في ذكرى ثورة الشعب الإيراني: الأمة العميقة ومحور المقاومة ما أبعد من الثورات الفاشلة والعدوان الأعظم

في ذكرى ثورة الشعب الإيراني: الأمة العميقة ومحور المقاومة ما أبعد من الثورات الفاشلة والعدوان الأعظم

لو يتمهل الباحث طويل النفس في الثورة الإسلامية في إيران لسوف يبقي عليها ولا شك كتابا مفتوحا يمتد حتى أيامنا هذه وغده. ولسوف يقنعنا بانها ما تزال مشروع مستقبل وذاكرة مستقبل وانها ليست ذاكرة نسيان وليست ذاكرة للنسيان وان مؤرخها الأكبر هو المواجهة والانتصار على كل واجهات المواجهة والانتصار. وان ربانها قيادة وريادة ووحدة وشهادة هم المؤمنون المضحون المحررون القادة السادة الشهداء، من اسم الله الأعظم إلى السلاح. ولكنه ليس مطلوبا منه أبدا أن يعدد كل إنجازاتها وكل صمودها وكل ابعادها وكل ما قاله فيها الأعداء قبل الأصدقاء. لانه في هذه الحالة ستصبح الجيوسياسة على سبيل المثال أو تكاد تصبح مبحثا في الالهيات ويصبح الوعي مبحثا في الاستراتيجيا وتصبح المقاومة جزءا من علم الوجود… وهكذا.

نحن لا نتطلع هنا، تطلع المتواضعين، إلا إلى مجرد محاولة في تأصيل مفهومي مجدد مستلهما من تاريخ ثورة الجمهورية الإسلامية في إيران الذي لا نظير له قولا وفعلا. وإننا ننطلق في ذلك من متطلبات واقعية واستراتيجية. وإننا عندما نسأل عن الثورات في القرن الماضي سنجد بعد كل مراجعة وبعد كل تقييم وبعد تعميق نظر ان ثورة الشعب الإيراني العظيم هي بامتياز ثورة القرن. وهي في هذا القرن أيضا ثورة القرن بمعنى ان لفظ القرن هنا ليس مجرد زمان أو مجرد زمنية وإنما هو عصر جديد أو طور جديد دخلته الإنسانية منذ 1979. وعلى غرار المؤرخ الكبير المرحوم هوبسباوم، نستطيع القول بأريحية انه عصر الثورة، غير انه عصر، بفارق نوعي، يصبح عصر الثورات على المنوال الإيراني.

بلى يوجد شيء اسمه في ظننا المتواضع الأمة العميقة. والأمة العميقة هنا ليست أمة الشعب الإيراني أو الملة بالمصطلح الإيراني وليست أمة العرق أو المذهب أو الطائفة أو البلد أو القومية التي هي اصلا الرسالة بالمعنى الصحيح…وهكذا. نقصد بالامة العميقة الاساسات والمحددات والشروط والخصائص والعوامل والحوامل والاعمال وليس مجرد الشعارات والعلامات والمدائح. أجل انها أمة الإنسان. انها الثورة من باب الإنسانية، وهي ثورة للعالمين. هي ثورة الإنسان في بعديه البشري والالهي. وهي بما هي مؤسس كبير في ما بتنا نسميه جميعا محور المقاومة الحالي، هي جزء من أمة المقاومة (عبارة استعملناها قبل سنوات) وهي أساس من أساسات حضارة المقاومة في إقليم المقاومة وفي عالمية المقاومة التي سميناها يوما الحركة المقدسية العالمية ردا على الإمبريالية العالمية والصهيونية العالمية والصهيونية العربية. وهي قاعدة راسحة لفرز المسيحي من المسيحي واليهودي من اليهودي والعربي عن العربي والمسلم عن المسلم والبوذي عن البوذي… وهكذا. والثوري عن الثوري في كل ركن في هذا العالم في شبه تحالف عالمي تعدديا قاريا ومحيطيا وقطبيا يجب أن يقف حوله كل أحرار العالم في صور عدة تتطور وتتفاعل وتتغير، ولكن المهم هو أن ينهض كل شعب حيث هو مقاوما حسب ما يراه ويستطيعه ومهما كان النموذج شرط أن يكون على قاعدة المقاومة وسياسة المقاومة وشعب المقاومة ومذهب المقاومة ونهج المقاومة وخيار المقاومة وقرار المقاومة وعقل المقاومة وارادة المقاومة وروح المقاومة… وسمه ما شئت.

ان العدوان الأعظم في هذا العصر هو الاستسلام لامريكا ومن معها وهذا لا يحتاج أي شرح. وان العدوان الاعظم ثلاثي بما ان التطبيع مع الصهيونية هو ركن من هذا العدوان الاعظم وذلك حصيلة لتقييمات الصهاينة والمتصهينين الذين يجمعون على أن كيان العدو فاشل لان التطبيع لم يقع مع الشعوب ولأن التطبيع هذا لم يبدأ من الشعوب. والعدوان الاعظم أيضا القبول بعدوان الصهيونية العربية.

وعلى ذلك فهذا النموذج الثوري الناجح وهذه الثورة الناجحة التي مهدت لتازر الثورات الاستراتيجي تغلق باب الثورات الفاشلة التي لا يمكن أن تنجح في ظل الاستعمار والاستكبار ولا يمكن أن تنجح دون تشخيص العدو الأميركي الصهيوني والصهيوني العربي وتنهض ضده دون بوصلة واضحة وبعد جيوسياسي وجيواستراتيحي عالمي مقاوم. وهي ولا شك في قلب محور المقاومة تمهد لانتصار القرن في عصر زوال كيان العدو الصهيوني هذا وذلك تمام انتصارها. وانتصار كل الثورات السابقة عليها والتي أتت بعدها وسميت ثورات وهي شعلة جديدة متجددة دائمة لكل الثورات وتصحيح لها وهي خير ومصلحة لكل شعوب العالم، ولا مبالغة في الأمر ابدا. فنحن على أي حال في باب الرؤية والمفهوم وهذا أمر متروك قطعا للإيمان به أو عدم الإيمان.

هي ثورة دولة الثورة والعلم والحكمة وهي ثورة الدولة الكريمة والثائرة وهي ثورة دولة السيادة والقيادة وهي أيضا دولة الريادة والشهادة وثورة الداخل والخارج. وان النجاح النهائي لعصر الثورة ولثورة العصر لرفع الظلم عن العالم واقامة الحق والعدل ليست مشروعا ايرانيا وإنما مشروع مقاوما عالميا وحدويا واتحاديا ذاهب إلى تمامه عند المعركة الكبرى. علينا هنا أن ندع جانبا الظهور الظاهري والانتظار الانتظاري وشتى الطائفيات السياسية التمصارعة. وعلينا أن نترك المفاهيم التقليدية المعرقلة والثورية المضادة إلى الأبد ونهتم بالأعمال لا بالعلامات. فلقد تجاوزنا فرادة الثالث لا شرقية ولا غربية رديفة عدم الانحياز الثالث وتجاوزنا المحاور الثنائية بطريق أول وأخير هو طريق محور المقاومة العالمي لكل الدول المقاومة وكل الشعوب المقاومة.

انه انتصار القرن الآتي بإذن الله وسواعد الرجال ردا مقاوما وحيدا أوحد على صفقة القرن.

 

صلاح الداودي. تونس.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023