون أمريكا الجنوبية المناهضة للإمبريالية.

فالشجاعة لا تكفي، إذ تجب معها الحكمة، بتمييز العاجل عن الآجل. كما يؤكد الدكتور عبد الجليل البدوي دائما.

والشجاعة لا تكون دون رِفاق مقاومة في الداخل والخارج.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023