في ذكرى اغتيال شهيد محور المقاومة…بقلم محمد الرّصافي المقداد

في ذكرى اغتيال شهيد محور المقاومة…بقلم محمد الرّصافي المقداد

لا يكفي أن نترحم على عظمائنا ونتذكرهم، ونحيي أمجادهم ومآثرهم ومواقيت شهاداتهم، فكل ذلك جميل، وتعبير عن تقدير لما قدموه، ووفاء لهم على ما أبلوه من  جهود في سبيل الله، بل يجب علينا أن نواصل طريقهم، ونلتزم بالمضيّ فيه إلى آخر نقطة منه، وهي تحقيق وعد الله في تمام التمهيد، لإقامة دولة العدل الإلهي، وهو التكليف الذي خرج من أجل تحقيقه شهداء الولاية الإلهية.

لم يكن اللواء قاسم سليماني في شخصه ومعتقده وحركته، سوى نسخة جديدة من صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام مالك الأشتر رضوان الله عليه، وكما كان ذلك العبد الصّالح جنديّا وفيّا لإمام زمانه، كان الشهيد اللواء قاسم سليماني جنديا مخلصا لولي الفقيه، مؤمنا بنهجه الإسلامي الثوري المقاوم لكل أعدائه، من استكبار وصهيونية وتكفير، لذلك كانت حياته مليئة بالتّحدّيات، محفوفة بسرية كبيرة، لضمان أكبر قدر من النجاح، لمهامّه العسكرية الجهادية الدقيقة والمعقّدة وتعدد ساحاتها، مقابل تنوّع أعدائه وكثرتهم، وشدّة طلبهم له، فلم يكن ذلك ليحجزه عن مسيرة موفّقة، قدّمت إضافة كبيرة لبناء محور المقاومة، ولم تظهر آثاره وحضوره فيها سوى بعد استشهاده.

يمكن أن نعبّر عنه بأسطورة حصلت في زماننا، وظاهرة فريدة لم تتشكّل  بعض أسرار شخصيته وأعماله سوى بعد استشهاده، ولئن كان فقده خسارة كبرى ليس لإيران فقط، بل للعالم الاسلامي بأسره، وخصوصا محور المقاومة الذي كان يشرف عليه بكل دقّة، وهو قائد فيلق القدس، حجر رحى تحرير فلسطين، وطاحونة رحيِ محق الصهيونية على أرض فلسطين، شاء الله سبحانه أن يتقبّله شهيدا على ذلك النّحو قربانا مباركا، مغدورا من طرف أحطّ خلق الله، وأسلوبهم منذ عرفناهم الغدر ولا شيء غيره، وهو سبيل الجبناء في مواجهة الأبطال والشجعان، شهادة شبيهة بالسيد عباس الموسوي، كما طلبها في دعائه، على منهاج الولاية الإلهية سعيدا ببلوغها، وهو الذي عبّر عن ذلك في وصيّته بقوله:

إلهي، أيّها العزيز، لقد تخلّفت لسنوات عن القافلة، وقد كنتُ دوماً أدفع الآخرين إليها، لكنّي بقيت متخلّفًا عنها، وأنت تعلم أنّي لم أستطع أبداً نسيانهم، فذكراهم وأسماؤهم تتجلّى دائماً لا في ذهني فقط، بل في قلبي أيضا، وفي عينيّ المغرورقتين بدموع الحسرة.(1)

وسعداء بأنّ طريقنا الذي اخترناه له نتيجتان متلازمتان، النّصر أو الشهادة، وكلاهما فوز للمؤمنين، ولا يمكن أن تمُرّ علينا الذّكرى الثانية من عرس شهداء الولاية، دون أن نجدّد العهد لهؤلاء الذين رحلوا عنا،  في أقدس ركب يمكن أن يفوز به إنسان كرّس حياته في طلب الشهادة وتوّجه الله بها في نهاية المطاف الذي حدّده له، وساما مستحقّا ناله بعد حوالي 40 سنة من الجهاد.(2)

عملية الإغتيال التي حصلت في محيط مطار بغداد كانت بمشاركة استخباراتية صهيونية حسب ما صرح به القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء تمير هيمان، في لقاء لمجلة «مابات مالام»، وافاد به موقع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية الناطق باللغة العبرية. (3)، هي جريمة بحق رجل خطّ اسمه كقائد عسكري، كان له وزنه في القضاء على داعش، وإنهاء وجودها الذي كانت زُمَرُها تهدّد تخوم العاصمة العراقية بغداد، وقصف السيارة التي كانت تقلّه، اعتداء على سيادة العراق، وعلى قائد كبير أسهم بفعالية في تقزيم الإرهاب في العراق وسوريا، بذلت المخابرات المركزية الامريكية والصهيونية جهودا مضنية في تحديد مكانه، ولم يكن ذلك سهلا وظفرت به، نتيجة خيانة تسببت في تحديد موقعه.

لقد كان اللواء الحاج قاسم عسكريا فريدا في شخصه، تميّز بممازجة بين خبراته العسكرية، وأسلوبه في البناء المعنوي للأفراد الذين يعملون تحت إمرته، بإعطائهم من نفسه مثالا للشجاعة والصّبر والتواضع، وقد لمسوا منه جرأته في اقتحام أشدّ المواقع خطورة، وربط مصيره بمصير جنوده المحاصرين، في حالات أصرّ على اللحاق بهم رغم شدّة خطورة الموقف، باعتبارهم أبناءه قبل أن يكونوا جنودا تحت إمرته، ومن هذه العلاقات الحميمة التي بناها اللواء الشهيد بينه وبين مختلف قطاعات المقاتلين من أبناء العراق وسوريا، نجح في انهاء طموحات الإرهاب التكفيري في المنطقة، وهذا ما اثار غضب أمريكا فسعت في أثره تريد تصفيته، تمديدا في عمر مشروعها الإرهابي التكفيري في المنطقة.

وبمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد الحاج قاسم، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا، أكدت فيه أن واشنطن “اغتالت البطل الدولي لمكافحة الإرهاب”.

وقالت: “إن سليماني أدى دورا بارزا في المساعدة على إرساء السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبذل جهودا مضنية لمكافحة الإرهاب الدولي والجماعات الإرهابية في المنطقة وكان بطل مكافحة الإرهاب وقائد السلام ..على الرغم من هذا الدور والمكانة الرفيعة، فإن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تطبيق معايير مزدوجة وتقديم مزاعم كاذبة، بما في ذلك مزاعم مكافحة الإرهاب، وفي عمل إجرامي ينتهك قواعد ومبادئ القانون الدولي، قامت بتخطيط وتنفيذ هجوم إرهابي، ضد الفريق الشهيد قاسم سليماني خلال زيارته العراق، بصفته أحد كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومما لا شك فيه أن العمل الإجرامي للولايات المتحدة، المتمثل باغتيال سليماني، هو مصداق للهجوم الإرهابي خططت له، ونفذته الإدارة الأمريكية آنذاك بشكل منظم، ويتحمل البيت الأبيض حاليا مسؤولية ذلك”، مؤكدة أن “إيران، حكومة وشعبا، تقف إلى جانب حكومات ودول المنطقة ولم ولن تتوانى عن أي مساعدة للحفاظ على الوحدة وسلامة الأراضي، وتحقيق الاستقرار والأمن الدائمين، وتطوير وازدهار دول المنطقة والعالم الإسلامي”.(4)

إنّ الثّأر لمقتل الشهيد المغدور الحاج قاسم سليماني، لم يتحقّق بما يتناسب وقيمته العسكرية، فقصف موقع القوات الأمريكية بقاعد عين الأسد بالعراق، ليس سوى بداية زمن سيستمر، ليتحقّق الثأر ولن ينتهي إلا بزوال القواعد العسكرية الأمريكية، وزوال الكيان الصهيوني نهائيا من المنطقة، هنيئا لشهيد فلسطين قائد فيلق قدسها بوسامه الإلهي، وبارك لخطّ الولاية في قربانه الذي قدّمه وإن عزّ الفراق.

المراجع

1 – نص وصيّة الفريق الحاج قاسم سليماني

https://www.tasnimnews.com/ar/news/2020/02/14/2202534/

2 – قاسم سليماني https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – عملية اسرائيلية بأيدي أمريكية.. إسرائيل تعترف بدورها في اغتيال قاسم سليماني

https://www.almasryalyoum.com/news/details/2488174

4 – الخارجية الإيرانية تصدر بيانا حول مقتل قاسم سليماني

 https://arabic.rt.com/world/1310137

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023